غياب ملامح شهر الصيام هذا العام

منازل شهداء مسيرات العودة في رمضان.. موائد حزينة وذكريات أليمة

صورة

عندما تدنو ساعة غروب الشمس، ويقترب موعد الإفطار، تجلس والدة الشهيد محمد حجيلة على سرير ابنها حزينة، ففي الوقت الذي تستعد فيها الأمهات لإعداد وجبات الإفطار في شهر رمضان المبارك، تقلّب أم رأفت في عقلها دفاتر الذكريات، فتسترجع أيامها مع ابنها على مائدة الطعام، حيث تتعالى الضحكات، وتمتلئ قائمة الأطعمة التي يطلبها من والدته لتعدها له في شهر الصيام.

أم إياد حجيلة:

«منذ اليوم الأول لشهر رمضان وأنا اجلس بجانب الكرسي الذي كان يجلس عليه ابني دائماً، فأنا مازلت أشاهد ملامحه ترافقني ولا تغيب عني، وهذا الكرسي سيبقى معي حتى أفارق الحياة، ففراق ابني أحدث وجعاً كبيراً شطر قلبي الى نصفين، فلم أعد أتذوق طعم الطعام، ولا أشعر بلذة رمضان».


فقد أهالي الشهداء أحبتهم الذين كانوا

يجتمعون بهم العام الماضي على مائدتي

الإفطار والسحور، تحت سقف واحد وعلى مائدة

واحدة، باتت هذا الشهر خالية منهم،

فيما يتقاسم أقاربهم الحزن والأسى، دون أن

يتذوقوا طعماً للأكل.

يرفع أذان المغرب وتتجمع العائلات حول مائدة الإفطار، إلا أن تلك اللحظات تمر عصيبة على أم إياد حجيلة التي فقدت ابنها شهيداً أثناء مشاركتها في مسيرات العودة التي انطلقت في نهاية مارس الماضي، فطيفه يرافقها طوال شهر رمضان، وصورته لا تغيب عن مخيلتها كلما همت بإعداد الطعام.

وتغيب ملامح شهر الصيام هذا العام عن منازل عائلات الشهداء الذين طالت بنادق القناصة الإسرائيليين أجساد أبنائهم طوال أيام مسيرات العودة، إذ فقدوا أحبتهم، الذين كانوا يجتمعون بهم العام الماضي على مائدتي الإفطار والسحور، تحت سقف واحد وعلى مائدة واحدة، والتي باتت هذا الشهر خالية منهم، فيما يتقاسم أقاربهم الحزن والأسى، دون أن يتذوقوا طعماً للأكل.

ولم يكتفِ الوجع الذي يقهر أهالي الشهداء عند هذا الحد، فشهر رمضان يحمل بين طياته ذكريات أليمة فجعت قلوبهم في أيام كانوا فيها صائمين، لتكن أيامه قاسية عليهم في ظل غياب الأحبة وفلذات الأكباد الذين كانوا يجتمعون معهم في ليالي رمضان، ويستعدون مع أبنائهم وزوجاتهم لأيام العيد.

طعام بلا طعم

«الإمارات اليوم» التقت مجموعة من عائلات الشهداء الذين ارتقوا خلال مسيرات العودة، للتعرف الى كواليس شهر رمضان من دون ذويهم وأحبتهم، إذ تمر عليهم أيام رمضان ودموعهم لم تجف بعد، حيث يجيء على عائلات دون أن يكون بينهم رب الأسرة الذي طالته بنادق القناصة الإسرائيليين على طول الشريط الحدودي الشرقي بين غزة وإسرائيل.

وتوضح والدة الشهيد محمد حجيلة أن رمضان هذا العام بالنسبة لها يختلف عن الأعوام السابقة، ففي هذا الشهر لن يكون ابنها موجوداً معها ليساعدها في شراء متطلبات المنزل من السوق، ولن يرافقها صوت ضحكاته التي كانت تخفف من أوجاعها في ليالي رمضان

وتقول والدة الشهيد أم إياد حجيلة بنبرة حزينة: «منذ اليوم الأول لشهر رمضان وأنا أجلس بجانب الكرسي الذي كان يجلس عليه ابني دائماً، فأنا مازلت أشاهد ملامحه ترافقني ولا تغيب عني، وهذا الكرسي سيبقى معي حتى أفارق الحياة، ففراق ابني أحدث وجعاً كبيراً شطر قلبي الى نصفين، فلم أعد أتذوق طعم الطعام، ولا أشعر بلذة رمضان».

ويذكر أن الشهيد محمد حجيلة هو الشهيد الرابع لوالدته أم إياد، والذين استشهدوا نتيجة عملية القصف الجوي الإسرائيلي، فيما ترك محمد خلفه ثلاثة أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر سبعة أعوام.

حسرة الأطفال

زوجة الشهيد ناصر غراب وأطفاله يجتمعون حول المائدة يستذكرون والدهم الذي غيبته بنادق القناصة الإسرائيليين قسراً، إذ يتبادلون النظرات صامتين، والحزن يملأ عيونهم بالتأمل إلى الحائط المقابل الذي يحمل صورة كبيرة له.

وتقول زوجة الشهيد غراب الذي استشهد يوم 14 مايو نتيجة إصابته برصاص القناصة الإسرائيليين، خلال مشاركته في مسيرات العودة على السياج الحدودي: «إن رمضان هذا العام هو الأصعب بالنسبة لي أنا وأطفالي، فلأول مرة لا يجتمع زوجي معنا على مائدتي السحور والإفطار، اذ إنه استشهد وخطف معه كل معالم الفرحة داخل البيت».

وتضيف: «نشعر بحزن لا وصف له عندما نجلس وقت الإفطار على المائدة، دون أن يكون ناصر بيننا، فكيف سيكون لرمضان البهجة التي اعتدنا عليها كما كان عليه الحال في الأعوام السابقة، ونحن فقدنا أغلى شيء في حياتنا؟». وتتابع الزوجة المكلومة قولها بصوت حزين: «لم نشعر أنا وأطفالي هذا العام بفرحة رمضان، فعلى الرغم من التفاف أقاربي وأقارب زوجي حولنا، إلا أن أطفالي يشعرون بأن هناك شيئاً كبيراً ينقصهم، فمنذ بداية رمضان لم أستطع الرد على أسئلتهم التي تتردد على ألسنتهم دائماً إذ يتساءلون» من الذي سيذهب معنا لشراء ملابس العيد بعد استشهاد بابا؟».

أوجاع مضاعفة

والدا الشهيد شاهر المدهون يعيشان أوجاعاً مضاعفة منذ بداية شهر رمضان، فهو سندهما في الحياة بعد أن اشتد عليهما المرض، وهو من كان يصحب والده إلى المسجد في صلاتي التراويح والفجر.

وتقول والدة الشهيد شاهر المدهون وعيناها تذرف دمعاً: «إن رمضان عمّق الحزن وزاد من شدة أوجاع الفراق، فصورته لا تغيب عن خاطري حتى لو لحظة واحدة، خصوصاً في ساعات السحور والإفطار، والتي كانت تغمرها ضحكاته وصوته، ولكن اليوم أخفي دموعي على مائدة الطعام التي تخلو اليوم من ابني شاهر».

وتضيف أن «شهر رمضان هذا العام يحل علينا ولم يذهب شاهر مع والده الى صلاة التراويح، ولم يكن معي على السحور، فهو الذي كان يمسك بيد والده ويستند إليه عندما يذهب إلى المسجد للصلاة».

واستشهد الشاب شاهر المدهون (32 عاماً) في ذكرى النكبة الـ70، أثناء مشاركته في تظاهرات مسيرة العودة على طول السياج الحدودي الفاصل بين غزة وإسرائيل.

تويتر