بعد 8 سنوات من الثورة الشعبية

الديمقراطية في تونس حقيقـة أم وهم؟

صورة

يبدو أن خيبات الأمل من المرحلة الانتقالية إلى النظام الديمقراطي منتشرة في تونس، ويضيف الاقتصاد المتقلب درجة من الصعوبات على برامج السياسيين، كما أن التنمية الاقتصادية عملية طويلة وصعبة، بيد أن الاستراتيجية الحالية تبدو غير كافية. ويطالب التونسيون حكومتهم ببذل مزيد من الجهود لإخراج الاقتصاد من حالة الركود التي يعاني منها عن طريق زيادة الاستثمار العام، وإيجاد فرص عمل، والبدء بإقامة مشروعات البنية التحتية، وفي الوقت ذاته يلح صندوق النقد الدولي، والاتحاد الأوروبي، على الحكومة التونسية كي تسحب الدعم الحكومي للشعب، وتفرض مزيداً من الضرائب. ويتعين على تونس الموازنة بين الحاجة إلى تقديم الفرص الاقتصادية والخدمات الحكومية، وبين مطالبات صندوق النقد الدولي، ولا يكمن الحل في متابعة الإصلاحات الاقتصادية فحسب، بل في السياسات الاقتصادية أيضاً، التي تدعم اقتصاداً صحياً، وتعتبر زيادة الشفافية، والمحاسبة، والحكم الرشيد، قضايا ضرورية لتحسين الاقتصاد، وتأمين فرص العمل، وتطوير التقنيات.

يتعين على تونس أن تؤسس لصناعة منتجات

خاصة بها، كي تبيعها وتستفيد من عائداتها

وتشغل بها اليد العاملة التونسية.


لم يرق النمط القديم من التنمية لعدد كبير من

المواطنين، ومعظمهم من خريجي الجامعات، الذين

يجدون سوق العمل الحالية غير ملائمة

لمستوى خبراتهم.


إذا استمر دافع الضرائب في مشاهدة الظلم

وانعدام المساواة، ولم ير أي تحسن في الخدمات

الحكومية، فإن التظاهرات التي شوهدت في شهر

يناير في شوارع تونس يمكن أن تستمر.

الإصلاح السياسي

يرى التونسيون، وبهامش عريض، أن التضخم الحالي المرتفع، وزيادة معدل الفقر، وارتفاع معدل البطالة، هي أهم القضايا الضاغطة على حياتهم. ومن المتوقع أن تُجرى الانتخابات البلدية في بداية شهر مايو المقبل، بيد أن الكثير من التونسيين، خصوصاً الشباب، تساورهم الشكوك في أن الانخراط في الحياة السياسية يمكن أن يحدث تغييراً حقيقياً. وأشار استطلاع للرأي، أجراه المعهد الدولي العام التونسي، إلى أن 40% من التونسيين، ربما لن يصوتوا في الانتخابات البلدية المقبلة، وأفاد الاستطلاع ذاته بأن 50% من التونسيين يعتقدون أن المجالس المحلية ستعمل على تحسين الاقتصاد، إذا كانت لديها سلطة اتخاذ قرار كيفية إنفاق المال.

ويبدو أن نقل السلطة والتحكم بالموارد إلى الحكومات المحلية، كنوع من أنواع اللامركزية، يمكن أن يحسن التواصل بين المجتمع المدني والحكومة، ويمكن أن تزيد اللامركزية الثقة بالمسؤولين المنتخبين، وتكبح التطرف والفساد. ولابد من القول إن ضعف التواصل بين الحكومة والمجتمع المدني يعتبر دافعاً رئيساً للإحباط بين أفراد الشعب، في حين أن التواصل النشط يقوي المواطنين، ويدعم لديهم حس المشاركة النشطة في المجتمع.

ويمكن للامركزية أن تحل مشكلة أخرى تردع الشباب عن المشاركة، وهي الفساد. وعلى الرغم من أن السياسيين يرفعون الآن شعارات مكافحة الفساد، إلا أنهم لا يملكون برنامجاً محدداً لكيفية القيام بذلك. وكان رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، قد استخدم خطاباً قوياً ضد الفساد في عام 2017، لكنه لم يقم بأي تحرك فعلي ذي معنى، إذ اكتفى باستهداف بعض الحالات الفردية للفساد. وكان الاستطلاع السابق قد أشار إلى أن 78% من التونسيين يعتقدون أن معدل الفساد زاد بعد ثورة عام 2011، ليس على مستوى كبار المسؤولين فحسب، وإنما الصغار منهم أيضاً، واستناداً إلى هذه المعلومات يمكن للحكومة الاستفادة من خلال دعم التصميم السياسي على محاربة الفساد بأقوى صورة ممكنة.

وبالطبع فإن اللامركزية لن تقوي المشاركة، إلا إذا كان الممثلون المحليون للشعب متوافقين مع أجندات نظرائهم في الحكومة المركزية، ولتعزيز اللامركزية إلى أكبر مستوى ممكن يتعين على الحكومة البدء بحملات تستهدف مشاركة الشبان في المقام الأول.

الخطوات الاقتصادية

إضافة إلى الانتقال الفاشل من التنمية الزراعية إلى الصناعية، يرجع الوضع السيئ للاقتصاد التونسي اليوم إلى مجموعة من الآثار، خلال حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي من 1987 إلى 2011. ويبدو أن بن علي عمد إلى تأجيل إصلاحات مؤسسات الدولة والإصلاحات الاقتصادية الأخرى، لأنه كان يستفيد من البرامج القديمة، وكان الابتعاد عن الفساد والمحسوبية المستشرية في تونس، من شأنه دعم الإصلاحات الاقتصادية الأخرى، وفي الوقت ذاته يتعين على الحكومة معالجة قضايا عدة، مثل المعدلات المرتفعة للبطالة، وتضخم الأسعار، وفي الحقيقة فإن الاستراتيجية الحالية التي تستند إلى استخدام علاجات مؤقتة، مثل اقتراض الأموال لدفع رواتب الموظفين، وتقديم الخدمات الحكومية الأساسية، ليس هو الحل المستدام.

مراجعة نمط التنمية

ويتعين على تونس مراجعة النمط الحالي من التنمية الحالية، الذي لم يتم تعديله استناداً إلى التغيرات الاجتماعية منذ ثمانينات القرن الماضي، وهو يستند على العمالة رخيصة الأجر في معظم القطاعات، خصوصاً المنتجات المصنعة والسياحة. ولم يتم خلق وظائف تتطلب عمالة مدربة وماهرة بالتوازي مع ما تخرجه المؤسسات التعليمية من عمال مهرة، ولم يرق النمط القديم من التنمية لعدد كبير من المواطنين، ومعظمهم من خريجي الجامعات، الذين يجدون سوق العمل الحالية غير ملائمة بالنسبة لمستوى خبراتهم.

وبناءً عليه يتعين على الحكومة الترويج لإيجاد فرص عمل تستقطب العاطلين عن العمل. وتفرض الحكومة قوانين صارمة على الشركات المحلية، لتصبح منتجاتها أغلى من التي يتم جلبها من أوروبا، في حين أنها تتساهل مع الشركات الأجنبية بهدف جذبها، وهو الأمر الذي لم يتم. وفي حقيقة الأمر يتعين على تونس أن تؤسس لصناعة منتجات خاصة بها، كي تبيعها، وتستفيد من عائداتها، وتشغل بها اليد العاملة التونسية.

ومنذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2014 تناقص الناتج المحلي التونسي بنسبة 12%، حيث هبط من 47.6 مليار دولار، إلى المستوى الحالي وهو 41.6 مليار دولار، ووصل حجم الديون إلى 61% من الناتج المحلي في عام 2016، وتبدو تونس عالقة في حلقة مفرغة، لأنها تدفع ديونها من أموال تحصل عليها من الضرائب، ونظراً إلى زيادة الضرائب على الطبقة المتوسطة، نجم عن ذلك ضعف قدرتها الشرائية. وثمة بديل لدفع الديون يتمثل في خفض الإنفاق الحكومي، وتحرير السوق، ولابد من القول إن إصلاح السياسات المالية مسألة مُلحة جداً لتحقيق النمو الاقتصادي.

وإذا استمر دافع الضرائب في مشاهدة الظلم وانعدام المساواة، ولم ير أي تحسن في الخدمات الحكومية، فإن التظاهرات التي شوهدت في شهر يناير في شوارع تونس يمكن أن تستمر. ويجب اتخاذ خطوات عدة من أجل معالجة انعدام المساواة الاجتماعية أيضاً، وليس الاقتصادية فحسب. ويرى صندوق النقد الدولي أن فرض ضرائب أكبر على الأثرياء سيخفف من مستوى معدل انعدام المساواة، ولن تكون له آثار سلبية في النمو الاقتصادي. وعند وجود محاسبة أكثر للمسؤولين في هرم السلطة، يمكن لذلك أن يحسِّن الثقة في الاقتصاد العام أيضاً، والمعروف أن التلاعب بالمال العام في تونس مسألة شائعة.

العلاقات مع أوروبا والدائنين

تواجه الحكومة التونسية تحديات مضاعفة لدى محاولتها الموازنة بين مطالب صندوق النقد الدولي لتبني إجراءات تقشفية، والحاجة إلى تحسين الخدمات العامة، في الوقت الذي تنفذ فيه الحكومة إجراءات الانتقال إلى الديمقراطية، لكن هذه الظروف الصعبة لا تعفي الحكومة من إجراء مناقشة سياسية حول المصالحة الاقتصادية بطريقة أكثر وضوحاً ومساءلة. ويمكن أن تستفيد تونس من تنفيذ الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية المتكاملة، بما يتماشى مع روح التحول الديمقراطي.

ويمكن التقليل من أهمية دور العلاقات الثنائية التونسية الأوروبية في نجاح الاقتصاد التونسي، إذ يذهب 80% من الصادرات التونسية إلى أوروبا، ويشكل الأوروبيون أيضاً جزءاً كبيراً من السياحة إلى الشواطئ التونسية والمواقع التاريخية، التي يعتمد عليها الاقتصاد التونسي بشكل كبير. ومن شأن تحديث نموذج التنمية المصحوب بالإرادة السياسية للإصلاح والدعم العام أن يحسّن الوضع الاقتصادي والسياسي لتونس، وأن يسهم في استقرار البلد. والديمقراطية هي أكثر من مجرد إجراء انتخابات حرة تعكس اختيار الشعب، إذ تحتاج تونس إلى تبني ممارسات وقيم مبنية على الشفافية والمحاسبة والحكم الرشيد، لتحقيق انتقال ديمقراطي سليم.

 

تويتر