الشعب الأميركي يعتقد أنهم عشرات الآلاف

2.4 مليون تعداد الضحايا العراقيين بعد 15 عاماً من الغزو الأميركي

صورة

صادف يوم 19 من الشهر الجاري مرور 15 عاماً على الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وليس لدى الشعب الأميركي فكرة عن ضخامة الكارثة التي أصابت العراق نتيجة الغزو. ورفض الجيش الأميركي الاحتفاظ بتعداد القتلى العراقيين، وقال الجنرال تومي فرانكس، المسؤول عن بداية الغزو، للصحافيين بفظاظة: «نحن لا نقوم بإحصاء القتلى».

وأشارت إحدى الإحصاءات إلى أن معظم الاميركيين يعتقدون أن قتلى العراقيين كانوا بعشرات الآلاف فقط، لكن التعداد الذي قمنا به استناداً إلى أفضل المعلومات المتوافرة، تظهر أن الغزو الأميركي أدى الى مقتل نحو 2.4 مليون شخص، منذ الغزو الأميركي عام 2003.

وفي حقيقة الأمر، فان تعداد القتلى العراقيين ليس محل خلاف تاريخي، لأن القتل مازال مستمراً حتى يومنا هذا. ومنذ سقوط العديد من المدن الرئيسة في العراق وسورية تحت سيطرة تنظيم «داعش» عام 2014، قادت الولايات المتحدة أقوى حملة قصف جوي منذ الحرب الفيتنامية الأميركية، حيث أسقطت 105 آلاف قنبلة وصاروخ على المدن العراقية والسورية، وحولت معظم مدينة الموصل، والمدن الأخرى العراقية و السورية، إلى ركام.

وأشارت تقديرات تقرير مخابراتي سري صادر عن جهة كردية إلى أنه وقع نحو 40 ألف ضحية مدنية خلال قصف الموصل وحدها، في حين أن هناك الكثير من الجثث لاتزال مدفونة تحت الركام. وثمة مشروع حديث يهدف إلى إزالة الركام، واكتشاف الجثث في حي واحد فقط أدى إلى إيجاد نحو 3353 جثة، تم تحديد 20% منها باعتبارهم مقاتلين يتبعون «داعش»، في حين أن 80% منهم كانوا مدنيين. وهناك 11 ألف شخص في الموصل لايزالون يعتبرون في عداد المفقودين، وفقاً لعائلاتهم.

ومن ضمن الدول التي كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يشنون فيها الحرب منذ سنوات طويلة، كان العراق هو الوحيد الذي أجرى فيه علماء الأوبئة دراسات شاملة حول الوفيات، استندت الى أفضل الخبرات التي طورتها في مناطق الحروب، مثل انغولا، والبوسنة والهرسك، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وغواتيمالا، ورواندا، والسودان، وأوغندا. وفي جميع هذه الدول، كما هي الحال في العراق، كانت نتائج الدراسات الوبائية الشاملة قد كشفت أن عدد القتلى الحقيقي يراوح ما بين 5 و20 ضعفاً لعدد الوفيات، الذي تم نشره سابقاً استناداً إلى تقارير صحافية أو منظمات غير حكومية أو حكومات.

وظهر اثنان من تلك القرارات في مجلة لانسيت الطبية، أول مرة، عام 2004، ومن ثم في عام 2006. وقدرت دراسة 2006 بأن عدد القتلى العراقيين بلغ 600 ألف ضحية في اول 40 شهراً من زمن الحرب والاحتلال الأميركي للعراق، إضافة إلى 54 ألفاً قتلوا بطرق غير عنيفة، لكنها متعلقة بالحرب ذاتها.

ورفضت حكومتا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة التقرير، بذريعة أن طريقة إحصاء هذه الضحايا لم تكن تتسم بالصدقية، وان ذلك الرقم ينطوي على مبالغة كبيرة. ولكن في دول أخرى، حيث لم تكن القوات العسكرية الغربية متورطة، تم قبول مثل هذه الدراسات وبات يعتد بها على نطاق واسع دون المجادلة في صدقيتها. وبناء على نصيحة من مستشاريها العلميين، اعترف مسؤولو الحكومة البريطانية بان تقرير مجلة لانسيت لعام 2006 «ربما كان صحيحاً»، ولكن بالنظر إلى المضامين السياسية والقانونية، بدأت الحكومتان البريطانية والأميركية حملة تهميش للتقليل من شأن التقرير.

دراسة أكثر صدقية

وكشف تقرير صدر عام 2015 من قبل منظمة «أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية الأميركية»، ويحمل عنوان «إحصاء الجثث: تعداد الإصابات بعد 10 سنوات من الحرب على الإرهاب» عن أن دراسة مجلة لانسيت في عام 2006 كانت أكثر صدقية من دراسات الوفيات الأخرى التي أجريت في العراق، وأورد التقرير قوة الدراسة ودقتها، وخبرة ونزاهة فريق البحث، والوقت القصير الذي انقضى على زمن الوفيات عند توثيقها، وانسجامها مع حالات العنف الأخرى في العراق «المحتل».

وجرى تنفيذ تقرير لانسيت قبل 11 عاماً، وبعد 40 أسبوعاً من الحرب والاحتلال. ولكن لسوء الطالع فإن ذلك الوقت لم يكن قريباً أبداً من نهاية نتائج الغزو الأميركي الفتاك على العراق. في عام 2007 أجرت شركة بريطانية لاستطلاعات للرأي تدعى «أعمال أبحاث الرأي» دراسة أخرى قدرت عدد القتلى العراقيين بمليون و33000 ألفاً حتى حينه.

وعلى الرغم من أن رقم مليون ضحية قتلوا كان صادماً، إلا أن دراسة لانسيت كانت قد وثقت زيادة ثابتة في أعمال العنف في العراق المحتل، في الفترة ما بين 2003 و2006، حيث سقط نحو 328 الف ضحية في العام الأخير من الدراسة. ويوضح تقرير الشركة البريطانية مقتل نحو 430 ألف عراقي في العام التالي لنهاية دراسة لانسيت، إلا أنه كان منسجماً مع الأدلة الأخرى التي أشارت إلى تصعيد العنف خلال نهاية عام 2006 وبداية 2007.

وكان التقرير الذي نشرته صحيفة فورين بوليسي بعنوان «تقدير وفيات العراق» قد عمل على تحديث تقديرات دراسة لانسيت، وتوقفت عند سبتمبر 2011، حيث بلغ تعداد الوفيات في هذا التاريخ 1.45 مليون، وفق الصحيفة.

أرقام مخيفة

وفي الحقيقة فإن هذه الأرقام تبدو مخيفة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنها وصلت إلى الملايين. ولابد أن نأخذ بعين الاعتبار أن كل حالة وفاة تمثل شخصاً محبوباً من قبل عائلته، فهؤلاء القتلى هم أمهات، وآباء، وأزواج، وزوجات وأبناء وبنات.

وفيما يبدأ العام السادس عشر من حرب العراق، ينبغي على الشعب الأميركي الاعتراف بأننا نشرنا هذا المستوى المرفوض من العنف والفوضى في العراق.

ميديا بنيامين : ناشطة وكاتبة أميركية

تويتر