الانتخابات البرلمانية عادت بغالبية الأوجه

مشاورات «صفقات» تشكيل الحكـومة العراقية تواجه معضلة «المحاصصة»

صورة

أفرزت نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة تحولات مهمة في توزيع المقاعد بين الكتل السياسية، وانعكس ذلك على مفاوضات تشكيل الحكومة الائتلافية، التي هيمنت عليها الانقسامات السياسية، والجدل حول إمكانية تغيير معادلة المحاصصة السياسية، وتوزيع المناصب بين القوى الرئيسة المختلفة، فضلاً عن تصاعد تأثيرات القوى الإقليمية والدولية، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وإيران.

السياق الانتخابي

اجتماعات متواصلة

لاتزال هناك اجتماعات عدة تُعقد بين مقتدى الصدر وحيدر العبادي، للتنسيق في ما يتعلق بالحكومة الجديدة، وتشير العديد من المصادر الصحافية إلى أن التحالف الحكومي قد يضم: تحالف النصر، وكتلة سائرون، مع احتمالية انضمام عدد من الأطراف السنية والكردية الأخرى إلى هذا التحالف، بيد أنه لاتزال هناك خلافات حول بعض المقاعد، وفي حال عدم نجاح هذا التحالف، فسيظل تحقق أحد السيناريوهات المذكورة سابقاً وارداً.

وقد تواجه المفاوضات مجموعة من الصعوبات في ما يتعلق بمسألة المحاصصة السياسية، التي تقتضي تقاسم الرئاسات الثلاث بين الشيعة والسنة والكرد، بحيث تكون رئاسة مجلس الوزراء للشيعة، والبرلمان للسنة، ورئاسة الجمهورية للكرد، لاسيما أنه قد تصاعد الجدل أخيراً في ما يتعلق بإمكانية تغيير النظام لتكون رئاسة الجمهورية للسنة، ورئاسة البرلمان للكرد، فضلاً عن دور العامل الخارجي الذي لا يمكن تجاهله في التأثير على تطورات العملية السياسية، لاسيما الدور الإيراني والأميركي، في ظل تصعيد واشنطن ضد إيران، الذي سينعكس بدوره حتماً على الساحة العراقية.


- قد يتحالف حزب الدعوة، وقائمة النصر، وائتلاف دولة القانون، ليشكلوا كتلة يصل عدد أعضائها إلى نحو 70 عضواً.

- أدى استمرار ملف النازحين وعدم عودة عدد كبير منهم إلى مناطقهم، إلى امتناع بعضهم عن الإدلاء بأصواتهم في العملية الانتخابية.

أُجريت الانتخابات العراقية الأخيرة بناءً على النظام الانتخابي القائم على أساس نظام «سانت ليجو» المعدل، وهو طريقة رياضية تهدف إلى التماثل بين الأصوات وعدد المقاعد، بهدف تحقيق توزيع أكثر عدالة بين الأحزاب الكبيرة والصغيرة، وقد شارك في هذه الانتخابات بنحو 23 تحالفاً، و45 حزباً، و19 مرشحاً بشكل فردي، ويتنافس جمعيهم في 18 دائرة انتخابية، تمثل عدد محافظات العراق، ويبلغ عدد مقاعد مجلس النواب ما يقدر بـ329 مقعداً نيابياً لكل المحافظات، وتتوزع هذه المقاعد ما بين مقاعد عامة تبلغ 320 مقعداً، وتسعة مقاعد تمثل كوتة الأقليات.

أما أبرز الكتل التي شاركت في الانتخابات، فهي قائمة «النصر»، التي يتزعمها رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، و«دولة القانون» التي يترأسها نائب رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء السابق، نوري المالكي، وقائمة «سائرون» التابعة للتيار الصدري، وقائمة «الفتح» التي يترأسها هادي العامري، و«تحالف القرار العراقي» الذي يتزعمه نائب رئيس الجمهورية، أسامة النجيفي، و«ائتلاف الوطنية» برئاسة إياد علاوي، إضافة إلى العديد من الأحزاب والقوى السياسية على مستوى العراق، أو على مستوى قوائم خاصة بالمحافظات العراقية.

ويُمكن القول إن معظم الكتل والقوائم الانتخابية تكونت بشكل إثني وعرقي، وإن تضمنت مرشحين من مكونات أخرى، وتوجد بعض الاستثناءات القليلة، مثل: القائمة الوطنية بزعامة إياد علاوي، وقائمة «النصر» التي خرجت عن هذا التقليد.

وقد شهدت الانتخابات العراقية ظهوراً لمجموعة من الأسماء القديمة التي تضمنتها الانتخابات السابقة على الصعيدين المحلي والوطني، ويبلغ عددهم نحو 300 شخص، واعتمد التصويت في هذه الانتخابات على نظام «التصويت الإلكتروني»، لأول مرة في العراق، بهدف التقليل من إمكانية التزوير، وسرعة إعلان النتائج.

ضعف المشاركة

بلغ عدد المشاركين في الانتخابات العراقية الأخيرة ما يُقدر بنحو 44.5% من إجمالي الناخبين، بحسب مفوضية الانتخابات، وهي أقل نسبة مشاركة منذ انتخابات عام 2005، وقد سجلت أقل نسبة للمشاركة في المحافظات الجنوبية المستقرة، بينما جاءت أعلى نسبة في نينوى بما يعادل 65% من إجمالي عدد الناخبين، وربما تتمثل أسباب مقاطعة الانتخابات في ما يلي:

المقاطعة الاحتجاجية

يمثل العزوف عن التصويت نوعاً من «الاحتجاج» من قبل المواطنين على الأداء الحكومي، وعلى الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في السلطة، التي أخفقت في بناء دولة المواطنة والمؤسسات وضمان الحقوق لكل مواطنيها، دون تمييز أو تهميش لمكوِّن دون آخر.

نزاهة الانتخابات

هنالك تصور أو قناعة لدى الناخب العراقي بعدم نزاهة الانتخابات، وأن النتائج سيتم تزويرها لمصلحة شخصيات وأحزاب معينة، وبالتالي فلا جدوى من تحمل عناء التصويت، ما دامت النتائج مقررة سلفاً، وأنه قد يكون هناك تأثير إقليمي ودولي على نتائج الانتخابات، وذلك على الرغم من التصريحات التي تصدر من الجهات المعنية، لاسيما رئاسة مجلس الوزراء، التي تؤكد نزاهة الانتخابات وشفافيتها.

«استاتيكية» المشهد السياسي

أدى وجود الشخصيات والقوى والأحزاب السياسية نفسها في الانتخابات منذ عام 2003 - وإن تغيرت مسمياتهم - إلى عزوف الناخبين عن التصويت، يضاف إلى هذا تكرار شعارات الانتخابات السابقة في ما يتعلق بالتنمية والاستقرار، والقضاء على البطالة، وتحقيق الأمن، وإعادة الإعمار، وعودة النازحين إلى مناطقهم المحررة من تنظيم «داعش» الإرهابي.

ملف النازحين

أدى استمرار ملف النازحين، وعدم عودة عدد كبير منهم إلى مناطقهم، إلى امتناع بعضهم عن الإدلاء بأصواتهم في العملية الانتخابية، يضاف إلى هذا استمرار عدم الاستقرار السياسي، والتناحر بين القوى والأحزاب السياسية، والتدهور الاقتصادي، ونقص الخدمات، والبطالة.

نتائج الانتخابات

كشفت النتائج التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فوز عدد من القوائم والتحالفات الانتخابية، تمثلت في ما يلي:

قائمة «سائرون»

حصلت على المرتبة الأولى في الأصوات وعدد المقاعد البرلمانية على مستوى العراق بحصولها على 54 مقعداً، وتقدمها على بقية القوائم في محافظات بغداد وواسط والمثنى وذي قار والنجف، ويتزعمها مقتدى الصدر، وتُعتبر تحالفاً بين التيار الصدري، والحزب الشيوعي، وحزب الاستقامة، والتجمع الجمهوري، وحزب الدولة العادلة.

تحالف «الفتح»

جاء في المرتبة الثانية على مستوى العراق، بعدد مقاعد يقدر بنحو 47 مقعداً، متصدراً في محافظات كربلاء والقادسية والبصرة وبابل والديوانية، ويتزعم التحالف هادي العامري، ويتكون من: منظمة بدر، والمجلس الإسلامي الأعلى، وعدد من الأحزاب والقوى السياسية، ويضم العديد من فصائل الحشد الشعبي.

قائمة «النصر»

حصل على المركز الثالث بعدد مقاعد يقدر بنحو 42 مقعداً، ويتزعمها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ويتضمن هذا التحالف عدداً من القوى والشخصيات السياسية، التي من أهمها: كتلة الفضيلة، وحركة مستقلون، وتيار الإصلاح، وكتلة عطاء، وحركة بيارق الخير، ومعاهدون.

ائتلاف دولة القانون

حل في المرتبة الرابعة، بعد أن حصل على 25 مقعداً، ويتزعمه نوري المالكي، ويضم عدداً من الحركات والقوى والشخصيات السياسية، منها: تيار الوسط، وحركة البشائر الشبابية، وحزب دعاة الإسلام (تنظيم العراق، وحركة النور)، والانتفاضة والتغيير، وكتلة معاً للقانون، والحزب المدني، والتيار الثقافي الوطني.

الحزب الديمقراطي الكردستاني

حصل على نحو 23 مقعداً، ويتزعمه مسعود البارزاني، الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق.

ائتلاف الوطنية

جاء بالمرتبة السادسة، بعد أن حصل على 21 مقعداً، ويتزعمه إياد علاوي، ويضم حزب التجمع المدني للإصلاح، وائتلاف العربية، وعدداً من الشخصيات والقوى السياسية الأخرى.

وفي ما يتعلق ببقية القوائم والأحزاب التي حصلت على مقاعد في هذه الانتخابات فهي: «تيار الحكمة الوطني، الذي حصل على 19 مقعداً، فيما تمكن «الاتحاد الوطني الكردستاني» من حصد نحو 17 مقعداً، و«تحالف القرار العراقي» الذي حصل على نحو 13 مقعداً، يضاف إلى هذا عدد من الأحزاب الأخرى التي حصلت على ستة مقاعد فأقل.

تشكيل الحكومة العراقية

عقب إعلان نتائج الانتخابات العراقية مباشرة، اجتمعت العديد من القوى السياسية للاتفاق على الحكومة المقبلة، ويجد المتتبع للمشهد السياسي العراقي أن مفاوضات اختيار الحكومة عادةً ما تأخذ وقتاً طويلاً في ظل انتشار الاستقطاب السياسي، وعدم الثقة بين القوى والأحزاب السياسية المختلفة. وتوقّع عدد من المحللين أن تكون هناك سيناريوهات عدة لتشكيل التحالف الحكومي المقبل، وهو ما يُمكن توضيحه في ما يلي:

السيناريو الأول

يتمثل في تشكيل تحالف جديد يتكون من: سائرون، والنصر، والوطنية، وتيار الحكمة، وتحالف القرار العراقي، والاتحاد الوطني الكردستاني، وعدد من القوائم الصغيرة الأخرى، والذي ستكون مقاعده أكثر من 170 مقعداً تحت قبة البرلمان، وهو ما يحقق متطلبات «الديمقراطية التوافقية»، كونه يجمع أعضاء من مختلف مكونات المجتمع العراقي، وسيحظى هذا التحالف بدعم عربي ودولي كبير.

السيناريو الثاني

وهو إمكانية إحياء «التحالف الوطني»، الذي يضم القوى والأحزاب الشيعية، وذلك في حالة تحالف سائرون، والنصر، والفتح، وائتلاف دولة القانون، وتيار الحكمة، وقد يتم هذا في حال استطاعت القوى الشيعية تجاوز خلافاتها وصراعاتها على منصب رئاسة الحكومة، وسيحظى هذا التحالف بدعم إيران وعدد من المراجع الدينية.

السيناريو الثالث

قد يتحالف حزب الدعوة، وقائمة النصر، وائتلاف دولة القانون، ليشكلوا كتلة يصل عدد أعضائها إلى نحو 70 عضواً، على أن يقوموا بضم عدد من القوى السياسية السنية والكردية الأخرى، وسيسعى حزب الدعوة إلى الحصول على منصب رئيس مجلس الوزراء على غرار الحكومات السابقة.

السيناريو الرابع

وهو دخول الفتح، وائتلاف دولة القانون، في تحالف واحد، تُضاف إليهما القوائم ذات الصلة بزعيم دولة القانون، نوري المالكي، وقوائم أخرى كردية وسنية، تبحث عن مناصب حكومية، حتى يتمكنوا من تشكيل تكتل برلماني يؤهلهم لتشكيل الحكومة عند الدخول إلى البرلمان.

تويتر