أقامت مع «حزب الله» قواعد في 13 منشأة عسكرية بسورية

إيران تغلغلت في المنطقة مســتغلة الاتفاق النووي مع الغرب

صورة

بعد أشهر من التهديد، انسحب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الصفقة النووية الإيرانية التاريخية، أول من أمس، ما أدى إلى تفكيك الإنجاز الذي حققته إدارة سلفه باراك أوباما في السياسة الخارجية، ووضع الولايات المتحدة في مسار تصادمي مع الحلفاء، وكذلك مع طهران.

ترامب مستعد للتفاوض على صفقة جديدة،

لكن عليها أن تغطي قضايا عدة خارج البرنامج

النووي الإيراني المثير للجدل، بما في ذلك برنامج

الصواريخ الباليستية، ودعم النظام الإيراني

للجماعات المتطرفة، وغيرها من الأنشطة.

«الخبيثة» في الشرق الأوسط.


تدهور بطيء

سيكون لقرار الولايات المتحدة عواقب اقتصادية واجتماعية على حد سواء داخل إيران، حيث تركت الشائعات بشأن قرار ترامب، الذي كان يهدد منذ فترة طويلة، أثراً نفسياً بالفعل. وانخفضت قيمة العملة الإيرانية إلى الثلث منذ ديسمبر. ويتقاطع التوقيت مع التغيير المنهجي (عدم التيقن) في إيران بسبب التغيرات الديموغرافية الدراماتيكية، وقيادة المُسنين، والنقص الهيكلي الطويل الأمد. وفي ذلك تقول الموظفة السابقة في التخطيط السياسي في وزارة الخارجية، سوزان مالوني، إن «طفرة المواليد في مرحلة ما بعد الثورة تتجه نحو منتصف العمر، مع وصول شامل تقريباً إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وبعد عقود من الآمال المحبطة إزاء التحسينات الاقتصادية، لا أرى ثورة في الأفق، لكنني أعتقد أننا نشهد تدهوراً بطيئاً للنظام الثوري الذي يتردد في الاقتصاد». وتضيف مالوني «أعتقد أن هذا هو السبب الوحيد أو حتى المستفحل في المقام الأول بسبب انهيار الصفقة، ولكن، بالأحرى، تتويج مجموعة من القوى الداخلية: إحباطات طويلة الأمد، جمود عقدين من التدرجية، والضغوط الديموغرافية، وتكنولوجيا الاتصالات، واحتمال وشيك لخلافة القيادة».

وفي إحاطة إعلامية في البيت الأبيض، قال مستشار الأمن القومي الجديد، جون بولتون، إن الإدارة ستواصل التحدث مع الحلفاء حول سبل المضي قدماً، ولكن احتمال تعميق الانقسام السياسي مع القوى الخمس الكبرى الأخرى في العالم - ناهيك عن جعل إيران توافق على صفقة جديدة - يبدو بعيد المنال، في أحسن الأحوال.

وقال ترامب في إعلانه «لقد كانت هذه صفقة غير عادية، ومن جانب واحد، وكان يجب ألا تتم أبداً»، مضيفاً «لم تجلب الهدوء، ولم تجلب السلام، ولن تفعل ذلك أبداً». كما قال إن الولايات المتحدة تعيد فرض عقوبات اقتصادية على إيران، وبمرور الوقت، ستفرضها على شركات في دول أخرى تتعامل مع هذا البلد.

ومع ذلك، قال ترامب إنه على استعداد للتفاوض على صفقة جديدة، لكن عليها أن تغطي قضايا عدة خارج البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل، بما في ذلك برنامج الصواريخ الباليستية، ودعم النظام الإيراني للجماعات المتطرفة، وغيرها من الأنشطة «الخبيثة» في الشرق الأوسط. لكن في انتقاد لهذه الخطوة، عبّر زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا عن «أسفهم» لهذا القرار، وتعهدوا بالبقاء في الاتفاق الذي يشمل روسيا والصين. وقالوا «إننا نحث جميع الأطراف على الالتزام بالتنفيذ الكامل، والتصرف بروح المسؤولية». كما أشارت الصين إلى أنها ستلتزم بالاتفاق.

وفي رد فعل أولي، بدا أن إيران أيضاً رفضت المفاوضات الجديدة، وأشارت إلى أنها قد تلتزم بالاتفاقية الأصلية، التي تقيد جوانب مهمة من برنامجها النووي. وقال الرئيس حسن روحاني إن حكومته ستستعرض احتمالات مواصلة التعاون مع الدول الخمس الموقعة الأخرى على الاتفاقية، أو ما يسمى رسمياً خطة العمل الشاملة المشتركة

لكن روحاني، الذي فاز بمنصبه في عام 2013، على منبر التفاوض على صفقة نووية مع الولايات المتحدة والحصول على إعفاء من العقوبات الاقتصادية في المقابل، اقترح أيضاً أن طهران كانت مستعدة «لاتخاذ تدابير لاحقة، إذا لزم الأمر»، بما في ذلك «البدء في التخصيب الصناعي دون قيود».

قرار ترامب يعني، من الناحية الفنية، أن واشنطن هي أول دولة تضرب بالاتفاقية عرض الحائط. وأصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الوكالة النووية التابعة للأمم المتحدة، 10 تقارير تفيد بأن طهران تمتثل بالكامل لالتزاماتها. وتخضع إيران لأقسى أنظمة التفتيش، التي فرضت على الإطلاق في إطار اتفاق لتقييد الأسلحة. وفي تعليق نادر على السياسة الخارجية لترامب، أشار الرئيس السابق باراك أوباما إلى أن الحق في التفتيش يختفي إذا انتهى الاتفاق.

ويرى الرئيس السابق أن كل جانب من جوانب السلوك الإيراني المزعج «سيكون أكثر خطورة إذا كان برنامجها النووي غير مقيد»، متابعاً «لقد تعززت قدرتنا على مواجهة سلوك إيران المزعزع للاستقرار، وللمحافظة على وحدة الهدف مع حلفائنا، بفضل خطة العمل المشترك، وسنكون أضعف من دونها».

توترات متفاقمة

هناك الكثير من المعترضين على الانسحاب الأميركي الأخير، ومنهم السفير الأميركي السابق لدى الاتحاد الأوروبي، جيمس دوبينز، الذي تفاوض مع إيران بعد الغزو الأميركي لأفغانستان، ويعمل الآن في مؤسسة «راند»، ويرى أن القرار «يطلق سراح إيران، وينكث بالتزام أميركي، ويضيف مخاطر نشوب حرب تجارية مع حلفاء أميركا، وحرب ساخنة مع إيران، ويقلل من احتمالات التوصل إلى اتفاق دائم وقابل للتحقق فعلاً للقضاء على التهديد النووي والصاروخي لكوريا الشمالية».

من المرجح أن يكون لقرار ترامب تأثير بعيد المدى. كان الافتراض الرسمي للتواصل الدبلوماسي هو تهيئة ظروف من أجل التعاون في نهاية المطاف مع إيران على النقاط الساخنة الأخرى في أكثر مناطق العالم تقلباً. وبدلاً من ذلك، يلوح الخطر على التوترات المتفاقمة في المناطق الساخنة، مثل سورية والعراق ولبنان واليمن، حيث توجد مصالح متنافسة بين الولايات المتحدة وإيران «ومن خلال التنازل عن القيادة الأميركية في صفقة واحدة متعددة الأطراف في الشرق الأوسط المضطرب، يمكن لترامب أن يغير الوضع بشكل كبير»، كما تقول ويندي تشامبرلين، وهي دبلوماسية سابقة، تعمل حالياً مديرة معهد الشرق الأوسط في واشنطن.

وزادت التوترات بين إسرائيل وإيران، في الآونة الأخيرة، بسبب سورية، حيث أقامت قوات الحرس الثوري الإيراني، وميليشيات «حزب الله» اللبنانية، موطئ قدم في 13 منشأة عسكرية خلال حربها الأهلية التي استمرت سبعة أعوام. وأطلقت القوات الإسرائيلية أكثر من 100 غارة جوية على مواقع في سورية، وكان معظم الأهداف تابعاً لإيران و«حزب الله».

ويأتي الانسحاب من الاتفاق قبل أيام من قيام الولايات المتحدة بنقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وهو قرار آخر مثير للجدل، أثار مشاعر معادية لأميركا. أخبرني بروس ريدل، وهو موظف سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) والبيت الأبيض و«البنتاغون»، أن الإدارة الأميركية «تثير جدلاً كبيراً في الشرق الأوسط المشتعل بالفعل، بقرارات بشأن إيران والقدس».

وكذلك التحالف عبر الأطلسي على المحك، أيضاً، والذي تمت صياغته بعد الحرب العالمية الثانية، بين الولايات المتحدة وأوروبا. فيما اعتبر تحدّياً أخيراً لجهود الحلفاء الأوروبيين الثلاثة الأكثر أهمية لأميركا، خلال زيارات قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ووزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون.

محرك دولي

يتلاءم ما فعله الرئيس الأميركي ــ بالتشديد بدلاً من إصلاح الصفقة ــ مع أجندة «أميركا أولاً»، وفقاً للسفير السابق في إسرائيل ومصر، دانييل كيرتزر، الذي قال إن «الانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية - جنباً إلى جنب مع الانسحاب من الشراكة عبر المحيط الهادئ واتفاق باريس (على المناخ) - يوضح سياسة ترامب في ما يخص التزامات الولايات المتحدة». واعتادت الولايات المتحدة أن تكون القائد، والداعية، ومحرك الدبلوماسية الدولية. ومن الواضح أن الأوروبيين يأملون أن تبقى هذه الصفقة ـ التتويج الذي حققته دبلوماسية الاتحاد الأوروبي كهيئة قارية ـ دون الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن إعادة فرض العقوبات على إيران ستخلق أكبر انقسام بين أوروبا والولايات المتحدة منذ حرب العراق، كما أخبرني المدير التنفيذي لمكتب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في واشنطن، مارك فيتزباتريك، وقال «هذه المرة سيكون الوضع أسوأ، بما أنه لن تكون هناك دولة أوروبية واحدة تتوافق مع الولايات المتحدة في هذا الشأن». وأضاف أنه خارج أوروبا، فإن صدقية أميركا في جميع أنحاء العالم «ستهوي إلى الحضيض، وسينظر إلى أميركا على أنها غبية ومتغطرسة وبلطجية». وقال «أُشفق على الدبلوماسيين الأميركيين الذين يتعين عليهم شرح هذا القرار غير المنطقي لبلدانهم المضيفة».

من جهة أخرى، قد يصب قرار ترامب في صالح أطراف دولية أخرى، بمن في ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما يرى مايكل ماكفول، وهو سفير أميركي سابق في موسكو، إذ قال «نحن نلعب لمصلحة بوتين». وبالنسبة للأخير، فهذا يعني أن الولايات المتحدة خارج اللعبة، وبوتين لايزال في الداخل، وتساءل «لماذا نعزل أنفسنا عندما نحتاج إلى دول أخرى للتعاون مع قضايا مثل كوريا الشمالية؟».

روبن رايت كاتبة عمود ومحللة سياسية أميركية

تويتر