رغم الكُلفة الباهظة للحرب

الحلفاء يشعرون بعدم الرضا مما تحقق في أفغانستان

صورة

عندما يجلس رئيس الوزراء الأسترالي، مالكولم تورنبول، في البيت الأبيض في وقت لاحق من هذا الشهر مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإجراء مباحثات، فإن أفغانستان ستكون بالتأكيد جزءاً من ذلك الحوار. وأياً كان ما يختلف عليه أو يتفق بشأنه الأميركيون والأستراليون وغيرهم من الحلفاء بشأن هذا الصراع، فليس لديهم أسباب وجيهة للرضا عن التقدم الذي أحرزته الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار في ذلك البلد. ومع أفول شمس عام 2017 وظهور عام جديد، كانت الأخبار الواردة من أفغانستان بشأن الجهود التي يقودها حلف شمال الأطلسي (ناتو) لمواجهة حركة «طالبان»، وغيرها من الجماعات المسلحة، سيئة في معظمها.

استراتيجية جديدة

في أغسطس الماضي، أعلن ترامب عن استراتيجية جديدة في أفغانستان، تضمنت التزاماً بإرسال قوات إضافية. ولم يتم تحديد أرقام في ذلك الوقت، ولكن في حدود 4000 جندي، ما يرفع عديد القوات الأميركية المشاركة إلى 16 ألف جندي. هذا مع المقارنة بـ100 ألف جندي خلال إدارة باراك أوباما في عام 2009، الذي كان يهدف إلى التعامل بقوة ضاربة مع «طالبان»، ولكن لم يتحقق ذلك. وكما سبق ذكره فإن الحكومة الأفغانية ظلت تخسر سيطرتها على أراضٍ منذ أن نكصت الأميركية عن التزامها في عام 2011.

وذكر ترامب في خطابه بأغسطس عن الاستراتيجية الأميركية بأنه «من الآن فصاعداً، سيكون للانتصار تعريف واضح: مهاجمة أعدائنا، واجتثاث تنظيم (داعش)، وسحق (القاعدة)، ومنع (طالبان) من الاستيلاء على أفغانستان، ووقف الهجمات الإرهابية الجماعية ضد أميركا قبل ظهورها». وتمخض عن هذه العبارات العديد من الملاحظات من بينها ما ذكره المحلل بمجلس العلاقات الخارجية، ماكس بوت «خلصت إدارة ترامب إلى أنه يمكنها التعايش مع وضع وصفه الجنرالات الأميركيون بأنه طريق مسدود، لأن كُلفة النصر -التي تتضمن إرسال مئات الآلاف من القوات الإضافية- مرتفعة للحد الذي لا تستطيع فيه الولايات المتحدة دفعها بأي حال من الأحوال، بالنظر إلى أن (طالبان) لاتزال تتمتع بالدعم الخارجي، ليس فقط من باكستان ولكن أيضاً من إيران وروسيا، وباختصار، فإن الحرب التي بدأت منذ 16 عاماً ستستمر إلى أجل غير مسمى دون انتصار يلوح في الأفق، لأنه من وجهة نظر واشنطن لا يوجد ببساطة بديل مناسب».

ورداً على خطاب ترامب، بما في ذلك عدم رغبة الرئيس في وضع جدول زمني لإنهاء مشاركة الولايات المتحدة، يقول مالكولم تورنبول، إن «التزام التحالف تجاه أفغانستان.. سيكون طويل الأجل». وقد يعتبر ذلك قلة تقدير من جانب تورنبول عشية زيارته لواشنطن، حيث من المؤكد أن يتم مناقشة موضوع القدرات التدريبية للقوات الأسترالية في أفغانستان.


ربما يريد ترامب تصعيد الصراع، من خلال

منح القادة الأميركيين الميدانيين حرية القتال

بشكل أكثر شراسة، ولكن ليس من المتوقع

أن يتمخض ذلك عن مردود طيّب، نظراً إلى مستوى

العنف الذي يتجلى أصلاً في الميدان.


لايزال من الصعب الجزم ما إذا كان التقدم الذي أحرزته حركة «طالبان»،

سيؤدي إلى جهود دولية أكثر تضافراً لإشراكها في تسوية نهائية. ويصعب

رسم سيناريو لوضع حد للكابوس الأفغاني دون اعتبار لأي نوع من مشاركة «طالبان»

في إدارة البلاد مستقبلاً، على الرغم من أنه يبدو أمراً غير مستساغ.

وعكست الهجمات الإرهابية التي وقعت في كابول وغيرها من المدن، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص، وجرح العشرات في الأسابيع الأولى من عام 2018، عدم إحراز أي تقدم في تهيئة بيئة مستقرة في هذا البلد، الذي يعاني ويلات الحرب، وفقد الأفغان الثقة بقدرة قواتهم الأمنية، المدعومة من الولايات المتحدة، على التعامل مع المسلحين.

هذا التدني في انعدام الثقة بالإدارة الأفغانية، التي تدعمها أميركا وحلفاؤها، بما في ذلك أستراليا، له آثاره الخطيرة في مستقبل هذا البلد وإدارة ما يعرف الآن بأطول حرب أميركية في تاريخها الحديث. وقد كلف هذا الصراع الأفغاني دافعي الضرائب الأميركيين ما يناهز تريليون دولار -أو أكثر بكثير، وفقاً لبعض التقديرات- دون أي نهاية تلوح في الأفق لهذا الصراع، الذي لقي فيه أكثر من 2000 جندي أميركي حتفهم. كما أنفقت أستراليا ما يقدر بثمانية مليارات دولار على مشاركتها في الحملة العسكرية في أفغانستان، بما في ذلك المساعدة المدنية والعسكرية، وفقد 41 من جنودها حياتهم، وجرح 261 منهم.

40 كلمة فقط

وعلى الرغم من ذلك لم يتضمن خطاب ترامب عن حالة الاتحاد سوى 40 كلمة فقط عن الصراع الأفغاني، وذلك على النقيض من القضايا الأخرى المتعلقة بالسياسة الخارجية والأمنية، بما في ذلك حملة أميركا ضد «داعش». وهذا ما ذكره ترامب عن الحرب التي تجاوز أمدها أمد الحرب الفيتنامية بأكثر من نصف عقد من الزمن «قبل أشهر قليلة، أصبح لدى محاربينا في أفغانستان قواعد اشتباك جديدة. وإلى جانب شركائهم الأفغان البطوليين، فإن جيشنا لن يعوزه جدول زمني مصطنع، ولم تعد خططنا تتسرب لأعدائنا». هذا كل ما ذكره الرئيس عن الحرب في أفغانستان، وكأنما عقدت واشنطن العزم على عدم الحديث عن حرب لا تبدو في أفقها أي علامة على نهايتها، ويبدو من ناحية أخرى أن التقدم الذي أحرزته حركة «طالبان» يخلق ما يشبه لحظة انعطاف في مسار الحرب.

ولايزال من الصعب الجزم ما إذا كان هذا التقدم الذي أحرزته حركة «طالبان»، سيؤدي إلى جهود دولية أكثر تضافراً لإشراكها في تسوية نهائية، ويصعب رسم سيناريو لوضع حد للكابوس الأفغاني دون اعتبار لأي نوع من مشاركة طالبان في إدارة البلاد مستقبلاً، على الرغم من أنه يبدو أمراً غير مستساغ.

استراتيجية

رئيس مجموعة الأزمات الدولية المعين حديثاً، روبرت مالي، انتقد بشدة استراتيجية الولايات المتحدة في أفغانستان في مقالته المطولة، تحت عنوان «تقييم نقاط الاضطراب في عام 2018». وكتب عن ذلك قائلاً «تواجه الاستراتيجية عقبات خطيرة، في حين أن ضرب (طالبان) بقوة قد يحقق مكاسب تكتيكية، ولكن من غير المحتمل أن يغير ذلك مسار الحرب، أو أن تغير أي حوافز هذه الحركة المحلية القوية المتأصلة في الشعب، وأن خسائر ساحة المعركة في الماضي لم تؤثر في استعداد قادة (طالبان) بشأن التفاوض». ويمضي قائلاً «ومع زيادة وتيرة المعركة، يجب على إدارة ترامب إبقاء خطوط التواصل مع التمرد مفتوحة، مع استكشاف ملامح للتسوية مع جيران أفغانستان والقوى الإقليمية الأخرى، ولكن تظهر في الأفق خيوط ضئيلة حالياً، ويتعين على حلفاء الولايات المتحدة في أفغانستان الدفع بعناصر سياسية دبلوماسية في الاستراتيجية الأميركية، وكما يتراءى الآن فإن هذه الاستراتيجية تمهد السبيل لمزيد من العنف في الوقت الذي تغلق فيه أي سبيل لخفض التوتر وسيدفع المدنيون الأفغان ثمن ذلك».

وتفاقم الوضع أكثر جراء تنامي قدرات «داعش» وتنظيم «القاعدة» في هذا الصراع، وكل تلك الكيانات التي تسعى إلى إيجاد ساحات قتال بديلة عن العراق وسورية.

وتشتبه بعض الجهات في أن إيران وروسيا تقدمان نوعاً من الدعم لـ«طالبان» ما يزيد من المخاوف بشأن اتساع رقعة الصراع. وما يزيد الطين بلة انتقاد ترامب لباكستان -حيث اتهم إسلام آباد بعدم بذل المزيد من الجهود لمحاربة «طالبان»- ما يضاعف من هذه البيئة المحفوفة بالمخاطر.

«عملية تأخير»

ويبدو جلياً أن إدارة ترامب وحلفاءها ينفذون ما يطلق عليه بـ«عملية تأخير» على أمل أن تأكل هذه الحرب الطويلة نفسها بنفسها، إلا أن مثل هذه الاستراتيجية تندرج تحت فئة الأمل الضئيل، نظراً إلى تاريخ أفغانستان الطويل في مقاومة التدخل الأجنبي، الذي يعود تاريخه إلى جيوش الإسكندر الأكبر. ربما يريد ترامب تصعيد الصراع من خلال منح القادة الأميركيين الميدانيين حرية القتال بشكل أكثر شراسة، ولكن ليس من المتوقع أن يتمخض ذلك عن مردود طيّب، نظراً إلى مستوى العنف الذي يتجلى اصلاً في الميدان.

وفي ظل هذه الإدارة، أسقطت أميركا العام الماضي 4361 قنبلة على أهداف لـ«طالبان»، بما يزيد ثلاث مرات على عدد القنابل التي تم إسقاطها في العام السابق له.

ويبدو جلياً حساسية أميركا بشأن التقدم في الحرب من خلال تصريح المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان، الذي أكد أن الأوامر قد صدرت بعدم الإبلاغ عن البيانات الخاصة بالمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الأفغانية، أو تلك الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة. وتشير المعلومات التي نشرتها محطة «سي إن إن» الإخبارية والمستقاة من القوات الأميركية في أفغانستان، إلى أن 56٪ من المناطق كانت تحت سيطرة الحكومة أو نفوذها حتى أكتوبر. وهناك 30٪ أخرى متنازع عليها، مع طغيان نفوذ الجماعات المسلحة، بما في ذلك «طالبان». وتشير هذه الأرقام إلى حدوث انزلاق كبير في نفوذ الحكومة منذ عام 2015، عندما كانت تسيطر على نحو 72٪ من البلاد، بينما كانت تسيطر الجماعات المسلحة على 7٪.

استنزاف

إضافة إلى الأراضي التي آلت إلى سيطرة المسلحين، لقي أكثر من 7000 من أفراد قوات الأمن الأفغانية مصرعهم العام الماضي.، ويعتبر هذا معدل استنزاف خطيراً من شأنه أن يضعف الروح المعنوية للقوات الحكومية بأي حال من الأحوال. وفى تقييمه للشؤون الخارجية، أشار قائد القوات الأميركية السابق في أفغانستان، ستانلي ماك كريستال، إلى أنه من المحتمل أن يكون نفوذ «طالبان» على أعلى مستوياته، منذ أن فقدت هذه المجموعة السلطة في عام 2001.

تويتر