تمثلت في المراوغة إزاء الصراع الدائر بعفرين

سياسة أميركا في سورية تفقدها ثقة حلفائها وشركائها

صورة

أدت سياسة المراوغة الأميركية إزاء الصراع الدائر في مدينة عفرين السورية إلى إثارة أزمة في هذا البلد، وتخاطر الولايات المتحدة حالياً خلال محاولتها إيجاد سياسة متوازنة، في سورية، بين دعم شركائها المناهضين لتنظيم «داعش» في شرق سورية، وحليفها القديم تركيا.

وفي محاولات المراوغة بين «الاثنين»، دأب صانعو السياسة الأميركية إلى إرسال إشارات مختلطة إلى الطرفين، ونجم عن ذلك فقدان قوات سورية الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية ثقتها بالولايات المتحدة، وتشجيع أنقرة على إظهار إشارات معادية علناً ضد السياسة والمصالح الأميركية، وبينما تضعف السياسة الأميركية في المنطقة وتبدو متخبطة، يحصل النظام في دمشق والروس على ما يريدون بالضبط، وترى تركيا وسورية، وروسيا الصراع في عفرين باعتباره عملاً رمزياً، كما أنهم جميعاً يراقبون بحذر الخطوة التالية التي ستقوم بها واشنطن، في الوقت الذي اندلع فيه الهجوم التركي منذ 20 يناير، والآن بينما يبدو أن الصراع في عفرين يضعف قليلاً، يتعين على الولايات المتحدة تقديم الدعم لشركائها وحلفائها.

واستعدت تركيا للهجوم ضد قوات حماية الشعب الكردي في عفرين منذ شهور مضت في عام 2017، على الرغم من أن هذه المدينة الواقعة في شمال شرق سورية، كانت آمنة خلال الحرب الأهلية في سورية، إلا أن تركيا تقول إن قوات كردية شريكة للولايات المتحدة، تريد ربط عفرين بشرق سورية حيث مدينة منبج التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية التي تعتبرها تركيا مرتبطة مع حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا والدول الغربية إرهابياً.

وبينما كانت طوابير الدبابات التركية تتجمع قرب عفرين، كانت أنقرة تراقب بحذر تحركات أميركا، وفي 17 يناير أي قبل العملية بثلاثة أيام سلطت وسائل الإعلام التركية الضوء على تصريح أميركي يقول إن عفرين ليست تابعة لمنطقة عمل الائتلاف الدولي، وطار كل من رئيس الأركان هولوسي اكار، ورئيس الأمن الوطني، حقان فيدان، إلى موسكو في اليوم ذاته للقاء وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.

• بينما تضعف السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وتبدو متخبطة، يحصل النظام في دمشق والروس على ما يريدون بالضبط.

• استغلت موسكو أزمة عفرين للتقارب مع أنقرة حيث عززت التعاون التجاري معها، وعمدت إلى تسريع تسليم تركيا صواريخ إس 400، بعد أن رفضت أنقرة مخاوف حلف شمال الأطلسي من تزايد التعاون بينها وبين موسكو.

ونسقت تركيا عمليتها في عفرين مع موسكو بصورة وثيقة، لأنها أرادت تحييد الطيران السوري عن العملية، وطوال أيام العمليات القتالية بقيت الولايات المتحدة صامتة، على الرغم من أن وحدات حماية الشعب الكردي اتصلت بالأميركيين مراراً وتكراراً لطلب النجدة، وبعد مرور أربعة أيام على العملية اتصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأردوغان وحثه على «عدم التصعيد» وجعل العملية محدودة، وحذر من عمليات يمكن أن تؤدي إلى صراع بين القوات التركية والأميركية، ولكن اميركا حاولت أن تلعب دوراً دبلوماسياً، إذ تحدث مستشار الأمن القومي الأميركي، هيربرت ماكماستر (أقاله ترامب أول من أمس)، مع إبراهيم كالين المتحدث باسم أردوغان بعد يومين من اتصال ترامب، وأكدت تركيا أن مخاوفها بشأن أمنها القومي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.

ومنذ يناير تخلت واشنطن عن مسؤولياتها في عفرين، واحتلت تركيا عفرين وبقيت أميركا على صمتها، واستغلت دمشق هذا الوضع لتهاجم الغوطة الشرقية وتسيطر على معظم أراضيها، مستفيدة من التخبط الأميركي بشأن عفرين.

واستغلت موسكو أزمة عفرين للتقارب مع أنقرة حيث عززت التعاون التجاري معها، وعمدت روسيا إلى تسريع تسليم تركيا صواريخ اس 400، حيث رفضت أنقرة مخاوف حلف شمال الأطلسي من تزايد التعاون بينها وموسكو، وقال عضو برلماني تركي من حزب أردوغان، إن عملية عفرين تحظى بدعم حلف الناتو، بموجب حق تركيا في الدفاع عن نفسها، ولكن أردوغان كان يوجه انتقادات لاذعة لحلف الناتو.

وبقيت الأمم المتحدة صامتة نسبياً على عملية عفرين، ودعمت واشنطن رسمياً وقف إطلاق النار، ولكنها تذكر أنها لا تستطيع فرضه، ويشعر أكراد سورية الآن بأن واشنطن خذلتهم، وأطلقوا تغريدات عدة يقولون فيها إن الولايات المتحدة وروسيا تخلتا عنهم بعد سنوات من الحرب معاً ضد تنظيم «داعش».

وتخشى الولايات المتحدة تصدع علاقاتها مع قوات سورية الديمقراطية بشأن عفرين، وأرسلت هذه القوات دعماً لحماية عفرين، كما أوقفت واشنطن بعض عملياتها ضد تنظيم «داعش» في شرق سورية، وشددت واشنطن منذ يناير على أن عفرين ستشغلها عن الحرب ضد «داعش»، ولكن تركيا لم تأبه بكل ذلك.

ويبدو الآن أن واشنطن فقدت نفوذها لدى أنقرة لأن تركيا تعرف أنها غير جادة بشأن منع ما يجري في عفرين، وأسهمت عملية عفرين في تقارب الأكراد مع النظام السوري، إذ كانوا بحاجة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، لإرسال الدعم إلى عفرين، إضافة إلى مقاتلين مؤيدين للنظام ينضمون إلى المقاتلين الأكراد، وفي بداية شهر فبراير اشتبكت قوات مؤيدة للنظام السوري مع قوات سورية الديمقراطية، مدعومة من القوات الأميركية، بالقرب من دير الزور. وأشارت الصحف إلى مقتل متعاقدين روس عسكريين، وطالبت بالنظر إلى محاولة النظام الاستيلاء على حقول النفط قرب دير الزور، واختبار الولايات المتحدة في سياق ما يجري في عفرين، إذ يُعتقد أن الولايات المتحدة أصبحت في حالة ارتباك.

وتواجه الولايات المتحدة حالياً أزمة ثقة في سورية، إذ إن سياستها، التي كانت تسير على ما يرام في خريف عام 2017 في حرب «داعش» ومن ثم توقفت، أصبحت الآن في خطر، كما أن الخطط المتعلقة بزيادة الكادر الدبلوماسي وزيادة المساعدات، وإزالة القنابل غير المنفجرة، وتدريب قوات أمنية باتت الآن مبهمة.، ويرغب كل من تركيا، وروسيا، والنظام السوري، وإيران أن تغادر واشنطن سورية.

تويتر