إقالة «موظف حكومي رفيع» باتت جزءاً من النمط السائد في إدارته

أميركا على حافة أزمة دستورية بسبب تصرّفات ترامب

صورة

قبل أيام، طالب رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بإقالة نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، وهو موظف حكومي رفيع، بعد أن تسبب له الأخير في الأذى علناً وخلف الكواليس. ولايزال الجمهور الأميركي لا يعرف تفصيلاً حجم الخطأ الذي ارتكبه أندرو مكابي، الذي تم فصله في وقت متأخر من ليلة الجمعة. لكن يمكن للمواطنين الأميركيين أن يروا بالضبط ما فعله ترامب بمكابي. أفعال الرئيس تقضي على الاستقلالية التي تحتاجها الديمقراطية الدستورية السليمة، في جهاز إنفاذ القانون وأجهزة الاستخبارات.

إقالة مكابي هي جزء من النمط السائد حالياً في إدارة البيت الأبيض. وتأتي هذه الإقالة لموظف رفيع في مكتب التحقيقات، وسط تهديدات ترامب المتكررة بإقالة كلٍّ من وزير العدل ونائبه، والمستشار الخاص الذي يحقق معه ومع شركائه.

تنحية مكابي تأتي، أيضاً، على خلفية سياسية فوضوية، تتضمن دعوات ترامب المتكررة للتحقيق مع خصومه السياسيين، ومطالبته بالولاء من كبار المسؤولين عن إنفاذ القانون، والقول إن مهمة هؤلاء المسؤولين هي حمايته من التحقيق.

يُظهر بحث سريع على موقع «غوغل» أن الاهتمام العام بالأزمات الدستورية قد ارتفع بشكل كبير في الفترة التي تلت انتخاب ترامب، ويزداد أكثر خلال اللحظات المشحونة بشكل خاص، بما في ذلك، قرار حظر السفر في البداية، وإقالة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي، جيمس كومي، ومرات عدة ظهر فيها ترامب على وشك طرد المستشار الخاص روبرت مولر. والآن، مع تنحية مكابي، ظهر شبح الأزمة الدستورية مجدداً.

يتم تداول مصطلح «أزمة دستورية» كثيراً، لكنه في الواقع ليس له معنى ثابت. إنه ليس مصطلحاً قانونياً، على الرغم من أن المحامين وأساتذة القانون، بالإضافة إلى علماء السياسة والصحافيين، يستخدمونه أحياناً كما لو كان كذلك. إن القول بأن هناك أزمة دستورية، هو قول شبيه بأن أحدهم يمر بـ«انهيار عصبي».

في أعقاب مساءلة الرئيس بيل كلينتون، وفساد انتخابات 2000، أشار العالم السياسي كيث ويتنغتون إلى الطريقة التي سارع بها المعلقون إلى إلاعلان بأن البلاد على حافة أزمة دستورية، على الرغم من أن «الجمهورية قد نجت من هذه الأحداث سالمة نسبياً».

اختلاف المفاهيم

• يقول علماء الدساتير إن الحالات التي يفشل فيها الدستور في تقييد النزاعات السياسية ضمن إطار الحياة الطبيعية، تدخل في طور الأزمة الدستورية.

• هناك مصطلح أفضل لما يحدث في أميركا، في هذه اللحظة، إنه «تعفّن دستوري»، وفقاً للباحث الدستوري، جون فين، وذلك عندما يتآكل تدريجياً الإيمان بالتعهدات الأساسية للدستور.

يقول علماء الدساتير إن الحالات التي يفشل فيها الدستور في تقييد النزاعات السياسية ضمن إطار الحياة الطبيعية، تدخل في طور الأزمة الدستورية. وفي هذه الحالات، يجادل كل طرف من الأطراف المعنية، بأنهم يتصرفون على أساس دستوري، في حين أن خصمهم ليس كذلك.

هناك مشكلة أخرى خلال التفكير في المشكلات الحالية لأميركا باعتبارها أزمة دستورية تتضمن السؤال عما سيحدث بعد ذلك. ولنفترض للحظة أننا في أزمة دستورية من نوع ما، وماذا في ذلك؟ ما الذي يترتب بالضبط عن هذا الاستنتاج؟ عادة، تنطوي الاستنتاجات الدستورية على نتائج محددة. عندما تتم مساءلة رئيس ما، على سبيل المثال، يجب على مجلس الشيوخ إجراء محاكمة لتحديد ما إذا كان يجب عزله من منصبه.

لاتزال هناك مشكلة أخرى في مصطلح «الأزمة الدستورية»، وهي أن مدة الأزمة ليست واضحة. هل تحدث أزمة دستورية على مدى أيام أو أسابيع أو أكثر؟ هل يجب أن تهدد في المدى الفوري بتفجير الوضع، إذا لم يتم حلها من خلال بعض الإجراءات الأخرى؟ وقد تكون أزمة الصواريخ الكوبية نموذجاً بالنظر الى ما أوجدته من واقع دستوري محلي. وهذا يطرح علينا تساؤلاً مفاده ما إذا كان بالامكان حدوث أزمة دستورية بالإيقاع البطيء.

عفونة دستورية

هناك مصطلح أفضل لما يحدث في أميركا، في هذه اللحظة، إنه «تعفن دستوري». نعم، هذا ما يحدث حالياً، وفقاً للباحث الدستوري، جون فين، وذلك عندما يتآكل تدريجياً الإيمان بالتعهدات الأساسية للدستور، وحتى عندما تبقى الهياكل القانونية في مكانها. التعفن الدستوري هو ما يحدث عندما يلتزم صنّاع القرار بالنص الفارغ للدستور دون الإخلاص لمبادئه الأساسية. إنه أيضاً ما يحدث عندما يقع كل هذا ولا يدرك الجمهور ما الذي يجري، أو لا يهتمون.

وقد استخدم خبراء العبارة نفسها، وكان ذلك بعد إقالة جيمس كومي مباشرة، ووصفوا ما حدث بأنه تدهور للمعايير الدستورية، التي قد تستمر فترة طويلة من الزمن. وكانت إقالة كومي مفاجئة، لكنها ليست أزمة دستورية بحد ذاتها. إن التغيير الدستوري الحقيقي يكمن في بطء الثقة العامة بالحكومة التي أوصلت الأميركيين إلى هذه النتيجة.

هناك عناصر «تعفن» واضحة في وضعنا الحالي. والأدلة في كل مكان، فالانتهاكات المستمرة لمعاييرنا وتوقعاتنا الديمقراطية، أصبحت روتينية. وقد تكثفت المطالب العلنية لتسييس مؤسسات إنفاذ القانون. وتنشر وسائل الإعلام المسيسة للغاية الدعاية الرئاسية، اضافة الى أن الكونغرس يتسامح مع كل ذلك، وهذا يتفق مع التعفن الدستوري.

الحل في الأساس، هو أنه يتعين علينا اختيار قادة مختلفين وأفضل في المستقبل قبل فوات الأوان. وهناك من يرى إمكانية محاربة التعفن من خلال تطوير مواطَنة نشطة، تهتم بالقيم الدستورية وتحافظ عليها، وحتى في خضم التدهور الدستوري في هذه الأثناء، فإن هاتين الآليتين المتجددتين لديهما أدلة كثيرة. وعلى أساس يومي، تبدو ملامح ثقافتنا الديمقراطية أشبه بمضادات حيوية تكافح مرضاً يهاجمنا بشكل مباغت.

تويتر