العقوبات مناورة جريئة تضع أميركا في مواجهة أقدم حلفائها

المناوشات بين إيران والولايات المتحدة مقدّمة لحرب شاملة

صورة

تبادل القادة الإيرانيون والأميركيون الإهانات علانية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، بيد أن ذلك يعتبر مناوشات بسيطة مقارنة بالمعركة المقبلة بين العدوّين. ويبدو أن الولايات المتحدة على وشك فرض أقسى العقوبات على إيران، لتشديد الخناق حول رقبة نظام طهران، وهي مناورة جريئة، ولكنها تنطوي على مخاطرة تضع أميركا في مواجهة أقدم حلفائها.

وخلال الأسابيع الأربعة المقبلة، ستنتهي إدارة ترامب من إعداد وفرض سلسلة من الإجراءات لعزل إيران عن الأسواق المالية العالمية، وإضعاف الاقتصاد الإيراني، وإبعاد السيولة المالية عن أيدي الحكومة والجيش الإيراني. وبحلول 5 نوفمبر المقبل، سيتعيّن على جميع الدول والشركات الدولية الخيار بين التجارة مع إيران أو مع الولايات المتحدة. وهذه الفرصة الأمثل بالنسبة لفريق ترامب لتوجيه ضربة قوية إلى إيران، دون القيام بعمل عسكري.

الهدف

فهل يمكن أن تنجح هذه الإجراءات؟ يعتمد ذلك على الهدف. ويقول الرئيس ترامب إنه يريد من إيران العودة إلى الطاولة من أجل التوصل إلى «اتفاقية أفضل» من التي توصلت إليها مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والتي انسحب منها ترامب. وقال ترامب يوم الأربعاء الماضي: «ليس من المهم ما يعتقده القادة عن إيران، إذ إن إيران سترجع إليّ وستقدم اتفاقاً جيداً».

ولكن استناداً إلى التصريحات الإيرانية فإن ما يقوله ترامب غير ممكن. ومع ذلك، فعلى الأقل، فإن هذه الاستراتيجية يمكن أن تحرم النظام الإيراني التمويل الذي يستخدمه لنشر البؤس والمآسي في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وصف ترامب بـ«النازي» و«المتنمّر» في خطابه الذي ألقاه في الأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي، إلا أن العديد من موظفي إدارة ترامب كانوا يطرحون سياسة الولايات المتحدة خلال مؤتمر أطلق عليه «متحدون ضد إيران النووية»، وهي منظمة غير ربحية تعارض الاتفاقية الإيرانية.

وبالتوازي مع خطاب ترامب العنيف، كان وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، يوجهان انتقادات لاذعة لإيران والاتحاد الأوروبي، الذي أعلن يوم الإثنين أنه سيعمل مع إيران، وروسيا والصين، لإنشاء نظام مصرفي مصمم خصيصاً لتجنب العقوبات الأميركية.

انزعاج

وقال بومبيو إنه شعر «بالانزعاج، وخيبة الأمل العميقة» نتيجة خطوة الاتحاد الأوروبي، واتهم حلفاء الولايات المتحدة بأنهم يؤيدون فساد إيران ودعمها للإرهاب. وأضاف بومبيو: «هذا واحد من أكثر الإجراءات التي تسير في الاتجاه الخطأ، والتي يمكن تخيّلها، بدءاً من السلام، وصولاً الى الأمن الإقليمي والدولي. واعتقد أن ملالي إيران وأفراد حراس الثورة الفاسدين، يضحكون اليوم طرباً».

وبالطبع فإن الجميع في الجمعية العمومية للأمم المتحدة كانوا يضحكون، صباح يوم الثلاثاء، على ادعاءات الرئيس ترامب بأنه حقق إنجازات تفوق ما حققته أي إدارة أميركية أخرى، ولكن بومبيو لم يقصد هذا النوع من الضحك. من جانبه، سخر بولتون من الاتحاد الأوروبي، وأعرب عن تشككه في قدرته على النجاح في هذه المناورة المالية، التي سيقوم بها لمصلحة إيران. وأضاف «الاتحاد الأوروبي قوي في إطلاق الخطابات، وضعيف في الإنجاز».

وحذر بولتون من أنه في الفترة ما بين الآن والخامس من نوفمبر يتعين على جميع الدول والكيانات العالمية تقليص شرائها للنفط الإيراني حتى الصفر، وإلغاء جميع التعاملات مع المؤسسات المالية الإيرانية، وإلا فإنهم سيواجهون عقوبات أميركية جديدة وقاسية. وذكر بصورة خاصة غرفة المقاصة المالية الدولية المعروفة بأحرفها الأولى «سويفت»، التي تنوي إدارة ترامب فرض عقوبات عليها أيضاً.

وقال بولتون يجب على «سويفت» واللاعبين الآخرين في هذا المجال أن «ينتبهوا جيداً» إلى التجارة مع إيران، ويسألوا أنفسهم عما إذا كانت أعمالهم من إيران تستحق هذه المخاطرة. وكانت رسالته إلى إيران واضحة تماماً، إذا كنتم تعتقدون أن أميركا هي «الشيطان الأكبر» فإن إدارة ترامب مستعدة أن تلعب هذا الدور. وإذا «حاولتم تجاوزنا فسيكون الثمن باهظاً».

وثمة تخبّط حول ما يمكن أن تقوم به إيران كي تتجنب هذه العاصفة القوية. وقال ترامب إنه مستعد للجلوس مع روحاني في أي وقت يريد، ولكن بومبيو أصر على أنه يجب على إيران تحقيق تقدم في 12 مجالاً مختلفاً في سياستها المحلية والخارجية أولاً، وتغيير طبيعة النظام بحد ذاته وكذلك أفعاله. وليس هناك من يعتقد أن ذلك يمكن أن يحدث قريباً.

ودافع المبعوث الخاص لبومبيو إلى إيران، برايان هوك، الذي قاد المفاوضات مع الدول الأوروبية حول القضية الإيرانية، عن الخطاب الأميركي نحو إيران، وعرض هدفاً آخر تسعى اليه هذه العقوبات، ويتمثل في وقف عنف إيران المحلي. وقال هوك: «لو كان الحديث اللطيف مع إيران قد حقق شيئاً لما وصلنا إلى هذه الحالة. فعلينا أن نستعيد قوة الردع، خصوصاً في الشرق الأوسط».

استراتيجية متعدّدة

إخراج إيران من سورية هدف يستحق إنجازه، لكنه يتطلب استراتيجية متعددة وشاملة مستدامة لتحقيقه، إذ إن العقوبات لن تخرجها. ومع مرور الزمن، فإن أقوى الضغوط الاقتصادية ستفقد زخمها، وستفقد العقوبات الاقتصادية وطأتها. وكان وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، قد نصح الإيرانيين بالانتظار والتحمل حتى نهاية إدارة ترامب. وسواء أحببنا ذلك أم لا فإنه على حق.

وخلال الأشهر المقبلة ستكون إيران اختباراً للسياسة الخارجية التي يتوق لها ترامب منذ أمد بعيد، وهي: الأحادية الصارمة، وعدم احترام الحلفاء، والاستخدام المتغطرس للقوة الأميركية التي تُجبر دول العالم على التعاون مع سياساتها التي لا تحظى بالشعبية. ويبقى السؤال المفتوح الآن: ما الذي سيحدث إذا لم تنجح هذه السياسة؟ هل سيتراجع ترامب؟ هل سيقدم حلفاء الولايات المتحدة العون لها؟ هل سيستفيد أعداؤها من الوضع الحالي؟ التهديد الإيراني حقيقي، ولكن أسلوب ترامب في التعامل معها خطر.

- بولتون سخر من الاتحاد الأوروبي، وأعرب

عن تشككه في قدرته على النجاح

في هذه المناورة المالية، التي سيقوم

بها لمصلحة إيران.

- بريان هوك: لو كان الحديث اللطيف مع إيران قد

حقّق شيئاً لما وصلنا إلى هذه الحالة. فعلينا أن

نستعيد قوة الردع، خصوصاً في الشرق الأوسط.

تويتر