تحركها عام 2015 وضع أوروبا في موقف صعب

مستقبل المستشارة الألمانية مرهون بحلّ أزمة المهاجرين

صورة

كانت استجابة المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، لأزمة اللاجئين في أوروبا ناجحة، ما أكسبها سمعة جيدة في جميع أنحاء العالم، ونالت لقب «جان دارك»، التي عرفت بدفاعها عن القيم الغربية ضد الهجوم الشعبوي. وقال نائب الرئيس الأميركي السابق، آل غور، «لديَّ احترام لا حدود له لأنغيلا ميركل»، متابعاً خلال زيارة إلى برلين الأسبوع الماضي: «أعتقد أنها قائد بارز، تواجه مجموعة صعبة للغاية من التحديات».

الأسئلة حول استمرار قيادة ميركل تتزايد في ألمانيا، وبصوت مرتفع كل يوم. وبعيداً عن الاهتمامات الداخلية، يطرح المزيد والمزيد من حلفاء المستشارة سؤالاً: «هل هي (ميركل) بصدد تمزيق أوروبا؟».

ميركل تعتمد على حجة تفقد صداها. وما هو على المحك فعلاً، إصرار المستشارة الألمانية على أن الأمر لا يتعلق بسياسة ألمانيا تجاه اللاجئين، بل ببقاء الاتحاد الأوروبي ذاته.

بدلاً من تعزيز الوحدة الأوروبية، ساعد الجدل الدائر حول حصص اللاجئين في ظهور سياسات الهوية في بلدان مثل المجر والنمسا وإيطاليا.

في حين أن وجهة النظر هذه لاتزال قائمة في معظم أنحاء الغرب، فإن الأسئلة حول استمرار قيادتها تتزايد في ألمانيا وبصوت مرتفع كل يوم. وبعيداً عن الاهتمامات الداخلية، يطرح المزيد والمزيد من حلفاء المستشارة سؤالاً لايزال يعتبر غير وارد في المؤسسة الألمانية: «هل هي (ميركل) بصدد تمزيق أوروبا؟».

«عزيزتي أنغيلا ميركل، بعد نحو 13 عاماً كمستشارة، فإن الشعور الوحيد الذي تُكنه لك أوروبا هو العداء»، يكتب مراسل القناة العامة الألمانية «أي آر دي»، مالتي بيبر، معلقاً هذا الأسبوع؛ مما خلف موجة من التساؤلات في برلين. جميع الاجتماعات التي عُقدت خلال الأشهر الأخيرة أوضحت ذلك. كانت هناك دعوات لإيقاف أوروبا عن الانحراف نحو الانقسام، وفتح المجال في المستشارية لمرشح يخلف ميركل.

كان لدى الزعيمة الألمانية ما يمكن أن يكون فرصة أخيرة لإثبات خطأ منتقديها في قمة المجلس الأوروبي، التي عقدت أخيراً في بروكسل، حيث نجحت في الوصول إلى اتفاق غير حاسم مع القادة الأوروبيين حول الهجرة. وكان لابد أن تعود ميركل التي تتعرض لضغوط شديدة إلى الوطن باتفاق على اللاجئين، وهو اتفاق يسمح لشركائها في ولاية بافاريا والاتحاد الاجتماعي المسيحي، الذين يواجهون حملة انتخابية قاسية، بالانتصار في مواجهة مطولة حول سياسات اللجوء.

المشكلة هي أن ميركل تعتمد على حجة تفقد صداها. وما هو على المحك فعلاً إصرار المستشارة الألمانية على أن الأمر لا يتعلق بسياسة ألمانيا تجاه اللاجئين، بل ببقاء الاتحاد الأوروبي ذاته. وقالت، أخيراً، في محاولة لتحويل اتجاه الهجمات التي تستهدفها «على أوروبا أن تبقى موحدة»، متابعة «خصوصاً في هذه الحالة، التي تجد فيها أوروبا نفسها في وضع هش للغاية. من المهم جداً بالنسبة لي ألا تتصرف ألمانيا من جانب واحد».

ومع تزايد الضغوط على ميركل، انضم الكثير من المؤسسات السياسية والإعلامية في ألمانيا إلى هذا التيار. وفي هذا السياق، كتب الزعيم السابق للحزب الديمقراطي الاشتراكي والخصم السياسي منذ فترة طويلة للمستشارة الألمانية، سيغمار غابرييل، يقول «آمل فقط أن تظل أنغيلا ميركل في منصب المستشارة»، محذراً من التداعيات على أوروبا إذا لم تفعل ذلك. إن مثل هذه التعليقات تثير خوفاً غير عادي بين العديد من النخب السياسية في برلين، فالمؤسسات الديمقراطية في ألمانيا ليست قوية بما فيه الكفاية للحفاظ على أوروبا. فقط ميركل يمكنها ذلك. ومع دعم المؤسسة الألمانية لها، من المرجح أن تسود ميركل في مواجهتها مع الخصوم. فلا أحد، في المشهد السياسي الداخلي، يريد أن يتحمل اللوم والانتقاد على «تدمير أوروبا».

وبغض النظر عن أسباب المستشارة الألمانية ودوافعها، من الصعب الجدال بأنها هي التي قسمت أوروبا، ودفعت القارة إلى حافة الهاوية أكثر من أي وقت مضى. وليست هناك حاجة للتذكير بالتحدين الرئيسين اللذين واجهتهما ميركل كمستشارة، هما: أزمة ديون منطقة اليورو، وتدفق اللاجئين.

وفي ذلك يقول زميل مركز أبحاث مارشال الألماني في الولايات المتحدة، تيمو لوكهوكي: «قامت ميركل بالمناورة، وأثارت تصرفاتها في أزمات منطقة اليورو واللاجئين غضب العديد من الحلفاء الأوروبيين، الذين تحتاجهم الآن». متابعاً «النزاع الذي لم يُحل داخل حزبها حول مسائل اللاجئين، أدى إلى عزل جناحها المحافظ، وفي مقدمته الاتحاد المسيحي».

إن إصرار برلين على ضرورة فرض اليونان والدول الأوروبية الأخرى، التي تعاني مشكلات الديون، لسياسة تقشف صارمة على سكانها، بغض النظر عن مزايا هذه السياسات على المدى الطويل، أدى إلى تفاقم الانقسام الاقتصادي داخل منطقة اليورو، وزاد تحديات القوة الاقتصادية الألمانية.

ولا يقتصر التذمر على دول الإنقاذ مثل اليونان. ففي إيطاليا، أُلقي باللوم على برلين في الضغط الذي مارسته بروكسل والبنك المركزي الأوروبي الذي يتخذ من فرانكفورت مقراً له، لإصلاح اقتصادها الراكد. وحتى في الوقت الذي واجهت فيه ميركل صعوبات في تصوير ألمانيا على أنها مساعدة أوروبا، فقد نظر العديد من الأوروبيين إلى ذلك باعتباره عبئاً مالياً، كان له ثمن باهظ.

وهذه المرة، لا تقدم ألمانيا المساعدة، بل تطلبها. وكانت الإجابة من معظم أنحاء أوروبا: «لا». عندما وافقت ميركل على استقبال آلاف اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل في محطات القطارات، صيف عام 2015، اعتبرت ذلك بمثابة عمل إنساني وبادرة تضامن أوروبية. كان توقعها أن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى سوف «تقوم بدورها»، وتقبل بعض اللاجئين.

عندما رفضوا، طلبت ميركل مساعدة بروكسل، لإدخال نظام الحصص الذي من شأنه أن يجبر الدول على قبول اللاجئين. وهذا أيضاً فشل. ومع وصول تدفق اللاجئين إلى ألمانيا إلى مستويات قياسية، أصبحت بقية أوروبا أكثر اقتناعاً بأنها لا تريد تحمل أي جزء من مهمة ميركل الإنسانية.

وبعد أن واجهت إسبانيا وإيطاليا مشكلات تتعلق باللاجئين، والتي تم تجاهلها لسنوات، شعرتا برغبة قليلة في المجيء لإنقاذ ميركل. وفي أوروبا الشرقية، حيث البلدان ذات الخبرة القليلة في مسائل الهجرة والتعامل مع المسلمين، كان هناك تساؤل: لماذا يجب عليها التضحية بتجانسها الثقافي، لمساعدة المستشارة الألمانية.

وعلى الرغم من أن ميركل تحذر الآن من اتخاذ إجراء أحادي الجانب، فإن تحركها الأحادي الجانب، عام 2015، هو الذي وضع أوروبا في الفوضى التي تجد نفسها فيها الآن، كما يقول منتقدوها.

وبدلاً من تعزيز الوحدة الأوروبية، ساعد الجدل الدائر حول حصص اللاجئين التي ترعاها ميركل في ظهور سياسات الهوية في بلدان مثل المجر والنمسا وإيطاليا. وخلال استفتاء المملكة المتحدة حول عضوية الاتحاد الأوروبي عام 2016، استخدم نشطاء الخروج من الاتحاد صوراً للاجئين في طريقهم إلى ألمانيا، كمثال على كل ما حدث في أوروبا.

في الواقع، لم تنجح سياسة ميركل الخاصة باللاجئين في إقصاء الشركاء الأوروبيين وحسب، بل في إبعاد الكثير من حلفائها السياسيين، أيضاً. وبينما كانت ألمانيا تكافح للتغلب على هذا التدفق الهائل، أصبحت ميركل، التي طالما تمتعت بجاذبية عالمية، شخصية استقطابية في الداخل. وها هي الأحزاب المناهضة لأوروبا، التي كانت قد تلاشت تقريباً قبل أزمة اللاجئين، تعود مرة أخرى إلى الحياة برسالة صارمة ومعادية للمهاجرين.

تويتر