معظم دول المنطقة تدعم خلوها من الأسلحة الفتاكة

حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ضروري لإخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي

صورة

لطالما كانت أهمية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي المحتدم موضوع نقاشات مثيرة للجدل، وغالباً ما كان رفض الحكومة اليمينية في إسرائيل عدم التنازل عن الأراضي التي احتلتها عام 1967 وهو الأمر الضروري لإحلال السلام، نتيجة إصرار مؤيديها على عدم الانسحاب، واعتقادهم أن حل هذا الصراع لم يعد في واقع الأمر قضية مهمة، وأصبحت المنطقة العربية تعج بالمشكلات والمتاعب، إلى أن أصبح هم الكثير من الدول العربية متركزاً على مشكلاتها المحلية، وتناقص اهتمامها بالقضية الفلسطينية، لكن جوهر الحقيقة في الجدل الدائر أن الشرق الأوسط لا يوجد فيه أية صراعات ومشكلات يمكن اعتبارها منفصلة أو مستقلة عن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

طموحات لا يمكن تجاهلها

وتظهر بين الفينة والأخرى على السطح أدلة تذكر أن الطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني لا يمكن تجاهلها أو طمسها، وأنها لا تختلف عن الطموحات الوطنية للشعوب الأخرى، وآخر هذه الأحداث التي تذكر بطموحات الفلسطينيين، هي سلسلة التظاهرات التي قام بها سكان السجن المفتوح المعروف باسم غزة، في مواجهة القوة الإسرائيلية الفتاكة والقاتلة، وهذا ما يؤكد الحقيقة التي تفيد بأن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي هو مصدر مهم للعنف وعدم الاستقرار في المنطقة.

وهذا في حد ذاته يطرح سؤالاً مفاده كيف يسهم هذا الصراع في إثارة أو حل المشكلات الأمنية الأخرى في المنطقة؟ وتحاول إسرائيل تأكيد أن مشكلات المنطقة العربية، ليس لها علاقة بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وحتى إن كان هذا المنطق صحيحاً، إلا أنه لابد من القول بأن هذا الصراع سبب أساسي للتوتر وزعزعة الأمن في المنطقة، وتؤكد مواقف الحكومة الإسرائيلية نفسها هذه الفكرة.

وإذا نظرنا إلى الموضوع النووي في المنطقة العربية الذي يكثر الحديث عنه حالياً، فإننا نرى أن معظم دول المنطقة تدعم بقوة الدبلوماسية التي تهدف إلى جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي. لكن إسرائيل، مدعومة من الولايات المتحدة، خصوصاً إدارة الرئيس دونالد ترامب حالياً، تعارض هذه الدبلوماسية وتعمل على ابتكار طرق عدة لإفشالها. وكانت خطوط الخلاف هذه واضحة خلال هذا الربيع في اجتماع تحضيري للمؤتمر الخامس المقبل لمراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وتقول إسرائيل إنه لا يمكن النظر إلى القيود المفروضة على الأسلحة النووية بمعزل عن قضايا الأمن الإقليمي الأخرى.

ومن الناحية الظاهرية، فإن هذا الطرح معقول بالنظر إلى الدور الممكن الذي تلعبه الأسلحة النووية كأسلوب ردع ضد التهديدات غير النووية. لكن إسرائيل ومسانديها في الولايات المتحدة يضعون حجر العثرة في شروط إسرائيلية خاصة بها، وتحدث ممثل إدارة ترامب في لقاء اللجنة التحضيرية عن أسباب شكلية ومعظمها ضبابية وغير واضحة، وتهدف إلى إبطاء دور الدبلوماسية الهادفة إلى جعل المنطقة خالية من الأسلحة النووية، ولكن المشكلة المحددة التي أشار إليها هي «عدم اعتراف بعض دول المنطقة بإسرائيل».

معضلة الاعتراف

وأي حديث يتعلق باعتراف العرب بإسرائيل يستحضر فوراً مبادرة السلام العربية الصادرة عن الجامعة العربية، التي طرحت على طاولة البحث منذ عام 2002، وتقضي بأن الدول العربية مستعدة للاعتراف بإسرائيل مقابل انسحاب هذه الأخيرة من الأراضي التي احتلتها عام 1967، ووتحقيق حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

وأوضح التعديل اللاحق للمبادرة العربية بأن العرب سيقبلون مقايضة الأرض، ولكن دون تمسك متصلب بالحدود التي كانت قبل حرب عام 1967، وأخذت المملكة العربية السعودية زمام المبادرة في إعداد هذا المقترح للسلام، ولاتزال هذه المبادرة مطروحة على الطاولة.

وطالما تكرر الحديث عن أن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية يتطلب الاعتراف بدولة مهمة إقليمياً، لم يتم الاعتراف بها من قبل بعض الدول الإقليمية، وهذا منصف ومعقول، إذ إنه من الصعب التوصل الى اتفاقية قوية وفعالية لمراقبة التسلح دون أن تتعامل الدول المشاركة فيها مع بعضها بعضاً بصورة طبيعية، وبالطبع فإن الاعتراف الكامل يتطلب من جميع اللاعبين في أية قضية، الاعتراف بالحقوق الوطنية لجميع اللاعبين الآخرين وعدم احتلال أراضي الغير إلى أجل غير محدد، وهذا أيضاً منصف ومعقول، فخلال كل هذا الحديث عن الاعتراف بوجود إسرائيل، من العدل والمنطقي أيضاً الإصرار على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين بالوجود، وبالتالي فإننا نصل إلى الخاتمة التي تفيد بأن عدم إيجاد حل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني يعتبر أحد العوامل الرئيسة التي تحول دون الحظر الفعال للأسلحة النووية على نطاق المنطقة.

ومن الواضح أن دعم إدارة ترامب لجميع رغبات الحكومة الإسرائيلية والاحتفاظ لنفسها بدور الوساطة الرئيسة لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لا يبشر مطلقاً بالتوصل إلى أي تسوية للصراع في المستقبل المنظور، ويبرز هذا التشاؤم عند الأخذ بعين الاعتبار المصالح الشخصية والمالية لهؤلاء الوسطاء الأميركيين، ما يجعل القادة الفلسطينيين يرفضونهم باعتبارهم متحيزين إلى الجانب الإسرائيلي، وكان هذا الشكل من المعاناة الذي ظهر في غزة، والذي اندلع على طول السياج فيها هو أحد الأسباب التي تدفع إلى الأسف على المستقبل المظلم للسلام.

بول بلار : محرر في «ذي ناشونال إنترست»

تويتر