آلاف يعبرون نهر سوشيات الفاصل بين غواتيمالا والمكسيك

قوافل اللاجئين تُشكل تحدياً لسلامة الحدود الأميركية

صورة

باستثناء تبرئته من قبل المحقق الخاص روبرت ميللر، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يجد مفاجأة في شهر أكتوبر الماضي أفضل من محاولة الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين عبور حدود الولايات المتحدة، وقام بضعة آلاف من المهاجرين يوم الأحد الماضي بعبور نهر سوشيات الذي يفصل غواتيمالا عن المكسيك، التي رفضت اعتقالهم أو طردهم، وبعد ذلك واصلوا ترحالهم، ومن الواضح أن هذه المجموعة غير المسبوقة من حيث العدد الكبير من اللاجئين، تعمل على اختبار النظام السياسي في الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن ترامب قام بتحميس المحافظين الأميركيين لاتخاذهم موقفاً متشدداً إزاء المهاجرين، إلا أن ذلك كان تأثيره معاكساً على خصومه السياسيين، وبالطبع فإنه من الجنون بالنسبة للرئيس أن يصف هذه القافلة من المهاجرين بأنها جاءت بتدبير من الديمقراطيين، كما قال في تغريدة له الأسبوع الماضي، ولكنه غير مخطئ في إحساسه بأن الديمقراطيين يشعرون بالارتباك إزاء هذه القافلة، وكانت تغريدة ترامب وانتقاداته وشعوره بنظرية المؤامرة الديمقراطية ضدهم، قد منعت قادة الحزب الديمقراطي من فعل أي شيء يمكن أن يفسر بأنه موافقة مع رأيه.

وفي الوقت ذاته، كان المزاج لدى الليبراليين من الديمقراطيين نحو هذه القافلة إيجابياً ومتعاطفاً، وكان شعار القافلة هو «شعب بلا حدود» الأمر الذي يذكر بتزايد الشعور لدى الليبراليين، بأن حماية الحدود في الأساس ليست أمراً شرعياً، وغالباً ما تكون عنصرية أيضاً.

ولكن علينا أن نفهم ما الفكرة التي وصلت إلى المحك: إذ إن النظرية التي تقف وراء هذه القوافل، سواء كانت هذه الأخيرة، أو ما سبقها من قوافل أصغر منها خلال السنوات الـ15 الماضية، تفيد بأن سكان أميركا الوسطى يتمتعون بحقوق شرعية في اللجوء الى الولايات المتحدة نتيجة البطالة المنتشرة والمشكلات الناجمة عن عنف العصابات في هذه البلدان، وإذا كان ذلك صحيحاً، فإن هذا الحق يتشارك فيه ليس الآلاف القادمين في هذه القافلة، وإنما الملايين الأخرى من سكان هذه البلاد الذين لايزالون قاطنين في أوطانهم، وأشار مسح قام به مركز بيو للأبحاث في واشنطن عام 2013 إلى أن 58% من سكان السلفادور يمكن أن ينتقلوا الى الولايات المتحدة اذا استطاعوا ذلك، ويبلغ تعداد سكان الدول السبع التي تشكل أميركا الوسطى، نحو 45 مليون نسمة أو تعداد سكان المكسيك نفسه في السبعينات، عندما بدأت الهجرات بأعداد كبيرة من هذه الدولة الى الولايات المتحدة.

الأمور تتسارع

وتسارعت الأمور خلال العقد الحالي أكثر مما كانت عليه في سبعينات القرن الماضي، عندما فتحت ألمانيا حدودها بصورة مؤقتة في أغسطس 2015، إذ دخل نحو مليون مهاجر الدولة خلال أربعة أشهر تقريباً، واستمر تدفق المهاجرين حتى عام 2016، ولاتزال الآثار السياسية لهذا التدفق الكبير للمهاجرين ماثلة حتى الآن، فقد كانت سبباً رئيساً لجعل البريطانيين يصوتون للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ودفعت الشعب البولندي الى انتخاب حكومة رجعية في بلادهم، وإلى إعادة انتخاب السياسي اليميني فكتور أوربان في هنغاريا، وإلى انهيار حكومة أحزاب يسار الوسط في كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا.

ويمكن أن نعزو انتخاب ترامب إلى ارتفاع تعداد المهاجرين العابرين للحدود الجنوبية للولايات المتحدة عام 2014، وقام عشرات الآلاف من النساء والأطفال بعبور الحدود في بضعة أسابيع، ولايزال العديد من الذين دخلوا الولايات المتحدة في عام 2014 يقيمون فيها حتى يومنا هذا، حتى بعد أن حكمت عليهم المحاكم بعدم البقاء، لأنهم لم يطيعوا أوامر ترحيلهم، وانتشروا بين سكان الولايات المتحدة من المهاجرين غير الشرعيين، الذين يقدر تعدادهم بالملايين.

جذب أصحاب الأجر المنخفض

وتعمل سوق العمل القوية في الولايات المتحدة على جذب العمال أصحاب الأجر المنخفض. وبعد انخفاض في عام 2017، عاد عبور اللاجئين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة للارتفاع من جديد في عام 2018، حيث عاد المعدل على ما كان عليه في عام 2016، وإذا تمكن الآلاف الذين يشكلون القافلة الحالية من العبور بنجاح الى الولايات المتحدة وقدموا طلبات اللجوء، وأطلق سراحهم في انتظار قرارات المحكمة، فمن المرجح أن يتبعهم كثيرون.

وليس هناك أي سبب يمنع مجيء الكثيرين، إذ إن 60% من سكان هندوراس يعيشون تحت خط الفقر حسبما يقول البنك الدولي، ونحو 60% من سكان غواتيمالا يعانون الأمر ذاته، وعلى الرغم من انخفاض معدلات العنف والجريمة في كلا البلدين في عام 2014، إلا أن هذه المعدلات تظل مرعبة بالنظر إلى المعايير الدولية. وبالنسبة لترامب، فإن القافلة تمثل فرصة سياسية، وهذا النوع من القضايا التي تثير حماس معظم المحافظين الأميركيين، تعزز مواقف ترامب باعتباره بطلهم الغاضب والهائج.

وأما بالنسبة لخصوم ترامب، فإن القافلة تمثل فخاً، فإذا واجه ترامب بآرائه المتطرفة، خصومه وأثبت أنهم استوعبوا رسالة القافلة بإنه لا ينبغي وجود أي حراسة على الحدود، فإن ذلك لن يساعد المهاجرين، بل على العكس فإن السياسة الأميركية ستحذو حذو الطريق الأوروبي، حيث وصلت الأحزاب اليمينية المناوئة للمهاجرين إلى مراكز القيادة.


بعد انخفاض في عام 2017، عاد عبور اللاجئين غير الشرعيين إلى أميركا للارتفاع من جديد في عام 2018.

تويتر