بهدف فك العزلة المطبقة منذ 8 سنوات

النظام السوري يحاول التصالح مع العالم العربي

صورة

كانت السنوات الثماني الماضية مؤلمة بالنسبة للشعب السوري، إذ قتل مئات الآلاف من أبناء هذا الشعب في حرب أهلية طاحنة اتسمت بالوحشية المستمرة وانعدام الرحمة، وهناك عشرات الآلاف من السوريين تم اعتقالهم من قبل أجهزة المخابرات السورية، ودمر البلد وتضاءل الإنتاج السوري، فبعد أن كانت هذه الدولة مصدر فخر لشعبها باعتبارها قلب العروبة النابض، تحولت الآن إلى أكوام من الركام والخراب، كما أن مستقبلها يحدد من قبل أطراف أجنبية. وتشير تقديرات تكاليف إعادة البناء الى أنها تصل إلى 400 مليار دولار، وهو مبلغ لن تكون سورية قادرة على جمعه خلال جيل أو أكثر.

ويرى كثيرون بما فيهم دول عربية، أن الرئيس السوري بشار الأسد هو المسؤول عن تدمير بلده كي يحافظ على نفسه في السلطة، وفي نوفمبر 2011، أي عندما كانت أعمال العنف في سورية عمرها ثمانية أشهر، صوتت الجامعة العربية لتجميد عضوية نظام الرئيس السوري، وهي المرة الثالثة في تاريخ الجامعة التي تتم فيها مثل هذه الخطوة، (كانت المرة الأولى عام 1979عندما وقع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية سلام مع إسرائيل)، وبعد مرور أسابيع عدة فرضت الجامعة العربية عقوبات اقتصادية على سورية، حيث قطعت التجارة مع دمشق وحظرت سفر كبار المسؤولين إليها.

تغيّر النظرة للأسد

لكن بعد مرور نحو ثماني سنوات من الحرب تقريباً، حدثت تغييرات مهمة على نظرة العالم العربي إلى نظام الأسد، فقبل بضع سنوات كانت تركيا ودول خليجية ترسل السلاح للمجموعات المسلحة التي تشكل المعارضة السورية من أجل الإطاحة بالنظام السوري، أو إجباره على القبول بطاولة المفاوضات، لكن هذا الدعم لا يمكن مقارنته بما حظيت به قوات النظام السوري من دعم روسيا وإيران، وبدأت قوات الأسد باستعادة الأراضي التي خسرتها من اللحظة التي شاركت فيها القوات الجوية الروسية في الحرب الى جانب الرئيس السوري عام 2015، ولولا الاتفاقية التي تم التوصل اليها بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، لكانت قوات المعارضة السورية في وضع صعب جداً.

وعلى الرغم من أن العديد من القادة العرب كانوا يرغبون في الإطاحة بالرئيس الأسد وتوجيه ضربة استراتيجية قوية لإيران في المنطقة، الا أنهم غيروا آرائهم الآن وباتوا يعتقدون ان الأسد لن يفارق كرسيه في السلطة. وخلال مفاوضات السلام التي كانت في حالة احتضار في الأمم المتحدة، قالت دول عربية للمعارضة السورية أنه يجب عليها أن تكون أكثر واقعية في طرحها.

وحاولت هذه الدول العربية، بعد قناعتها بأن الأسد سيبقى في السلطة، تطبيع علاقاتها مع دمشق.

العودة للحالة الطبيعية

وبعد أن كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم منبوذاً ويمثل نظاماً إجرامياً، أصبح الآن يجتمع مع نظرائه العرب من جديد، وأخذت التجارة ترجع إلى أحوالها الطبيعية مع الدول العربية، ويجري المسؤولون السوريون مباحثات الآن مع بغداد لإعادة فتح الحدود الرئيسة في أبوكمال التي تصل بين الدولتين.

ولم يقدم العراقيون الدعم للمعارضة السورية أصلاً، وبناء عليه فإنهم يتباحثون مع الحكومة السورية من أجل العمل على إعادة مصالحتها مع بقية الدول العربية، وبعد لقاء في دمشق الأسبوع الماضي، دعا وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري لإنهاء حالة العزلة التي تعانيها الحكومة السورية، ومد غصن الزيتون للرئيس السوري بشار الأسد. وقال الجعفري: «لا يمكن لأحد أن يهمش دور سورية، وقد طرحت قضية عودتها إلى الجامعة العربية».

وقال بشار الأسد لصحيفة كويتية في بداية الشهر الماضي، إنه يوجد «تفاهم كبير» بينه وبين القادة العرب. ومن الواضح أن هذا التفاهم يتضمن التحرك نحو تطبيع العلاقات الاقتصادية. وقامت المملكة الأردنية، التي استخدمت الولايات المتحدة أراضيها لدعم المعارضة السورية، بفتح حدودها المشتركة أخيراً مع سورية في معبر نصيب من أجل التجارة والسفر. واتخذت إسرائيل أيضاً موقفاً براغماتياً، حيث قالت الحكومة الاسرائيلية إنه على الرغم من مساوئ الأسد فإننا نتعامل معه منذ عقود، وحافظت عائلته على حدود مرتفعات الجولان هادئة منذ حرب أكتوبر عام 1973.

وبالنسبة للمعارضة السورية فإن مجرد الاعتقاد بأن الرئيس الأسد سيتم تقبله في العالم العربي كرئيس شرعي، يمكن أن يثير لديهم الكآبة والغثيان، فكيف يمكن للرجل الذي قتل وعذب شعبه أن يمنح مثل هذه المكانة؟

والجواب على ذلك بسيط: إنها السياسة الواقعية والضجر، لقد تعبت الدول العربية من رعاية الملايين من اللاجئين السوريين، وتعبت من تسلل الإرهابيين الذين استغلوا الحرب الأهلية السورية، وتعبوا من خسارة الطرق التجارية التي كانت تستخدم عبر سورية لنقل البضائع إلى دول الخليج، ومثل الكثير من السوريين فقد تعب العرب من هذه الحرب.

وربما ينقضي بعض الوقت قبل استعادة العلاقات السياسية بين سورية والدول المحيطة بها بشكل كامل، ولكن الأحداث تسير في طريقها نحو تقارب بين سورية والدول العربية في نهاية المطاف. وفي غضون ذلك، فإن الأسد سيكون راضياً بمصالحة جزئية، لأنها ستكون أفضل من مرحلة العزلة التي كانت مطبقة على نظامه.

 - بعد أن كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم

منبوذاً ويمثل نظاماً إجرامياً، أصبح الآن يجتمع

مع نظرائه العرب من جديد، وأخذت التجارة ترجع

إلى أحوالها الطبيعية مع الدول العربية.

 

تويتر