نتيجة أخطاء الدول الغربية

بوتين وصل إلى السيطرة الشاملة في سورية

صورة

نادراً ما يحصل وقف إطلاق النار على اهتمام كبير من الصحافة. وحتى إذا نجح في إنهاء أعمال العنف أو نزع فتيل أزمة كبيرة، فإن وسائل الإعلام ستشعر بالملل سريعاً، وتفقد اهتمامها به. لكن إذا استمر الصراع، فستتم إدانة الذين انتهكوا وقف إطلاق النار، ونعتهم بأن قلوبهم متحجرة، أو أنهم منافقون لا ينوون وقف أعمال القتل، أو أنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق ذلك.

ويتشكك الخبراء بشأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه من قبل الرئيسين: الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، في مدينة سوتشي الروسية، أخيراً، لوقف هجوم وشيك كان الرئيس السوري بشار الأسد ينوي شنه ضد مسلحي المعارضة في مدينة إدلب، التي تعتبر آخر منطقة تسيطر عليها المعارضة المسلحة في غرب سورية، بعد أن خسرت معاقلها في: حلب، ودمشق، ودرعا، خلال العامين الماضيين.

والتشكك بشأن هذا الاتفاق مفهومٌ، لأنه في حال تنفيذه سيضعف المجموعات المناوئة للأسد في إدلب كثيراً على الصعيد العسكري، لأنه ستكون هناك منطقة منزوعة السلاح، تسيطر عليها الشرطة الروسية والتركية في مناطقهما. وسيتم إبعاد «الإرهابيين المتشددين»، كما أن الأسلحة الثقيلة مثل الدبابات والمدافع سيتم سحبها. وستخسر المجموعات المعارضة سيطرتها على اثنين من الشوارع الرئيسة الخارجية العابرة لإدلب، والتي تربطها بمدن أخرى يسيطر عليها النظام مثل حلب واللاذقية، وحماة.

ويبدو من الصعب فهم كيف يمكن لمجموعات مقاتلة، أمثال هيئة تحرير الشام، أن تتنازل عن سلاحها طواعية، وهي تدرك أنها ستخسر كل نفوذها وتأثيرها جراء ذلك. وقالت الحكومة السورية إنها ستلتزم بالاتفاق، لكنها يمكن أن تغير رأيها وتفكر بتقسيم إدلب قطاعات عدة، كما فعلت في مناطق أخرى، كان يسيطر عليها مسلحو المعارضة.

والأمر الأكثر أهمية في هذا الاتفاق ليس تفاصيله، بقدر ما تقوله تلك التفاصيل عن توازن القوات في سورية والمنطقة، والعالم ككل. وبغض النظر عن هشاشة الاتفاقية، فإن جميع الاتفاقيات يصح عليها قول الجنرال ديغول، عندما قارنها: «بالفتيات الصغار، والورود، إذ تستمر طالما العمل بها متواصل»، وربما يكون تنفيذ اتفاق بوتين أردوغان صعباً، وتكون فوائده مؤقتة، إلا أنه سيخدم الغرض إذا لم يتم تقسيم السوريين الموجودين في إدلب إلى مجموعات كبيرة.

ميدان صراع دولي

ومنذ زمن بعيد لم تعد الحرب الأهلية السورية صراعاً بين مجموعات محلية، إذ أصبحت سورية ميداناً تتصارع فيه الدول الأجنبية، وتجري فيها حرب بالوكالة بين دولة وأخرى، وتضع دول أخرى نفوذها وقوتها قيد الاختبار. وكانت النتيجة الدولية حتى الآن هي أنها مكنت روسيا من إعادة ترسيخ نفسها كقوة عظمى. وساعدت موسكو الأسد في الحفاظ على نظامه بعد الهبة الشعبية، التي اندلعت في سورية عام 2011، ومكنته من تحقيق النصر في نهاية المطاف عن طريق التدخل المباشر إلى جانبه في عام 2015. ويتذكر دبلوماسي عربي كبير أنه في بداية الحرب الأهلية السورية، سأل جنرالاً أميركياً من قيادة المنطقة عن الفرق بين الأزمة في سورية، وتلك التي انتهت بمقتل العقيد معمر القذافي، فرد الجنرال بكلمة واحدة هي: «روسيا».

ومن الصعب التذكر الآن، بعد أن صار يُنظر إلى روسيا في العالم الغربي باعتبارها قوة عدوانية غاشمة تهدد الجميع، كيف أنها كانت مهمشة قبل سبع سنوات، عندما كانت قوات «الناتو» تعمل على تغيير نظام القذافي في ليبيا.

وكانت روسيا في واقع الأمر أقوى من ما تبدو عليه، لأنها ظلت قوة نووية عظيمة، قادرة على تدمير العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، تماماً كما كانت قبل ذلك. وسيكون من الصعب نسيان هذه الحقيقة المهمة جداً، لكنَّ السياسيين والمعلقين يواصلون توجيه النصح بعزل روسيا، ويدعون أنه يمكن تجاهلها على نحو آمن.

لقد كانت عودة روسيا كدولة عظمى دائماً مسألة حتمية، لكن جرى تسريع ذلك نتيجة نجاحها في انتهاز الفرص والأخطاء الشنيعة التي ارتكبتها الدول المنافسة لها. ولطالما كان الأسد في سورية أقوى من ما يبدو عليه. وحتى عندما كانت حظوظه في الحضيض في يوليو 2011، أشارت تقديرات السفارة البريطانية إلى أنه يحظى بدعم 30 أو 40% من الشعب السوري، حسب كتاب «معركة سورية: تنافس عالمي في شرق الشرق الأوسط» للكاتب كريستوفر فيليبس، الذي تعتبر قراءته أساسية لأي شخص مهتم بسورية. وفشلت آراء الخبراء في تغيير قناعة رجال السياسة الدوليين بحتمية رحيل الأسد. وعندما أعرب السفير الفرنسي في دمشق أريد تشيفاليير عن شكوكه في أن عملية تغيير النظام وشيكة، تلقى توبيخاً قوياً من قبل المسؤولين في باريس، الذين قالوا له: «معلوماتك لا تهمنا، بشار الأسد يجب أن يسقط وسيسقط».

تفكير التمني

واستمر هذا التفكير الذي ينطوي على التمنيات، والبعيد عن الواقع حتى يومنا هذا. ونتيجة سوء الحسابات التي قامت بها واشنطن، وباريس، ولندن، قدمت لبوتين البيئة السياسية المثالية كي يقوم من خلالها بترسيخ وضعية الدولة العظمى لروسيا. ولابد من القول إن الاتفاق الذي تم توقيعه، أخيراً، بين روسيا وتركيا يحدد مستقبل إدلب، ويشكل إشارة إلى المكانة المتقدمة جداً، التي وصلت إليها روسيا في سورية، إذ أصبح بوتين قادراً على توقيع اتفاقيات ثنائية مع تركيا ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو، دون الإشارة إلى الولايات المتحدة، أو أي عضو آخر في «الناتو».

ويعني هذا الاتفاق أن تركيا ستزيد وجودها العسكري في شمال سورية، لكنها لا تستطيع القيام بذلك بأمان دون إذن من موسكو. وتبقى الأولوية الأهم بالنسبة لتركيا هي منع تشكيل دويلة كردية بحماية الولايات المتحدة في سورية، لهذا السبب فإنها بحاجة إلى التعاون مع روسيا. وكان انسحاب مظلة القوة الجوية الروسية الحامية لمدينة عفرين في وقت سابق من العام الجاري، هو الذي مكن الجيش التركي من احتلالها والسيطرة عليها.

وكما حدث مع كوريا الشمالية، فربما تكون غرائز الرئيس ترامب أكثر رسوخاً من التجارب المتغطرسة لمؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن ومستنسخاتها الأجنبية. فهي لم تتعلم الدرس الأكثر أهمية في حروب التدخل التي قادتها الولايات المتحدة في العراق وسورية، والذي مفاده أنه ليس من مصلحة الغرب افتعال مشكلات أخرى فيها. وعلى الرغم من ذلك، فإنهم يجادلون من أجل استمرار الوجود العسكري الأميركي في شمال سورية، على أساس أن ذلك يمكن ان يضعف قوة الأسد، ويضمن أن أي نصر يحققه سيكلفه غالياً جداً.

لكن كل الأحداث، التي وقعت منذ عام 2011، توحي بأن العكس هو ما حدث، فعن طريق إضعاف الأسد، أجبرته القوى الغربية على أن يصبح أكثر اعتماداً على موسكو وطهران. وأسهمت في مقتل مزيد من السوريين، أو الذين أصيبوا بجروح أو أصبحوا لاجئين، وفسح المجال لإعادة ظهور «القاعدة» وأخواتها.


هيمنة مؤقتة

قد تكون الهيمنة الروسية في المنطقة الشمالية من الشرق الأوسط مؤقتة، لكن يجري تعزيزها من خلال عملية أخرى. وعلى الرغم من أن الرئيس ترامب لم يشن أي حرب حتى الآن، فإن انعدام اليقين بسياسة الولايات المتحدة يعني أن العديد من الدول في العالم تنشد سياسة إعادة «شراء التأمين» من روسيا، لأنها فقدت الثقة بإمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة. وربما لا يكون بوتين قادراً على التوفيق بين هذه الفرص المختلفة المعروضة عليه بشكل غير متوقع، لكنه حتى الآن حقق نجاحاً مدهشاً.

لابد من القول إن الاتفاق، الذي تم توقيعه أخيراً بين روسيا وتركيا لتحديد مستقبل إدلب، يشكل إشارة إلى المكانة المتقدمة جداً، التي وصلت إليها روسيا في سورية.

حتى عندما كانت حظوظه في الحضيض في يوليو 2011، أشارت تقديرات السفارة البريطانية إلى أن الأسد يحظى بدعم 30 أو 40% من الشعب السوري.

تويتر