مدفوعة بالرواتب العالية والمزيد من فرص العمل في أميركا وأوروبا

هجرة العقول الإسرائيلية المتصاعدة تشكل تهديداً وجودياً للكيان الصهيوني

صورة

بينما كانت أسرتها في وسط إسرائيل تستعد للاحتفال بما يعرف بيوم الاستقلال في أبريل، كانت راشيل أوال تستعد للاحتفال بحصولها على شهادة المواطنة الأميركية، أو ما أطلقت عليه «حلم كل إسرائيلي». وفي صباح اليوم التالي، استيقظت في منزلها في لوس أنجلوس وقادت سيارتها للاحتفال بذلك اليوم. راشيل هي واحدة من مليون إسرائيلي على الأقل يقيمون في الولايات المتحدة ويحلمون بالحصول على الجواز الأميركي. وإذا لم تغير إسرائيل، التي يقطنها 8.8 ملايين نسمة، من سلوكها، فقد يحذو الكثيرون حذو راشيل.

معضلة التعليم الديني

العديد من الأرثوذكس المتطرفين، أو «الحريديم»، لا يدفعون ضرائب الدخل لأنهم لا يكسبون ما يكفي؛ ويعيشون في فقر، ويكرسون حياتهم للدراسة الدينية التي ترعاها الدولة، ويعتمدون على الإعانات الاجتماعية. والنتيجة: أن إسرائيل، كما يقول بن دافيد، أصبحت في الأساس بلدين. ويقول: «هناك إسرائيل الناشئة، وهذا الكيان الآخر، الذي لا يحصل على الأدوات اللازمة للعيش ضمن اقتصاد حديث». ويضيف أن الفجوة بين الاثنين، تتسع بسرعة مع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للصراع مع الفلسطينيين، وكذلك التوتر المستمر مع إيران ووكلائها في لبنان وسورية. ويعتقد بن دافيد أن الوضع لا يمكن تحمله، ويعتقد أن «اقتصاداً على نمط العالم الثالث، لا يمكن أن يدعم جيشاً على نمط العالم المتقدم، ومن دون وجود جيش على هذا النمط في أخطر مكان على الأرض، سيمثل ذلك خطراً وجودياً لنا، علينا أن نتعاون معاً، أعتقد أنه يمكننا ذلك وآمل أن نستطيع». ويقول أمير وراشيل، اللذان أصبحا الآن من مواطني الولايات المتحدة: «لسنا بحاجة إلى أن نكون أغنياء، وإذا كنتم تريدوننا حقاً أن نعود، فعليكم بتغيير النظام».


بين عامي 2006 و2016، اكتسب أكثر من 87 ألف إسرائيلي الجنسية الأميركية، أو

صحّحوا أوضاعهم قانونياً، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة الأمن الوطني الأميركية.

هذا بالمقارنة مع 66 ألفاً بين عامَي 1995 و2005، هذه الأرقام تأخذ بعين الاعتبار

فقط أولئك الذين سلكوا الطريق القانوني (العديد من الإسرائيليين، كما يقول

محللون، يسافرون إلى أميركا بتأشيرات سياحية أو طلابية أو عمل مؤقتة،

ثم يمكثون هناك بعد انتهاء صلاحية التأشيرة).


العديد من

الأرثوذكس

المتطرفين، أو «الحريديم»، لا

يدفعون ضرائب

الدخل لأنهم لا

يكسبون ما يكفي

ويعيشون في فقر،

ويكرّسون حياتهم

للدراسة الدينية التي

ترعاها الدولة،

ويعتمدون على

الإعانات الاجتماعية.

احتفلت إسرائيل بالعام السبعين على تأسيسها قبل ايام مع افتتاح السفارة الأميركية في القدس. ومع ذلك فإن البلاد تصارع أزمة وجودية، أزمة لا تتعلق بأسلحة إيران النووية، أو الاحتجاجات الفلسطينية. ولكن بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، وتدني الأجور، والاتجاهات السياسية والديموغرافية، فقد أصبح الاسرائيليون يغادرون البلاد بأعداد كبيرة، في محاولة لبدء حياتهم في مكان آخر، إذ يهاجر معظمهم إلى الولايات المتحدة. وينتقل الكثير من هؤلاء الشباب الإسرائيليين إلى المدن الكبرى، وحتى في هذه الأماكن غالية الثمن فإنهم يعثرون على مزيد من الفرص لممارسة حياتهم.

بيانات تحكي الكثير

يقول محللون إن البيانات المتاحة تحكي الكثير، فبين عامي 2006 و2016، اكتسب أكثر من 87 ألف إسرائيلي الجنسية الأميركية، أو صحح وضعه قانونياً، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة الأمن الوطني الأميركية. هذا بالمقارنة مع 66 ألفاً بين عامي 1995 و2005. هذه الأرقام تأخذ بعين الاعتبار فقط أولئك الذين سلكوا الطريق القانوني (العديد من الإسرائيليين، كما يقول محللون، يسافرون الى أميركا بتأشيرات سياحية أو طلابية أو عمل مؤقتة، ثم يمكثون هناك بعد انتهاء صلاحية التأشيرة). وبالإضافة إلى الإسرائيليين الذين انتقلوا الآن إلى الولايات المتحدة، وفقاً لوزارة استيعاب المهاجرين الاسرائيلية، انتقل مئات الآلاف منهم إلى أوروبا وكندا وأماكن أخرى.

هجرة العقول من البلاد ليست ظاهرة جديدة، ولسنوات عدة انتقل الكثير من العلماء الموهوبين والباحثين المميزين إلى الولايات المتحدة، بحثاً عن عمل، حيث الرواتب أعلى بكثير، مع مزيد من فرص العمل في الجامعات من الدرجة الأولى.

أحد التقارير التي كتبها الاقتصادي في جامعة تل أبيب، دان بن دافيد، كشف أن معدل هجرة الباحثين الإسرائيليين هو الأعلى في العالم الغربي. لكن اتسعت الهجرة في الآونة الأخيرة لتشمل الشباب العاديين، الذين يقول كثير منهم إنه لا يوجد ببساطة أي مستقبل لهم في إسرائيل. في صيف عام 2011، امتدت هذه الضغوط الاقتصادية إلى الشوارع، حيث قضى نصف مليون شاب إسرائيلي أشهراً احتجاجاً على ارتفاع تكاليف المعيشة، فضلاً عن تدهور النظم الصحية والتعليمية.

ومنذ ذلك الحين، استثمر زعماء اسرائيل مئات الملايين من الدولارات ضمن الجهود الرامية إلى إعادة مواطنيهم الأكثر تعليماً، إلا أن هذه الجهود، كما يقول الخبراء، لم تنجح.

في عام 2011، أطلقت الحكومة الإسرائيلية برنامج «كور1»، وهو برنامج بقيمة 360 مليون دولار لتشجيع الباحثين على العودة إلى جامعات البلاد. وكانت النتائج محبطة لدرجة أن البرنامج انتهى بعد ثلاث سنوات من إنشائه. ويقول المستشار في الجامعة العبرية في القدس، باراك ميدينا، إن 20% فقط من الإسرائيليين الذين يذهبون إلى الخارج لدراسة الدكتوراه يعودون إلى البلاد، وذلك بسبب تدني الرواتب وارتفاع تكاليف المعيشة هنا. ويقول ميدينا، الذي كانت جامعته جزءاً من برنامج «كور1»، إنه «في بعض الحالات يعود أعضاء هيئة التدريس إلى إسرائيل، ولكن سرعان ما يسافرون مرة أخرى إلى الولايات المتحدة»، ويمضي قائلاً: «كانت هناك فجوة بين ما كانوا يتوقعون الحصول عليه هنا وما حصلوا عليه في الواقع».

استقطاب العقول

في عام 2013، أطلقت الحكومة الاسرائيلية برنامج «استقطاب إسرائيل للعقول» لتحديد الموهوبين الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج وإعادتهم، من بين أمور أخرى، لمساعدتهم في البحث عن وظائف. وتقول ناعومي كريغر كارمي، رئيسة قسم التحديات المجتمعية في هيئة الابتكار التابعة لإسرائيل، وهي الوكالة الحكومية التي أشرفت على البرنامج، إنه تم إيقاف هذا البرنامج قبل تسعة أشهر لأنه لم يتمكن من الحصول على ما يكفي من الناس لإعادتهم للبلاد. يقول الاقتصادي الإسرائيلي، بن دافيد: «إن جهود الحكومة لإعادة الأكاديميين هي عبارة عن نقطة ماء في الدلو»، ويمضي قائلاً: «نحن بحاجة إلى إصلاح بلد بأكمله».

وتتفق لينوي، البالغة من العمر 21 عاماً وتسكن في القدس، على ما ذكره دافيد. ومثلها مثل الآخرين الذين جرت مقابلتهم بشأن هذا الموضوع، طلبت من «نيوزويك» ألا تذكر اسمها الأخير لأنها وصلت إلى الولايات المتحدة بتأشيرة سياحية. في العام الماضي، بعد فترة قصيرة من إكمال خدمتها العسكرية الإلزامية، انتقلت إلى لوس أنجلوس، على أمل بناء مستقبل أفضل. ومنذ وصولها إلى الولايات المتحدة، تزوجت من أميركي وهي بانتظار بطاقتها الخضراء. وإذا عادت إلى إسرائيل، فإنها تخشى أن ينتهي الحال بها مثل والدتها التي لاتزال تؤجر شقتها وتعيش من خلال الشيكات التي يدفعها المستأجر. تقول لينوي: «أحب إسرائيل، لكن الحكومة أوصلتنا إلى وضع لا يمكننا أن نبني فيه حياة كريمة، ومن المحزن أن الجيل الأصغر يبحث عن طريقة للهروب من البلاد»، وتريد أن تربي أطفالها هناك في اسرائيل يوماً ما، لكنها تشك في أن يكون الوضع مهيأً لذلك في المستقبل.

وبالفعل كانت راشيل أوال وزوجها أمير يشعران بالوضع نفسه قبل هجرتهما للولايات المتحدة. فقبل خمس سنوات، كانا يعيشان في إسرائيل، مع طفليهما ويعملان بدوام كامل (عملت صرافاً في البنك، وعمل أمير في وظيفة لدعم عملاء شركة للاتصالات). وكان مجمل دخلهما الشهري أقل من 4000 دولار بعد الضرائب. وكانوا يستطيعون بالكاد دفع فواتيرهم. في عام 2013، انتقلا إلى لوس أنجلوس، وفي غضون ثلاث سنوات تمكنوا من شراء منزل من أربع غرف نوم. واليوم، يمتلك أمير شركته الخاصة في مجال المقاولات، وهو شيء كافح من أجله في الوطن. وكما يقول فإن مجموعة من العائلات القوية تدير مثل هذه الصناعة في اسرائيل، ويقال إنها مرتبطة بالمافيا الإسرائيلية. الآن، يكسب أمير ما يقرب من عشرة أضعاف ما كان يكسبه في إسرائيل، ولا يتعين على راشيل أن تعمل. تقول راشيل: «في إسرائيل، لم أكن أستطيع تربية طفليّ بسبب عملي، أما هنا فيمكنني أن أكون معهما طوال اليوم».

أكبر فرصة اقتصادية

في حين أن نجاح عائلة أوال لا يعتبر نموذجاً ينطبق على حالات اخرى، إلا أن قصتهم تمثل أكبر فرصة اقتصادية يحصل عليها الإسرائيليون هنا. أسس آدم ميلشتاين المجلس الإسرائيلي الأميركي في عام 2007 ليكون بمثابة رابطة للجالية الإسرائيلية في لوس أنجلوس. ويقول إنه عندما غادر إسرائيل في عام 1980، كانت الهجرة إلى الولايات المتحدة مختلفة في ذلك الوقت، «كنا نتحرق للعودة إلى الوطن، الإسرائيليون الذين يأتون إلى هنا اليوم هم أصغر سناً وأكثر موهبة، وهم ليسوا مستعدين للعودة إلى إسرائيل».

سبب آخر يدفع العديد من الإسرائيليين للمغادرة هو ما يرونه من تحول البلاد عن أصولها كدولة ديمقراطية يهودية علمانية. فقد أصبحت إسرائيل موطناً لعدد متزايد من اليهود المتدينين، وهو تغيير ينعكس في كل جانب من جوانب المجتمع الإسرائيلي، من السياسة إلى نظام التعليم الوطني، حيث تأخذ الدراسات الدينية حصة أكبر من اليوم المدرسي.

وتقول كارميت، البالغة من العمر 30 عاماً، والتي تخطط للانتقال إلى نيويورك مع زوجها، العام المقبل: «أريد أن تظل إسرائيل ديمقراطية يهودية، وليس يهودية ديمقراطية».

ودفع المد المتزايد في التديّن بين الإسرائيليين البلاد، جزئياً، لتصبح أكثر محافظة، وعادة ما يكون هؤلاء المغادرين أكثر ليبرالية. وفي حين يشكل اليهود المتدينون المتشددون 12% من السكان اليوم، فمن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2065، وفقاً لمكتب الإحصاءات المركزي الإسرائيلي.

إن نمو السكان الأرثوذكس المتطرفين - الذين تدرّس مدارسهم الممولة من الحكومة قليلاً من الرياضيات، والعلوم، واللغة الإنجليزية - ينذر بمشكلة أكبر. يقول بن دافيد: «نصف الأطفال في إسرائيل يحصلون على تعليم على نمط العالم الثالث»، مستشهداً بالبيانات التي جمعتها منظمته «مؤسسة شوريش».

تويتر