مصالح متشابكة تعطل فرص التوصل إلى حلول للمشكلات القائمة

رؤية موسكو للترتيبات السياسيـة في سورية غير قابلة للتطبيق بسهولة

صورة

يبدو أن روسيا تستعد لتدشين مرحلة جديدة من الجهود الرامية للوصول إلى ترتيبات سياسية جديدة في سورية، بعد تغير توازنات القوى لمصلحة النظام السوري، إذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال كلمة ألقاها في منتدى «فالداي» الدولي للحوار بمنتجع سوتشي في 18 أكتوبر 2018، أن بلاده حققت أهدافها في سورية، مشيراً إلى أن تدخلها عسكرياً كان بهدف محاربة الإرهاب ومنع تفتت الأراضي السورية، حيث استدعى حالة الصومال كنموذج اعتبر أن روسيا حالت دون تكراره في سورية، موضحاً أن المرحلة التالية ستكرس للتسوية السياسية على ساحة الأمم المتحدة. لكن ذلك لا ينفي أن ثمة تحديات عدة قد تواجه تلك الجهود خلال المرحلة المقبلة تتعلق بالقضايا الرئيسة التي لم يتم حسمها في الفترة الماضية، وفي مقدمتها الموقف من النظام السوري في حد ذاته.

أهداف عدة:

ركّز بوتين خلال كلمته على قضية الحرب على الإرهاب في سورية، حيث أشار إلى أن روسيا نجحت في تحرير نحو 95% من الأراضي السورية، وبالتالي اعتبر أن الهدف الروسي هو محاربة الإرهاب فقط، وهو ما لا ينسجم مع بعض المعطيات الموجودة على الأرض.

ففي ما يتعلق بالتطهير المساحي، فإن إجمالي مناطق السيطرة والنفوذ في سورية التي تم تحريرها يعطي النظام السورى مساحة سيطرة تصل إلى نحو 59.8% حسب تقديرات يوليو 2018، في حين تسيطر ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية» (قسد) على مساحة 27.5%، والبقية موزعة بين مساحات نفوذ المعارضة السورية بما يصل إلى نحو 9% والتنظيمات الإرهابية خصوصاً «داعش» بأقل من 3%. وبالتالي فإن النظام يفرض سيطرة على ما يقارب ثلثي المساحة؛ قسم منها اعتمد على آليات ليست عسكرية، مثل اتفاقات خفض التصعيد التي تم التوصل إليها برعاية بعض القوى الإقليمية، بما يعني أن التدخل الروسي لم يكن المتغير الوحيد الذي فرض هذه النتائج في النهاية رغم تأثيره الواضح.

كما أن هذا التدخل لم يهدف إلى مواجهة الإرهاب حصراً، في ظل الأجندة الروسية التى تتضمن أهدافاً عدة تتجاوز عمليات المواجهة مع الإرهاب، مثل إعادة التموضع مجدداً في شرق المتوسط، في ظل الخلافات المتصاعدة مع الدول الغربية حول العديد من الملفات الإقليمية والدولية.

شركاء آخرون:

واللافت في هذا السياق أيضاً، هو أن أطرافاً أخرى شاركت في تحقيق بعض هذه الأهداف، مثل الولايات المتحدة الأميركية، التي دعمت بعض القوى المحلية، على غرار الأكراد والعرب في شرق الفرات، في المواجهات التي اندلعت مع تنظيم «داعش»، بل ينسب إلى التحالف الدولي وحلفائه المحليين عملية إسقاط معقل «داعش» الرئيس في الرقة، وليس إلى روسيا، أو إيران، أو تركيا. وفي مطلع مايو 2018، أعلنت هيذر ناويرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، أن الولايات المتحدة والتحالف الدولي ومعهم (قسد) أطلقوا عمليات لتحرير آخر معاقل «داعش» في سورية، وقالت في هذا السياق: «إن اليد العليا في هذه المعركة ستكون لنا ولشركائنا.. سندافع عن الولايات المتحدة، وسندافع عن التحالف وعن القوات الشريكة في حال الهجوم عليها»، وهو تأكيد لصيغة الانخراط المباشر اعتماداً على القواعد العسكرية الأميركية ومنها قاعدة «التنف» من جهة، وعلى الشركاء المحليين والإقليميين من جهة أخرى، وفقاً لاسترايتجية «القيادة من الخلف».

كما أن الرهان على تثبيت نظام الأسد لم يقتصر أيضاً على موسكو وحدها، فالتراجع التدريجي عن الإطاحة بالنظام جاء في الأساس نتيجة حدوث تغير في سياسات بعض القوى الدولية إزاء هذه القضية تحديداً، إذ أشارت تقارير غربية إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين تراجعوا عن الإطاحة بالنظام السوري كشرط مسبق للمصالحة في سورية، حيث قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، في 21 يونيو 2017، إنه «لا يرى بديلاً شرعياً لنظام الأسد في سورية»، معلناً بوضوح أنه «لم يعد يعتبر رحيل الأسد شرطاً مسبقاً لتسوية النزاع في سورية».

صوملة سورية:

وهو النموذج الذي استند إليه الرئيس بوتين في كلمته بمنتدى «فالداي». لكن اللافت في هذا السياق، هو أن بعض الخطوات التي اتخذتها موسكو خلال فترات سابقة كانت توحي بأنها لا تستبعد تطبيقه في النهاية، بل إن تصريحات بعض مسؤوليها أشارت إلى ذلك فعلاً، على غرار سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الذي قال، في نهاية فبراير 2016، إن «روسيا تأمل من المشاركين في المفاوضات السورية، أن يتوصلوا إلى صيغة لإنشاء جمهورية فيدرالية وهو الأمر الذي يطالب به الأكراد»، على نحو أثار جدلاً واسعاً في تلك الفترة حول رؤية موسكو لمستقبل الترتيبات السياسية في سورية بعد انتهاء الصراع العسكري.

وفي مقابل ذلك، أبدت أطراف أخرى رفضها لهذا السيناريو، معتبرة أن ذلك قد يفرض عواقب وخيمة في المنطقة، فضلاً عن أن تشابك المصالح الإقليمية فرض مساراً مختلفاً ارتبط بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية، خصوصاً في ظل استمرار نشاط التنظيمات الإرهابية التي تسعى إلى مواصلة عملياتها الإرهابية داخل سورية، رغم الضربات القوية التي تعرضت لها.

فرص وتحديات:

من دون شك، فإن مجمل ما سبق لا ينفي أن روسيا تحولت إلى طرف رئيس لديه القدرة على المشاركة في تحديد المسارات المحتملة للصراع في سورية. كما أن ذلك لا ينفي أيضًاً أنها كان لها دور في تراجع نشاط التنظيمات الإرهابية بشكل بارز خلال الفترة الماضية على خلفية الإجراءات التي أصرت على اتخاذها لتسوية أوضاع بعض المناطق التي توجد فيها تلك التنظيمات.

لكن جهود روسيا لمواصلة هذا الدور تواجه تحديات عدة، أبرزها موقفها من قضية إعادة إعمار سورية، التي حرصت الدول الغربية على ربطها بفتح النقاش حول مستقبل النظام السوري في الحكم ومسارات التسوية السياسية للصراع السوري.


تراجع القدرة

قدرة موسكو على الوصول إلى تفاهمات أمنية وسياسية مع بعض الأطراف المعنية بالصراع السوري، مثل تركيا وإيران، ربما تتراجع تدريجياً، على ضوء تطورات عدة، منها التصعيد المستمر بين الأخيرة والولايات المتحدة حول الاتفاق النووي والعقوبات الجديدة، والخلافات العالقة بين طهران وأنقرة حول بعض القضايا الرئيسة، التي لا تبدو ثانوية.

إلى جانب أن الخلاف الذي نشب اخيراً مع إسرائيل قد يفرض متغيرات جديدة على الرؤية الروسية لمستقبل الترتيبات السياسية والأمنية في سورية، التي تبدو مقبلة على استحقاقات استراتيجية مهمة في الفترة المقبلة.

التدخل الروسي لم يهدف إلى مواجهة الإرهاب حصراً، في ظل الأجندة الروسية التي تتضمن أهدافاً عدة تتجاوز عمليات المواجهة مع الإرهاب، مثل إعادة التموضع مجدداً في شرق المتوسط، في ظل الخلافات المتصاعدة مع الدول الغربية حول العديد من الملفات الإقليمية والدولية.

إجمالي مناطق السيطرة والنفوذ في سورية التي تم تحريرها يعطي النظام مساحة سيطرة تصل إلى نحو 59.8% حسب تقديرات يوليو 2018، في حين تسيطر قوات سورية الديمقراطية (قسد) على مساحة 27.5%، والبقية موزعة بين مساحات نفوذ المعارضة السورية والتنظيمات الإرهابية.

تويتر