استُخدمت في الهجوم على الرئيس الفنزويلي.. واعتمد عليها «داعش» بالعراق

هجمات «الدرونز» التجارية خطر مقبل يصعب على الدول مواجهته

صورة

كان الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، يتحدث عن التجديد الاقتصادي، وبجانبه زوجته ومجموعة من كبار المسؤولين، في بلد يعاني الفقر والجوع والنقص في كل شيء. وفي لحظة، على الهواء مباشرة، تغيّر وجه الزوجة وتغيرت معه ملامح مادورو مع علامات القلق الواضح. وتغيّر اتجاه الكاميرا إلى الحرس الوطني في الشارع، بينما بدأ العشرات فجأة بالركض. ووفقاً للحكومة والشهود، فقد شاهدوا انفجارات في السماء.

ووفقاً لرواية الحكومة، كانت تلك الانفجارات جزءاً من محاولة اغتيال بطائرات من دون طيار (الدرونز)، التي ستكون أول حالة لهجوم يستهدف رئيس دولة، إذا كانت الرواية صحيحة، ونقطة تحوّل محتملة لأشياء مقبلة.

كانت الولايات المتحدة رائدة في استخدام طائرات «الدرونز» للمراقبة، وفي وقت لاحق، لقصف المسلحين في أفغانستان بالصواريخ، منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، ولدى مجموعة قليلة من الدول، الآن، تلك القدرات. والطائرات من دون طيار الآن صغيرة، ومتاحة تجارياً من النوع الذي تقول فنزويلا إنه استخدم في محاولة الاغتيال الأخيرة، وهي لا تتطلب مبالغ كبيرة للإنتاج أو مدارج للإقلاع، ويمكن استخدامها لتصوير أو لتسليم المنتجات التجارية أو للمساعدات الإنسانية؛ كما يمكنها حمل المتفجرات.

كانت محاولة الاستهداف في فنزويلا جديدة، لكن الخطر لم يكن كذلك، بل القلق بين المحللين والمسؤولين من أن الأمر يزداد سوءاً، وأن الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، غير مستعدة للتعامل معها. وبعد أشهر فقط من استيلاء تنظيم «داعش» على مدينة الموصل العراقية في صيف عام 2014، كانت هناك تقارير تفيد بأن المجموعة كانت تسيّر طائرات «الدرونز». وجلب خريف عام 2016 أول حالة معروفة من القتلى بطائرة «داعش»، عندما قُتل اثنان من المقاتلين الأكراد في شمال العراق وهم يفحصون طائرة من دون طيار مزوّدة بالمتفجرات أطلقها التنظيم في وقت سابق. وفي ذروة تسيير التنظيم المتطرف لهذا النوع من الطائرات، في عام 2017، وفقاً لتقرير صادر عن مركز مكافحة الإرهاب في «ويست بوينت»، كانت طائراته تحلق لإنجاز عشرات المهمات شهرياً عبر العراق وسورية، حيث أبلغ عن هجمات متكررة بطائرات «الدرونز» على خطوط النقل والإمداد ومستودعات الذخيرة.

وفي ذلك، يقول المدير التنفيذي لمعهد «كي كي آر» الدولي، لي فانس سيرشوك: «استغرق الاستعداد بعض الوقت»، وتابع «في العراق وسورية، على وجه الخصوص، اكتشف التنظيم كيفية تسليح الطائرات من دون طيار، قبل أن نكتشف كيفية مواجهتها. الدفاعات الجوية الحديثة مبنية ضد الطائرات الحربية والصواريخ. في حين أن (الدرونز) صغيرة وبطيئة ومنخفضة. ليس لدينا بنية جيدة لهزيمة ذلك في ساحة المعركة».

أسلحة حرب

هذا التطور التكنولوجي نموذجي في الابتكارات التكتيكية للجماعات الإرهابية، التي غالباً ما تنطوي على ابتكار طرق منخفضة الكلفة لإلحاق ضرر كبير بعدو أقوى. من الأسهل والأرخص، على سبيل المثال، إخفاء جهاز متفجر بسيط على جانب الطريق، كما فعلت مجموعات التمرد المختلفة للتأثير المدمر في العراق، وكان من الصعب حماية الأفراد منه. وبالمثل، فإن «القاعدة» و«داعش» وغيرهما حوّلوا الوسائل الحديثة التي تستخدم بشكل يومي، بما في ذلك طناجر الضغط (للطبخ) والشاحنات الصغيرة وطائرات «الدرونز»، إلى أسلحة حرب. الطائرات التجارية من دون طيار ليست سوى أحدث مثال على نمط قديم.

وبينما انخفض نشاط طائرات «داعش» مع خسارته للأراضي في العراق وسورية، فإن المشكلة لا تقتصر عليه. ففي عام 2015، ذكرت وكالة «رويترز» أن أحد المتظاهرين سيّر طائرة من دون طيار تحمل رمالاً مشعة من كارثة فوكوشيما النووية إلى مكتب رئيس الوزراء، شينزو آبي، ولحسن الحظ كانت كمية الإشعاع ضئيلة. كما استخدمت العصابات المكسيكية طائرات «الدرونز» لتهريب المخدرات، وأحياناً لقصف الشرطة المحلية. وفي الصيف الماضي، ألقت طائرة من دون طيار قنبلة يدوية على مستودع للذخيرة في أوكرانيا، ما تسبب في حدوث خسائر بقيمة مليار دولار.

«هذا الهجوم غير النمطي بالطائرات التجارية الصغيرة يمكن أن يتسبب في ضرر كبير»، كما تقول زميلة المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أولريك إيستر فرانك. ودرس المجلس استخدام الطائرات من دون طيار، في مجالات مختلفة. ويمكن للطائرة الصغيرة أن تحلق لأكثر من يوم، وأن تحمل كمية كبيرة من المتفجرات. وقال وزير الداخلية الفنزويلي، جورج أريازا، إن الطائرتين اللتين استخدمتا في الهجوم المزعوم كانتا تحملان كيلوغراماً من المواد البلاستيكية المتفجرة. ومع أن هذه الهجمات تسببت في وقوع إصابات ولم تحدث وفيات، إلا أنها أظهرت نجاعة الطائرات من دون طيار في تكتيك إرهابي آخر، ما يسبب الذعر ويخلّف أضراراً فعلية. ولا يتطلب الأمر الكثير لإحداث أضرار أكثر خطورة؛ ففي الصيف الماضي، تركت طائرة أكثر من 1000 شخص من دون كهرباء، لفترة وجيزة، عندما سقطت على أسلاك كهرباء في كاليفورنيا.

قدرة محدودة

وحذّر كبار المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، من أن أميركا معرضة للخطر. واشنطن العاصمة، على سبيل المثال، لديها ما أطلق عليه مسؤولو وزارة الأمن الداخلي «المجال الجوي الأشد رقابة في البلاد»؛ ومن غير القانوني الطيران في أي مكان في المقاطعة. ففي 2015، تمكّن موظف حكومي من تحطيم طائرة «الدرونز» في حديقة البيت الأبيض. وفي نوفمبر الماضي، تمكن رجل من تسيير طائرة من دون طيار فوق ملعب كرة قدم في كاليفورنيا، بهدف إسقاط منشورات سياسية، على الرغم من وجود حظر على تحليقها في مثل هذه المناسبات. وفي ذلك يقول كبير ضباط الأمن في الرابطة الوطنية لكرة القدم، كايد لانييه، الذي شغل أيضاً منصب قائد شرطة واشنطن العاصمة من 2007 إلى 2017، إن القدرة على الحد من خطر الطائرات نت دون طيار «محدودة للغاية في الوقت الحالي»، وتابع: «المشكلة هي أن شعبية استخدام هذه الطائرات تتزايد بشكل كبير. من الصعب أن نميّز بين الذي لديه نيات خبيثة، والذي يهوى هذه الممارسة».

من جهته، قال الرئيس التنفيذي لمؤسس شركة «ايرسبايس سيستمس»، وهي شركة تعمل في مجال الأمن الجوي والتصدي للطائرات «الدرونز»، جاز بانغا: «لا يوجد في الواقع أي حماية شاملة في جميع أنحاء الولايات المتحدة»، وأوضح أنه يجب «تسجيل الطائرات وإرفاق الهويات المشابهة للوحة الترخيص؛ ولكن قد يكون من الصعب تمييزها في الهواء». ومثل الطائرة التي تحطمت في حديقة البيت الأبيض، يمكن أن تكون صغيرة جداً أو منخفضة جداً، بحيث لا يمكن رؤيتها بالرادار. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا متوافرة الآن لتحديد من يشغل طائرات من دون طيار تجارية، فإن مشغلي هذه الطائرات ليسوا ملزمين بعد بالتقيد بهذه التقنية. وفي حالة اكتشاف طائرة استطلاع من دون طيار، فمن غير القانوني عموماً إطلاق النار عليها، ويمكن التشويش على الراديو أو إشارة الـ«واي فاي» التي تتحكم فيها، كما فعل الفنزويليون، على ما يبدو. وإذا كانت سلطات إنفاذ القانون فعلت ذلك على أي حال، فإنه يمكن أن يشكل مخاطر على المدنيين على الأرض. وتعمل إدارة الطيران الفيدرالية، في أميركا، على صياغة القواعد التي تتطلب تحديد الهوية؛ في وقت تتطلب فيه تدابير دفاعية أخرى تغييرات في القانون.

وقال نائب رئيس السياسة والشؤون القانونية في شركة «دي جي آي»، بريندان شولمان: «إن التكنولوجيا متقدمة على القوانين». في حين أنه لايزال من غير الواضح من الذي كان وراء الهجوم المزعوم في فنزويلا، فقد أشارت السلطات الحكومية إلى نموذج «دي جي أي» الذي استخدم في الهجوم على مادورو. وأضاف شولمان: «تحلق الغالبية العظمى من طائرات (الدرونز) بأمان ومسؤولية، ولا تشكل تهديداً». وشركتا «دي جي أي» و«بانغا» من بين عدد من الشركات، التي تعمل مع الإدارة الفيدرالية للطيران لتطوير القواعد حول سلامة الطائرات من دون طيار. الخطر بالنسبة لأميركا والبلدان ذات التحكم الأقل تطوراً لمجالها الجوي، هو أنها لن تتحرك بالسرعة الكافية لوقف أي هجوم.


التطور التكنولوجي لطائرات «الدرونز» نموذجي في الابتكارات التكتيكية للجماعات الإرهابية، التي غالباً ما تنطوي على ابتكار طرق منخفضة الكلفة لإلحاق ضرر كبير بعدو أقوى.

تويتر