تنطوي على عدم فهم لواقع المنطقة والاحتلال الإسرائيلي

خطة ترامب لحل قضية فلسطين تلغي قضايا الحل النهائي

صورة

خلال الجولة الأخيرة التي قام بها غاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الشرق الأوسط، رفض الرجل الكشف عن تفاصيل خطة ترامب، المعروفة بصفقة القرن، لحل قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولكن من الواضح أنه ليس هناك حاجة للتفاصيل كي يعرف المرء كيف تجري الأمور. وكان كوشنر قد أوضح ذلك في مقابلة استثنائية وفجة في صحيفة القدس، كبرى الصحف الفلسطينية. وقال كوشنر لقارئي الصحيفة الفلسطينية «لقد حقق العالم تطوراً حقيقياً بينما لازلتم أنتم تراوحون في الخلف. لا تدعوا الصراع الذي قام به أجدادكم يحدد مستقبل أطفالكم».

وبعبارة أخرى، فإن الحرب ضد إسرائيل قد انتهت، وأنتم خسرتم «أيها الفلسطينيون»، والآن حان الوقت كي تبدؤوا طريقاً أخرى. ورفض كوشنر القضايا الجوهرية الفلسطينية التقليدية مثل «عودة اللاجئين، ودولة ذات سيادة تتضمن القدس الشرقية، وإزالة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية»، وهي قضايا شائكة تبدو بلا نهاية.

وصوّر كوشنر السلطة الفلسطينية، في ظل حكم رئيسها محمود عباس، باعتبارها لا قيمة لها، ومضيعة للوقت. وقال كوشنر «سننشر خطتنا للسلام، وستنال إعجاب الفلسطينيين فعلاً، لأنها ستقودهم نحو فرص جديدة، ليعيشوا حياة أفضل».

وهذا يقتضي وجود جيل فلسطيني جديد، يغلّب مصلحته الذاتية على عقيدة العداء للصهيونية، وقبول السلام مع إسرائيل التي يمكن أن تسمح للمسلمين بإدارة الأماكن الإسلامية في القدس، وتقديم إدارة ذاتية محدودة في الضفة، وتأمين الثروة عن طريق الدعاية الكبيرة.

• خلال زيارة كوشنر، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها ستقدم 7500 إذن عمل لسكان الضفة الغربية، حيث تبلغ البطالة هناك 20%. وأصبح هذا القرار ممكناً، لاعتقاد إسرائيل أنه لن يشكل تهديداً على أمنها. وينجم هذا التقييم من حقيقة أن نحو 100 ألف شخص من سكان الضفة الغربية يعملون في إسرائيل، دون أن ينجم عن ذلك أية حوادث.

ويصف كوشنر هذه الصفقة بأنها فرصة للفلسطينيين، تركوها منذ عقود خلت، وقال بهذا الصدد «عليكم القفز إلى العصر الصناعي القادم»، عن طريق تحولكم إلى جزء من نظام «وادي السيليكون في الشرق الأوسط وإسرائيل».

ويعتقد كوشنر أن الشباب الفلسطيني الطامح سيقتنص هذه الفرصة بسرعة. ولكن ذلك لن يكون سهلاً، إذ إنه بالنسبة لهم فإن القضية ليست مجرد تحدي نظام دكتاتوري بعيد كما حدث فيما يسمى «الربيع العربي»، لكن الأمر سيكون شخصياً أكثر، ناهيك عن أن كبار السن سيرفضون هذه الصفقة سلفاً، وكذلك الأقرباء الذين يعيشون في الشتات، والخطاب القومي على مستوى العالم العربي.

وعلى الرغم من ذلك، ثمة أسباب تدعو إلى التفاؤل. أولها الفشل الذريع الذي عانت منه الضفة الغربية، كما هو متوقع، بعد افتتاح السفارة الأميركية في القدس، وهو الأمر الذي رفضه الفلسطينيون دائماً، وكذلك مسيرة العودة في غزة، التي لم ينجم عنها إلا مزيد من قتل الفلسطينيين. وثانيها حماسة الفلسطينيين للعمل بسلام مع إسرائيل.

لا تهديد للأمن

وخلال زيارة كوشنر، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها ستقدم 7500 إذن عمل لسكان الضفة الغربية، حيث تبلغ البطالة هناك 20%. وأصبح هذا القرار ممكناً، لاعتقاد إسرائيل أنه لن يشكل تهديداً على أمنها. وينجم هذا التقييم من حقيقة أن نحو 100 ألف شخص من سكان الضفة الغربية يعملون في إسرائيل، دون أن ينجم عن ذلك أية حوادث. ولكن نوعية الثروة التي تحدث عنها كوشنر لا تستند بصورة رئيسة إلى العمل في تل أبيب، وإنما على قدرة إدارة ترامب على تقديم فوائد اقتصادية، وبسرعة، الأمر الذي ينطوي على شكوك معينة.

وفي أعقاب اتفاقات أوسلو 1993، جرت مفاوضات تتعلق بالاستثمارات الدولية في الاقتصاد الفلسطيني، ولكن حدوث الانتفاضة الثانية أدى إلى تدمير كل ذلك. ولم تكن المشروعات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية مرحباً بها. ولا يرغب سكان الضفة الغربية في أن يتم وصمهم بعار وصف عملاء إسرائيل. وربما يتغير ذلك الآن، ولكن يتعين على صفقة ترامب «لجلب السلام من خلال الازدهار» أن تقدم نتائج ملموسة.

لا للوساطة النزيهة

ويمكن أن تقدم خطة ترامب الكثير، بدءاً من موقف ترامب من الفلسطينيين أنفسهم. وكانت الحكومات الأميركية السابقة ترغب في أن ينظر إليها العالم باعتبارها تقوم بدور الوسيط النزيه. ولإظهار ذلك، منحت القيادة الفلسطينية سلطة معينة لرفض مشروعات التنمية في «عملية السلام»

ولكن ذلك انتهى الآن، إذ إن ترامب أوضح تماماً أنه ليس وسيطاً نزيهاً، وهو يرى الأشياء من وجهة نظر إسرائيل. وإذا رفض القادة الفلسطينيون الحاليون خطته، ولم يقبلها أي منهم، فإن ذلك يعتبر مشكلة خاصة بهم. وإذا لم يكن هناك شريك فلسطيني، سيسمح ترامب لإسرائيل بفرض الصفقة التي يريدها في الضفة الغربية.

وهذا تأثير خطر على الفلسطينيين، الذين لا يستطيعون الاعتماد على دعم الحكومات العربية في مواجهتهم لإسرائيل وترامب، لأن ذلك يمكن أن يجر المتاعب لهذه الدول، خصوصاً أن الرئيس ترامب لن يقبل سوى بما يريده، وهو بالطبع لمصلحة إسرائيل. وهو يرى أن الدول العربية يجب أن تؤيده، وليس الفلسطينيين.

ويعتبر هذا الأسلوب مختلفاً بصورة جذرية عما اعتادت الولايات المتحدة طرحه في الماضي، وهو يعتمد على فكرة أن معظم الفلسطينيين يريدون حياة أفضل، أكثر من كونهم يريدون الانتقام أو توريط جيل آخر في الصراع مع إسرائيل، وحياة البطالة والفقر. وربما يكون ترامب ساذجاً عندما يفكر بهذه الطريقة، أي أنه يريد حل القضية الفلسطينية عن طريق منح الفلسطينيين حياة اقتصادية أفضل. وربما أن خطته تمثل مناشدة فظة لإرضائه بصورة شخصية، وربما تكون صحيحة، وعلى كل الأحوال الأيام المقبلة هي التي ستكون الفصل.

تويتر