بعد أن أصبح مسلحاً بما يعتقد أنه «إرادة الشعب»

أردوغان يتجه لطريق أكثر استبداداً من ذي قبل

صورة

استطاع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الحصول على نصر حاسم، الأسبوع الماضي، بعد فوزه بفترة رئاسة جديدة، واحتفاظ تحالفه، الذي يقوده حزبه «العدالة والتنمية» الحاكم، بأغلبية في البرلمان.

التجربة التركية على المحك

الجنوح المحتمل للرئيس التركي رجب طيب أردوغان نحو مزيد من الدكتاتورية يثير القلق خاصة بالنسبة لأولئك الذين يأملون أن يستخدم الرئيس التركي سلطته المكتسبة حديثاً لاستئناف عملية السلام مع الأكراد، وتهدئة التوترات مع الغرب، والتحرك لتحقيق الاستقرار في اقتصاد تركيا المتعثر. إلا أن أردوغان لم يعد ذلك السياسي الرائد الذي يهز اقتصاد تركيا المتصلب، ويمنح حرية أكبر للمسلمين المهمشين، لكنه بدلاً من ذلك أصبح رجلاً قوياً ومثالاً لتحذير الديمقراطيين في أماكن أخرى.

وكتب المؤرخ اليساري، جوان كول، قائلاً «أرى أن أردوغان، على مدى السنوات الثماني الماضية أو نحو ذلك، ألقى بتجربة تركيا الديمقراطية جانباً، وأمسك بالسلطة في يده، يجب أن يكون ذلك درساً ذا مغزى للأميركيين يمكن أن يحدث في أميركا».


على الرغم من أن العديد من المعلقين

في الغرب «وبعض النقاد في الداخل»،

مستاؤون من أردوغان بسبب ميوله

الإسلامية، فإن الأيديولوجية الحقيقية

التي تدعم حكمه ليست هي الدين

بل القومية.


بالنسبة للعالم الخارجي، كانت الانتخابات أحدث خطوة لأردوغان للإمساك بخيوط السلطة في يده، ومحاولته

تحويل الجمهورية العلمانية إلى كيان يتماشى مع رؤيته الدينية.

انتصر أردوغان في ملعب يعوزه الاستواء، سيطر هو وحلفاؤه على الإعلام التركي الطيع، في حين ساعدته حالة الطوارئ في قمع قوى المعارضة، للحد الذي أدار فيه بعض السياسيين حملاتهم من وراء القضبان. وحذرت جماعات حقوق الإنسان من أن بعض الناخبين صوتوا في «جو يسوده الخوف». وأشاد أردوغان بمشاركة 90% من الناخبين، البالغ عددهم 55 مليوناً، في هذه الانتخابات، معتبراً ذلك «درساً للعالم بأسره عن الديمقراطية». وقد عبّر أقرب منافس له، وهو محرم انجي، عن أسفه للطبيعة «الظالمة» للانتخابات، ومع ذلك أقر بالهزيمة. وأظهرت المعارضة وحدة وزخماً مهمين قبل التصويت، لكنها لم تستطع تخفيف قبضة أردوغان القوية.

أحدث خطوة للإمساك بالسلطة

وبالنسبة للعالم الخارجي، كانت الانتخابات أحدث خطوة لأردوغان للإمساك بخيوط السلطة في يده، ومحاولته تحويل الجمهورية العلمانية إلى كيان يتماشى مع رؤيته الدينية. ولكن في حين أن العديد من المعلقين في الغرب (وبعض النقاد في الداخل) مستاؤون من أردوغان بسبب ميوله الإسلامية، فإن الأيديولوجية الحقيقية التي تدعم حكمه ليست هي الدين بل القومية، ففي السنوات الأخيرة صار أردوغان يضرب على وتر الشعبوية، ويغمز من قناة النخب العلمانية في تركيا ويؤلب الرأي العام على الأعداء الإرهابيين، المتخيلين منهم والحقيقيين، بينما يتملكه شعور أسطوري بماضي الأمة، وأنه هو الوحيد الذي يستطيع أن يستعيد أمجاد ذلك الماضي التليد. وتغازل خطاباته وإعلانات حزبه ما يعتقده الصورة الحقيقية التي ينبغي أن تكون عليها تركيا، من عائلات موالية لبلدها تغمرها السعادة في البلدات الصغيرة وفي المناطق النائية، وفي الوقت ذاته يكيل اللوم للأعداء «الصليبيين» المتآمرين ضده.

ويرى المحلل المقيم في أنقرة، سليم كورو، أن «أردوغان هو بكل المؤشرات مسلم حقيقي وإسلامي، لكن لا يبدو أنه يحكم بمفرده»، ويمضي قائلاً «يبدو أن حكومة أردوغان تهتم أكثر بأمور مثل الخوف من الإسلام في أوروبا، والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، الذي يمنحها فرصة لمواجهة الغرب، إن الإسلاموية هنا ليست مبدأ عملياً بل هي أيديولوجية روحانية».

وكتب عالم السياسة في جامعة هارفارد، ياسشا مونك: «تظهر الحالة التركية أن الشعبويين الاستبداديين يمكنهم على المدى الطويل أن يثبتوا بشكل مدهش فاعلية في نزع الشرعية عن أي شخص لا يتفق معهم، من خلال تشويه سمعة المعارضة والكذب على الصحافيين الناقدين»، ويضيف: «هذا يظهر أنه حتى لو كان نصف البلاد تقريباً يكرههم، فإن الشعبويين يستطيعون البقاء في السلطة من خلال حشد قاعدة متينة لهم، ويبدو أن النخب السياسية والفكرية، داخل البلاد وخارجها، تقلل من شأن التهديد الذي يشكله هذا النوع من القادة لديمومة المؤسسات الديمقراطية».

القومية أداة للسيطرة

وبالنسبة لأردوغان، أصبحت القومية، المثيرة للانقسام، هي السبيل الرئيس للحفاظ على السيطرة. وسيكون لحزب العدالة والتنمية أكثرية في البرلمان فقط بسبب تحالفه مع حزب «الحركة القومية» اليميني المتشدد، الذي، على الرغم من أن جزءاً منه انشق لمصلحة المعارضة، خالف التوقعات في الانتخابات البرلمانية، على الأرجح لأن عدداً كبيراً من ناخبي حزب العدالة والتنمية فضله بدلاً من غيره. لقد تحول زعيم حزب الحركة القومية التركي، دولت بهتشلي، من كونه مدمراً سياسياً إلى صانع للملوك.

أظهرت هذه الانتخابات أيضاً ضيق الفجوة السياسية بين الأتراك الراغبين في دعم أردوغان وأولئك الذين يريدون رحيله. وكتبت المعلقة السياسية التركية، سوات كينيكليوغلو، إن «نتائج هذه الانتخابات تبين مرة أخرى أن استراتيجية أردوغان، الخاصة باستقطاب الناخبين، تعمل بفاعلية، ولم تحدث تحولات كبيرة بين الناخبين في معسكر الموالين لأردوغان ومعسكر المعارضة، بل في ما بينهما»، وتمضي قائلة «إن شيطنة المعارضة، التي تفاقمت بفعل هيمنة أردوغان الإعلامية الطاغية، منعت تحولات كبرى من مجموعة إلى أخرى». وعبر أحدهم في تغريدة من موقع «تويتر»: «أدلى المرشح، صلاح الدين ديميرتاش، بصوته في سجن أديرني، حيث تم احتجازه لمدة 20 شهراً، أعتقد أنه سيحصل على نتيجة عظيمة حقاً، وإن تحقُّق هذه النتيجة الأفضل لشعوبنا».

وبالنسبة إلى منتقدي أردوغان، الذين يخشون بالفعل من الموت البطيء للديمقراطية التركية، فإن هذا يعني المزيد من المشكلات، فهناك الآن عدد أقل من المعارضين لحكمه. ويقول المحلل الذي يتخذ من إسطنبول مقراً، إرين كننغهام: «تمخضت الانتخابات، الأحد، عن انتقال تركيا إلى رئاسة تنفيذية، ما يعني إلغاء منصب رئيس الوزراء، ومنح الرئيس سلطات حكم واسعة، ما يحدّ من سلطة البرلمان والجهاز القضائي على حد سواء».

ترتكز وجهة نظر أردوغان عن الحكم على فهم معين للديمقراطية، ما يعني إمكانية أن يصبح أكثر استبداداً، بعد أن أصبح مسلحاً بما يعتقد أنه «إرادة الشعب». وفي الوقت نفسه، فإن الاهتمامات القومية المتطرفة تتخطى المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات بالنسبة لزعيم حزب الحركة القومية، بهتشلي، الذي من المتوقع أن يصبح نائباً للرئيس أردوغان.

ويقول الخبير في شؤون تركيا، نيكولاس دانفورث، الذي كان يتحدث في جلسة، يوم الاثنين، نظمها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى «إن القلق الحقيقي ليس مجرد كون هذا التحالف تحالفاً تكتيكياً لكنه في الحقيقة أكثر عقلانية»، ويضيف أن بهتشلي سيكون في موقع يمكنه من الحصول على تنازلات من أردوغان، ويحتمل أن يترك الاحتكاكات بين أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على ما هي عليه، بالإضافة إلى اتخاذه تدابير متشددة ضد الفصائل الكردية في تركيا وسورية.

إيشان ثرور: صحافي في «الواشنطن بوست»

تويتر