بعد أن تعرّض لضربتين غير موجعتين

الضربات الصاروخية الأميركية رسالة غير موفقة لردع الأسد

صورة

اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره بشأن سورية. كان ذلك في 29 مارس عندما حيّا حشداً من مؤيديه في ريتشفيلد بولاية أوهايو، وأعلن أنه «بعد ثلاث سنوات ونصف من ضياع مليارات الدولارات في أكثر الحروب الأهلية دموية في الشرق الأوسط، ستستعد قواتنا قريباً للعودة لوطنها». وأضاف: «لقد تخلصنا من تنظيم (داعش)، ونستعد للخروج من سورية في وقت قريب جداً، لندع الآخرين يهتمون بها».

هناك توافق في

الآراء داخل الإدارة

على أنه حتى في

الصراع الذي أودى

بحياة 400 ألف

شخص؛ يجب معاقبة

من يستخدمون

الأسلحة المحرمة.

وقد اعتبرت إدارة

ترامب أن الأسد يخاطر

بما يسمى «تأثير

قطع الدومينو» في

جميع أنحاء العالم.


حديث ترامب عن نيته الابتعاد عن سورية من شأنه أن يحد من فاعلية العمل العسكري.

وسارع مستشارو ترامب خلال عطلة نهاية أسبوع عيد الفصح لصياغة استراتيجية خروج كي يوفي الرئيس بنذره، ولإعداد حجج تبرر الحكمة من الانسحاب. وخلال اجتماع مع مديري الأمن القومي في غرفة العمليات في البيت الأبيض يوم الثلاثاء التالي، استشاط الرئيس غضباً في قيادته العسكرية من التكاليف الأميركية في سورية، وطالب بإطار زمني أكثر وضوحاً للانسحاب.

وفي مرحلة ما من الاجتماع سأل رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد ـ وهو معارض للانسحاب السريع - ترامب عما يرغب في تنفيذه بالضبط بشأن سورية. ورد ترامب بأنه لا يريد اي مشاركة في بناء دولة موحدة، كما أنه لا يريد انسحاباً مختصراً من شأنه أن يترك فراغا في القوة، يمكن أن يستغله المسلحون.

ويدرك مستشارون آخرون، مثل وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي شارك في الاجتماع وانحاز لجانب دانفورد، أن قرار ترامب قد يكون مثل الحالة الجوية، بمعنى أنهم لا يحبون ما قاله، وينتظرون أن يغير رأيه. وفي التاسع من أبريل، بعد يومين من الهجوم بالأسلحة الكيماوية على المدنيين في مدينة دوما غرب البلاد، كان ترامب يعد لمواطنيه مشاركة أميركية جديدة عندما قال «نحن أعظم قوة مقاتلة في أي مكان في العالم»، واعداً بالتصرف «بقوة» وقريباً جداً.

إلا أن الحقيقة المرة هي أن رئيس الولايات المتحدة ليس لديه خيارات جذابة في سورية، وأن الانسحاب بالكامل من شأنه أن يترك المجال لإيران، التي أقسم ترامب على طردها من كل مكان في المنطقة، كما يمنح الانسحاب حياة جديدة لعناصر تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التي مازالت موجودة في البلاد. كما أن مشاركة عسكرية أعمق تحمل الكثير من المخاطر، إذ إن مثل هذه المشاركة قد تجر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع القوات الروسية التي تدعم الرئيس السوري بشار الأسد وتتعاون مع إيران، إلا أن ترامب خاطب روسيا في التغريدات التي اطلقها قبل اطلاق صواريخه، عندما ألمح إليها: «استعدوا أيها الروس، نحن قادمون، بشكل جديد وذكي»، ومحذراً اياهم في 11 أبريل، بالقول «لا ينبغي أن تكونوا شركاء مع هذا الحيوان الذي يقتل مواطنيه بالغاز ويستمتع بذلك».

مناورة

يقوم ترامب بالمناورة في واقع عنيد مع فريق جديد من المستشارين، تم اختيارهم ليتواءموا مع نظرته للعالم، ففي وزارة الخارجية، قضى الوزير مايك بومبيو، وهو صقر عريق مناهض للنظام الإيراني، الأيام التي تلت هجوم دوما من أجل تشكيل تحالف قوي للانضمام إلى العمل العسكري الأميركي. والأهم من ذلك أن رئيس مجلس الأمن القومي الجديد جون بولتون قد أصبح مستشاراً استراتيجياً مقرباً من ترامب، يركن اليه حول الاستراتيجية السورية. بولتون، المؤمن باستخدام أميركا لقوتها العسكرية، والمعارض أيضاً للمشاركة في بناء سورية، قد يكون متوافقاً مع رغبات ترامب المتضاربة للانتقام من الأسد.

في المرة الأولى التي حاول فيها ترامب استعراض القوة في سورية، استغرق الأمر ثلاثة أيام فقط ليسمح بتوجيه ضربات صاروخية ضد الأسد، وتصرف بشكل مندفع تقريباً دون الحصول على إذن من الكونغرس، فقد كان ذلك أهم عمل عسكري لرئاسته التي مضى عليها في ذلك الوقت 11 أسبوعاً.

اتخذ ترامب هذا القرار عقب إحاطة إعلامية بمقره في مار لاغو، حيث كان يستضيف الرئيس الصيني شي جين بينغ، وأحيط علماً بأن أجهزة الرادار والمراقبة الأميركية رصدت طائرة هجوم سورية تقلع من قاعدة الشعيرات الجوية، وكانت تتجه نحو منطقة يسيطر عليها الثوار في خان شيخون وتسقط قنبلة. وفي حين كانت المخابرات مقنعة، كانت الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي هي التي أدت إلى تغيير الميزان.

فقد علمت نائبة مستشار الأمن القومي آنذاك، دينا باول، من ابنة ترامب إيفانكا، أن الصور الفوتوغرافية والرسوم البيانية يمكنها أن تحرك مشاعر الرئيس في مسائل السياسة الخارجية. وعرضت باول على ترامب صوراً عن استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية، تحتوي على صور للأطفال المصابين في الهجوم، وسرعان ما عكس الرئيس مسار حملته المستمرة منذ سنوات ضد التدخل العسكري غير المبرر في الخارج.

وفي اليوم التالي، اختار ترامب من بين ثلاثة خيارات هجومية، كل منها كان يهدف إلى ردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية مرة أخرى، من دون أن يؤثر ذلك على قبضته على السلطة. كانت هناك مخاوف حقيقية من أن تنظيمي «داعش» و«القاعدة» أو الجماعات المتطرفة الأخرى، ستملأ الفراغ إذا رحل الأسد. وبعد أربع ساعات فقط، أطلقت مدمرتان بحريتان أميركيتان 59 صاروخاً من طراز «توماهوك» على قاعدة الشعيرات الجوية، ودمرت 20 طائرة سورية، وملاجئ طائرات ورادارات روسية الصنع، وأنظمة صواريخ أرض جو.

لكن الأسد لم يرتدع عن استخدام الأسلحة الكيماوية، وهي الذخائر المحرمة التي كان من المفترض إزالتها من سورية في صفقة عام 2013 بوساطة من الرئيس السابق باراك أوباما، لمنع المزيد من الهجمات.

ومنذ الهجمات الصاروخية التي أطلقها ترامب، زعمت مصادر أن الأسد أطلق العشرات من هجمات غاز الكلور. وحمل ماتيس روسيا المسؤولية، وتحدث أمام الصحافيين في 9 أبريل قائلاً: «أول شيء يتعين علينا النظر فيه هو لماذا لاتزال الأسلحة الكيماوية تستخدم، بينما روسيا هي الجهة الضامنة لإزالة جميع الأسلحة الكيماوية». ويمضي قائلاً: «نعمل مع حلفائنا وشركائنا من الناتو وأماكن أخرى لمعالجة هذه القضية».

توصيل الرسالة

إذا لم تكن ضربات العام الماضي كافية لردع الأسد، فمن غير المرجح أن يؤدي تكرار هذه العملية إلى توصيل الرسالة، حتى لو كان هناك المزيد من الحلفاء، كما يقول الباحث المرموق بمركز رفيق الحريري الشرق الأوسط، فريدريك هوف، الذي نصح أوباما حول سورية، وعمل في قضايا الشرق الأوسط في عهد الرئيسين السابقين رونالد ريغان وجورج دبليو بوش. ويقول هوف: «إذا توصل الأسد إلى استنتاج مفاده أنه سيتعرض لضربة واحدة فقط، فإن إدارة ترامب لن تحقق أي شيء». ويضيف: «الرسالة إلى الأسد والعالم بصراحة يجب أن تكون واضحة: هناك ثمن باهظ يجب دفعه إذا قمت بتطوير واستخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين». ويسترسل هوف قائلاً إنه من المرجح أن تكون أي عملية محفوفة بالمخاطر، لأن قوات الأسد متشابكة بشدة مع القوات الإيرانية والروسية في مختلف القواعد، حيث إن مطار «الضُمير» الذي يُعتقد أن هجمات دوما انطلقت منه - يقع على بعد نحو 25 ميلاً شمال دمشق - يعمل فيه مستشارون روس.

قد تتضمن قائمة أهداف الولايات المتحدة وحلفائها ليس فقط ما تبقى من عدد الطائرات السورية المتضائلة، ولكن أيضاً الطائرات الحربية الروسية في قاعدة حميميم الجوية في شمال غرب سورية، أو المرافق التي يتواجد فيها ضباط الحرس الثوري الإيراني، لكن القضاء على أي من هذه الأهداف لن يكسر قبضة الأسد على السلطة، حيث إن مجموعات الثوار التي يهيمن عليها الإسلاميون انهزمت الآن تقريباً، لكنها قد تخاطر بشكل كبير في حالة أي مشاركة أميركية. ويمكن لأي من إيران أو روسيا الرد على القوات البرية الأميركية أو الطائرات أو السفن الحربية في المنطقة.

ومع ذلك، هناك توافق في الآراء داخل الإدارة على أنه حتى في الصراع الذي أودى بحياة 400 ألف شخص، يجب معاقبة من يستخدمون الأسلحة المحرمة. وقد اعتبرت إدارة ترامب أن الأسد يخاطر بما يسمى «تأثير قطع الدومينو» في جميع أنحاء العالم.

تقول كبيرة مستشاري الاستخبارات في المعهد غير الحزبي لدراسة الحرب، جنيفر كافارلا، إن «الهجوم الأخير كان يهدف إلى تحطيم قدرة الأسد على شن هجمات بالأسلحة الكيماوية ومنعه من استخدام تلك الأسلحة». وتضيف: «أنجزت الإدارة من قبل الجزء الأول من المهمة، ولكن من الواضح أن ما فعلته الادارة لم يقنع الأسد بعدم استخدام الأسلحة الكيماوية، يجب أن نتوقع استجابة أكثر إقناعاً هذه المرة».

كما أن حديث ترامب عن نيته الابتعاد عن سورية من شأنه أن يحد من فاعلية العمل العسكري. ويقول الرئيس التنفيذي لمؤسسة الأبحاث الدفاعية للديمقراطيات المحافظة، مارك دوبويتز، كان بيان أسلوب الحملة «رسالة خطرة استوعبتها ثلاثة أنظمة تبحث عن أي علامة على ضعف أميركي وتراجع عن تصميمه، وقد تقنع هذه الأطراف على نحو متزايد بأن ترامب نمر من ورق، أو ربما يكون نمر (تويتر) لا أكثر».

دبليو جي هينيغان : صحافي يغطي قضايا البنتاغون والأمن القومي الأميركي

تويتر