بعد 15 عاماً من الغزو الأميركي

لايزال العراقيون منقسمين بشأن قضايا ملحة

صورة

يتجادل العراقيون حول قضية لم تكن مهمة لديهم إلى حد كبير خلال سنوات القتال، لكنها تخيم الآن بصورة طاغية على أجواء الانتخابات البرلمانية المقرر تنظيمها في 12 مايو: هل يمكن لبلدهم أن يصبح دولة ديمقراطية حقيقية، وتتوحد شعوبه الشيعية والسنية والكردية نسبياً؟ وهل يمكن أن يتحقق ذلك من دون غطاء أمان من الجيش الأميركي؟


لا مستقبل هنا

الكثير من العراقيين الأصغر سناً لا يتذكرون الحياة في ظل الرئيس السابق صدام حسين، إذ إن 40٪ من سكان العراق البالغ عددهم 37 مليوناً، لم يكن قد ولد عندما غزت الولايات المتحدة البلاد عام 2003، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة. ولا يرى الشباب العراقيون أنفسهم بالضرورة أنهم تحرروا، بل يريدون ببساطة حكومة جيدة ومستقبلاً محترماً.

- يقول مصطفى جاسم، البالغ من العمر 25 عاماً، وهو مدرس فنون جميلة مؤهل، يعمل بائعاً للعصير في سوق بوسط مدينة بغداد: «أريد الخروج من العراق؛ لأنني لا أرى مستقبلاً جيداً هنا».


يقول المسؤولون العسكريون العراقيون إنهم مازالوا يعتمدون بشكل كبير على

الدعم الأميركي، ويخشون ظهور تهديد المتطرفين مرة أخرى إذا ما غادرت

الولايات المتحدة البلاد، فيما يقول العبادي: «نحن لا نريد مهمة نصف منجزة».


- ربما يكون مستقبل العراق مشرقاً على الورق على الأقل، حيث يبلغ إجمالي

احتياطي النفط العملاق نحو 148 مليار برميل، وهو خامس أكبر احتياطي على وجه

الأرض، ويحتوي على كمية كبيرة من الغاز غير المستغل.

إذا نجحت الديمقراطية فقد يصبح العراق «منارة للحرية» التي وعد بها المسؤولون الأميركيون ذات مرة قبل 15 عاماً، في معرض مبرراتهم للحرب التي يعتبرها كثيرون الآن قراراً كارثياً. يقول قائد قيادة التحالف ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، الجنرال بول فانك: «لقد ضحينا بقدر كبير من الدماء والثروة من أجل مستقبل العراق». ويعتقد فانك أنه في ظل الظروف المثالية يمكن للعراق أن يعمل حاجزاً متعدد الأعراق ضد خصوم المنطقة الأقوياء، ويمضي قائلاً: «أرى في العراق مستقبل الشرق الأوسط».

ولكن إذا فشل العراق وانزلق للمرة الثانية في أتون الصراع، فقد يصبح البلد مرة أخرى حاضناً للحروب التي تدور في المنطقة بالوكالة، ما قد يؤدي إلى تورط الولايات المتحدة في حرب طويلة أخرى. وبدأ من تبقى من تنظيم «داعش» بالفعل في شن هجمات، ويعتقد القادة العراقيون أن التنظيم يحاول إعادة تجميع صفوفه.

إيجاد وظائف

ويقول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إنه يرى أن إيجاد الوظائف أمر ملح، وهو أحد الطرق الفعالة لتوظيف أعداد كبيرة من العراقيين لعلاج أضرار الحرب. في فبراير اجتمع ممثلون من عشرات الدول ومئات الشركات في الكويت لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار العراق بعد سنوات من القتال المتواصل، والذي دمر أجزاء كبيرة من الموصل وعطل البنية التحتية في أماكن أخرى. يقول سفير الولايات المتحدة للعراق، دوجلاس ايه سيليمان، متحدثاً من المنطقة الخضراء: «لا يركز العبادي فقط على الجهات المانحة الغنية، ولكن على إعادة تشكيل الاقتصاد». ويمضي قائلاً: «إنه يحاول إعطاء الناس الأمل بأن الغد أفضل من الأمس».

لدى العبادي الآن مهمة أكثر تعقيداً: إدارة بلده الممزق، مع ضمان عدم تمكين «داعش» من تنظيم صفوفه مجدداً. ويقع عليه أيضاً عبء إدارة التنافس بين الشيعة والسنة والأكراد، والانقسامات داخل هذه الجماعات، فضلاً عن مصالح التحالف ضد تنظيم «داعش»، والذي يضم الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وإيران والأردن. وتقول الزميلة بمركز تشاتام هاوس بالمملكة المتحدة، ريناد منصور: «يحاول العبادي التوفيق بين العديد من الحلفاء المختلفين». وتمضي قائلة: «إنه إزاء مهمة صعبة».

تعلم الدروس

بعد ما يقرب من أربع سنوات في الحكم، يزعم العبادي أنه تعلم بعض الدروس الصعبة من كارثة «داعش»، ويعتقد أن مفتاح وقف تهديد وجودي آخر هو غرس الشعور الوطني لدى جميع العراقيين، وربطهم بالحكومة المركزية على الأقل، وبقدر الإمكان بقادتهم العشائريين والدينيين. ويقول «يجب أن يشعر الناس بأنهم جزء من هذا البلد، وأنهم مواطنون في هذا البلد».

هناك أيضاً مسألة القوات الأميركية التي لم يتم حلها، والتي قدمت دعماً قيماً أدى لهزيمة «داعش» في العراق. ويوجد حالياً نحو 5200 من أفراد الجيش الأميركي في البلاد، وفقاً لما ذكره المتحدث العسكري الأميركي في بغداد، العقيد ريان ديلون، نزولاً من 170 ألفاً عام 2007.

وينقسم العراقيون حول هذا الموضوع؛ يقول المسؤولون العسكريون إنهم مازالوا يعتمدون بشكل كبير على الدعم الأميركي، ويخشون ظهور تهديد المتطرفين مرة أخرى إذا ما غادرت الولايات المتحدة البلاد. ويقول العبادي: «نحن لا نريد مهمة نصف منجزة»، في حين لا يطيق آخرون وجود الولايات المتحدة هنا. ويقول عضو البرلمان العراقي ورئيس لجنة الدفاع، موفق الربيعي: «ليس لهم دور في القتال وليس لبقائهم أي معنى». ويمضي قائلاً: «معظم العراقيين يريدون منهم أن يغادروا، مع الشكر الجزيل لهم».

مشرق على الورق

ربما يكون مستقبل العراق مشرقاً على الورق على الأقل، حيث يبلغ إجمالي احتياطي النفط العملاق نحو 148 مليار برميل، وهو خامس أكبر احتياطي على وجه الأرض، ويحتوي على كمية كبيرة من الغاز غير المستغل. هناك أيضاً أرض خصبة وفيرة للزراعة، مع اثنين من الأنهار الطويلة التي تجري عبر مئات الأميال. هناك لمحات في كل مكان من هذا المستقبل المحتمل في بغداد، هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة.

ومع ذلك، لايزال العراق متأثراً بجراح عميقة بسبب الحرب، ومن المحتمل أن تنفتح هذه الجروح مرة أخرى إذا تُركت البلاد نهباً للاستياء وخيبة الأمل. يتضح ذلك عندما تقطع بسيارتك 35 ميلاً إلى الغرب من بغداد إلى المكان الذي شهد سنوات من الصراع العنيف: الفلوجة. هناك عدد قليل من الأماكن في العراق التي تأثرت كثيراً بسبب المعارك على مدى السنوات الـ15 الماضية مثل الفلوجة، وكانت مشهداً لأشرس حلقات القتال خلال الاحتلال الأميركي، ثم تحت حكم «داعش» بعد عقد من الزمان.

بالنسبة للأميركيين، مازالت هذه المدينة، التي كانت موطنًا لـ320 ألف شخص قبل «داعش»، تثير القشعريرة. في عام 2004 تعرض أربعة أميركيين يعملون لحساب شركة بلاك ووتر للمقاولات الدفاعية لكمين أدى لمصرعهم، وسحب المواطنون جثثهم المشوهة عبر شوارع الفلوجة وهم يهتفون، ثم شنقوا اثنين على الجسر الحديدي الذي يمتد على نهر الفرات. أدت عمليات القتل إلى ثأر دموي من قبل القوات الأميركية، بما في ذلك قضاؤها على متظاهرين غير مسلحين، وتسبب ذلك في دخول تنظيم «القاعدة» في العراق إلى البلاد، والذي انتشر أفراده بين الأزقة الضيقة في الفلوجة.

بعد مرور 15 عاماً، لاتزال هناك مرارة عميقة يشعر بها الكثير من أهل الفلوجة حيال الجيش الأميركي. يقول نائب رئيس مجلس مدينة الفلوجة حامد الأرسان وهو جالس في مكتبه الذي يطل على الجسر المذكور: «دخلت الولايات المتحدة العراق وتقول إنها حررتنا، لكنها قامت بتعطيل الخدمات دون وضع خطة مستقبلية».

تويتر