لم يتمكن من استعادة سجنائهم المحتجزين عند المعارضة

ولاء العلويين لنظام الأسد يتزعزع بعد هجوم دوما

صورة

منذ اتهام قوات النظام السوري بتنفيذ هجوم بالأسلحة الكيماوية على دوما، أكبر بلدة متمردة بالقرب من دمشق، انتظر العالم بقلق استجابة الولايات المتحدة، وفي أعقاب الهجوم المشتبه به، تحدث الرئيس دونالد ترامب عن ثأر وشيك بكلمات صارمة ضد بشار الأسد وروسيا.

بالنظر إلى العواقب المحتملة التي قد يواجهها الأسد وحلفاؤه، فإنه من غير الواضح لماذا يخاطر باستخدام الأسلحة الكيماوية، خصوصاً عندما أعلن نظامه بالفعل النصر في هجومه المدعوم من روسيا على الغوطة الشرقية، آخر منطقة رئيسة يسيطر عليها المتمردون بالقرب من دمشق، والتي تشمل أيضاً دوما. وتم تقديم العديد من النظريات، بما في ذلك حاجة الأسد إلى المزيد من ترويع سكانه لإخضاعهم، بالإضافة إلى الرغبة في تحدي وإذلال الغرب العاجز.

الضغط

7500

من الأسرى العلويين

كانوا في دوما

وحولها.


كل بيت تقريباً

في معاقل علوية

غرب سورية قد

تأثر بالحرب، التي

يعتقد العديد من

أفراد الطائفة أنها

تتعلق بإنقاذ نظام

الأسد، وكذلك

الحفاظ على

وجودهم.


دعا العلويون وكثيرون داخل نظام الأسد إلى إلحاق أقصى الألم بالمعارضة لضمان إطلاق سراح السجناء.

أحد التفسيرات الحاسمة هو الضغط الذي واجهه من العلويين، الأقلية المرتبطة بالشيعة والتي ينتمي إليها الأسد. ويعتقد العديد من العلويين أن الجماعة المقاتلة الرئيسة المتمثلة في «جيش الإسلام»، تحتجز ما يصل إلى 7500 من الأسرى العلويين في المدينة وحولها، بما في ذلك جنرالات الجيش والجنود والمدنيين، الذين اختطفوا أو أسروا من قبل المسلحين على مر السنين؛ في محاولة للحصول على تنازلات من النظام. وعلى الرغم من أن العلويين يمثلون نسبة صغيرة من البلد بشكل عام، فإنهم يشغلون مناصب رئيسة في النظام، ويسيطرون على الشرطة، ويزودون القوى المقاتلة الرئيسة التي كانت تدافع عن النظام منذ عام 2011. ويفتقد العديد من عائلاتهم إلى ذويهم الذين لا يستطيع الأسد تحريرهم، ومع ذلك يقول لهم إنه بحاجة إلى المزيد من أبنائهم للقتال.

إن قدرة الأسد على استعادتهم أمر حيوي للحفاظ على شرعيته في نظر هذه الدائرة المهمة، وهي حقيقة تدركها إيران وروسيا أيضاً. وقال الأسد خلال اجتماع مع عائلات علوية قبل أسبوع: «لن نتخلى عن أي شخص مفقود أو مختطف، وسنفعل كل ما في وسعنا لإطلاق سراحه إذا كان لايزال على قيد الحياة». بالنسبة للأسد فإن تضامنه مع طائفته قد يكون مصدر قلق أكبر من أي تداعيات من استخدامه للأسلحة الكيماوية.

منطق وحشي

بالنظر إلى سجل الغرب غير المستقر في الرد على الهجمات السابقة، وتصميم الحلفاء على حماية الأسد، ورغبته الخاصة في تبرير أي فظاعة أو كذب حوله والإفلات من العقاب، هناك منطق وحشي لتفكيره. ومع ذلك، في الفترة التي سبقت الهجوم الدامي بالسلاح الكيماوي، أصبح من الواضح أن الأسد بحاجة إلى أن يثبت لطائفته التي سئمت الحرب إلى أي مدى يرغب في الذهاب إلى إطلاق سراح المسجناء العلويين. إنه ديكتاتور يفهم بغريزته مدى السرعة التي يمكن أن تنهار بها الأمور إذا ما انقلب العلويون عليه.

خلال الحرب السورية التي دامت سبع سنوات، تحدثت مع العديد من العلويين الذين يشعرون بأنهم ضحوا بكل شيء للحفاظ على ما يقرب من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد. كل بيت تقريباً في معاقل علوية غرب سورية قد تأثر بالحرب، التي يعتقد العديد من أفراد الطائفة أنها تتعلق بإنقاذ نظام الأسد، والحفاظ على وجودهم كذلك. وتدعي رواية النظام أن الأغلبية السُنية التي تبنت التمرد تريد القضاء على هذه الطائفة. ومع انهيار صفوف الجيش في العراق بسبب الانشقاقات، سارع العلويون للانضمام إلى الميليشيات الطائفية التي أنشئت حديثاً، لكن يبدو أن الأسد كان دائماً مهتماً أكثر بالميليشيات الشيعية الإيرانية، بمن فيهم مقاتلو ميليشيا «حزب الله»، الذين غمروا ساحة المعركة لإنقاذه.

قلق وغضب

ودعا العلويون وكثيرون داخل نظام الأسد إلى إلحاق أقصى قدر من الألم بالمعارضة لضمان إطلاق سراح السجناء. وخلال شهر مارس، خرج عشرات الآلاف من المقاتلين والمدنيين من الغوطة الشرقية عبر ممر آمن إلى إدلب، وهي مقاطعة يسيطر عليها المتمردون في الشمال. وتم ترتيب إطلاق سراحهم في مفاوضات بين الروس والجماعات المسلحة. وبينما كان العلويون يراقبونهم يغادرون، أصبحوا قلقين وغاضبين: لم يتلقوا بعد الكثير من المعلومات عن إخوانهم الذين مازالوا محتجزين لدى «جيش الإسلام».

بعد قصف دوما بوقت قصير، هرعت الأمهات العلويات المُتعبات والزوجات والآباء إلى دمشق من بلداتهم وقراهم في غرب سورية، وكانوا يتوقعون لم شملهم بأحبائهم، لكن الأمل سرعان ما تبخر ليفتح المجال أمام الغضب والإحباط، وذلك عندما خرج نحو 200 سجين علوي فقط من دوما بحلول مساء الاثنين. وتفاقمت العواطف عندما أعلنت وسائل الإعلام الرسمية للنظام أن هذا العدد كان نهائياً للسجناء الذين خرجوا أحياء من دوما. وقال إن الرقم الذي بلغ 7500 كان مجرد «أخبار مزيفة»، وتم نشرها في محاولة لابتزاز الأموال من العائلات اليائسة.

مشهد نادر

في مشهد نادر ومثير للدهشة، نظم المئات من العلويين الغاضبين احتجاجاً في وسط دمشق، وهم يسيرون من قاعة محاضرة بجوار السفارة الروسية التي تحولت إلى منطقة انتظار للعائلات، وباتت واحدة من أكثر تقاطعات المرور ازدحاماً في العاصمة. وقامت قوات أمن النظام على الفور بتطويق المنطقة بأكملها وأرسلت وسائل الإعلام الرسمية للتعبير عن الناس والسماح لهم بالتنفس. وتم إبعاد كل وسائل الإعلام الأخرى، وفقاً لما قاله لي أحد المراسلين المستقلين في دمشق والذي شهد الحادثة.

«لقد أحضرت لابني هذه السراويل حتى يتمكن من ارتدائها عندما يتم إطلاق سراحه»، تصرخ أم سورية. ولم يظهر ابنها الجندي الذي كان في عداد المفقودين لمدة ست سنوات. وحاول جعفر يونس، وهو مراسل تلفزيوني علوي، أن يخفف عنها قائلاً «رجاء اهدئي يا عمة، نحن نتعامل مع جماعة إرهابية مسلحة»، في إشارة إلى «جيش الإسلام». وتجيب الأم الغاضبة: «كنت أثق بكم (الإعلام الرسمي)، ولكن ليس بعد الآن».

سمعت مثل هذه المشاعر من العلويين مرات عدة خلال رحلة استغرقت أسبوعين عبر ريف حماة والأقاليم الغربية الساحلية في اللاذقية وطرطوس في صيف عام 2014. أخبرتني الأمهات والزوجات أنهن يعلمن أن ذويهن محتجزون في دوما، وأردن من الأسد أن يفعل المزيد لإخراجهم.

توازن القوة والخرائط الجغرافية السياسية

على الرغم من أن الأسد قد استرد الكثير من الأراضي التي خسرتها قوات النظام أمام المسلحين، فإن الحرب لم تنته بعد. وبمرور الوقت، يطالب العديد من قادة الميليشيات العلويين وأمراء الحرب بمزيد من القسوة والصرامة من قبل الأسد. على الأقل حتى الآن، هو بحاجة إلى هؤلاء الناس، ويعلم أن أي صدع كبير داخل طائفته العلوية قد يكلفه السلطة في أجزاء من المناطق التي يسيطر عليها، حتى مع الدعم الكامل من قبل إيران وروسيا.

ولكن ماذا يعني توازن القوة والخرائط الجغرافية السياسية للعائلات العلوية التي أعطت أبناءها لإبقاء الأسد في السلطة؟ من السخرية أنه بعد حرب دامت سبع سنوات أودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص، وشردت الملايين وشهدت صعود وتقهقر تنظيم «داعش» ومشاركة قوى أجنبية وإقليمية؛ يمكن أن يأتي التهديد الأكبر لنظام الأسد من الطائفة العلوية نفسها.

تويتر