جعلت من حريتهم موضوعاً للمقايضة

احتجاز الرهائن يصبح سياسة تركيا الخارجية الجديدة

صورة

أصبحت سياسة تركيا، المتمثلة بأخذ الرهائن، إحدى أكثر المشكلات الضاغطة في العلاقات بين أنقرة وحلفائها من الدول الغربية، وهو أمر يدرك الجميع أنه قائم، ولكن القادة السياسيين والدبلوماسيين يحجمون عن الإفصاح عنه علانية.

أثار الإفراج عن الصحافي الألماني من أصل تركي، دينيز

يوجيل، جدلاً داخل ألمانيا، حول التنازل الذي قدمته

حكومة برلين كي تجعل تركيا تطلق سراحه.

وكانت آخر حالة احتجاز تتعلق بالصحافي الألماني من أصل تركي، دينيز يوجيل، الذي تم اعتقاله في تركيا في فبراير 2017 بتهمة الدعاية لمنظمة إرهابية. ويوجيل مراسل لصحيفة «دي فيلت» الألمانية، وهو معروف بكتاباته عن القمع في تركيا، حيث كتب مقالات تستند إلى البريد الإلكتروني المخترق لصهر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وهو بيرات البايراك.

ولم يكن اعتقاله للمرة الأولى متعلقاً بهذه المقالات، ولكن بعد احتجازه، حوّل المحققون تركيزهم نحو تغطيته لحزب العمال الكردستاني، خصوصاً المقابلة التي أجراها مع زعيم الحزب، جميل بايك. وبعد مرور عام على سجنه دون تهمة في تركيا، تم الإفراج عنه بكفالة في 16 فبراير الماضي، وغادر البلاد في الحال، وعندما وصل إلى بر الأمان خارج تركيا، نشر مقطع فيديو لنفسه وهو يحمل نسخة من أمر المحكمة الذي حصل عليه عند خروجه من السجن. وقال إن المحكمة أمرت بأن تطول مدة احتجازه وليس الإفراج عنه، وكما كان اعتقاله، جاء الإفراج عنه بقرار سياسي من قبل الحكومة التركية.

وأثار الإفراج عن يوجيل جدلاً داخل ألمانيا، حول التنازل الذي قدمته حكومة برلين كي تجعل تركيا تطلق سراحه. وكان يوجيل قد تحدث من السجن بأنه لا يريد إطلاق سراحه عبر صفقة قذرة. وسواء كانت ألمانيا قد أذعنت لطلب تركيا باستئناف بيع صفقات السلاح لها أم لا، فإن الجدل كان يفيد بأن ألمانيا أجبرت على قبول مطالب حليفتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وأصبحت سياسة احتجاز الرهائن سائدة في علاقة تركيا مع الغرب، فعندما تم اعتقال الزعيم الكردي صالح مسلم في براغ، الأسبوع الماضي، سادت التكهنات بأن تركيا تطالب بتسليمه إليها مقابل الإفراج عن اثنين من التشيكيين المحتجزين لديها، ولكن محكمة تشيكية أفرجت عن مسلم، ما جعل نائب رئيس الحكومة التركية، بكر بوزداغ، ينتقد خطوة المحكمة، وقال «إنه قرار يصب في دعم الإرهاب».

وأصبح مصير العديد من الأميركيين المحتجزين في تركيا موضوع مطالب فجة من الحكومة التركية. وأشهر هؤلاء المعتقلين هو أندرو برنسون، وهو قس مسيحي، عاش في تركيا نحو عقدين من الزمن، وتم اعتقاله في أكتوبر 2016 بتهمة ضبابية، تفيد بأن له علاقة بانقلاب يوليو 2016. وبقي في السجن لمدة عام، ويبدو أن أردوغان قد جعل من برنسون موضوعاً للمتاجرة، حيث قال في سبتمبر الماضي إن الولايات المتحدة «يجب أن تبادل رجل دين برجل دين آخر»، مشيراً إلى عدوه اللدود، فتح الله غولن، الذي يعيش في ولاية بنسلفانيا. وبرنسون ليس الأميركي الوحيد في السجون التركية، ففي الشهر الماضي واجه سيركان غوليج، وهو أحد علماء «ناسا»، ويحمل الجنسيتين الأميركية والتركية، تهمة علاقته بالانقلاب في تركيا، وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات.

وهذا ليس وضعاً مقبولاً للعلاقات بين الحلفاء، ولا ينبغي لأحد من مواطني الدول الحلفاء أن يفكر بأن تركيا ستجعل من حريتهم موضوعاً للمقايضة. وثمة قانون أمام «الكونغرس» الأميركي حالياً، يهدف إلى معاقبة تركيا بسبب هذا السلوك. وقدمت السيناتورة الديمقراطية، جين شاهين، والجمهوري جيمس لانكفورد، مشروع القرار، الذي يقضي بفرض عقوبات على المسؤولين الأتراك، الذين يعتقلون مواطنين أميركيين بصورة غير قانونية لفترات طويلة.

وكتب لانكفورد في صحيفة «وول ستريت جورنال»، قبل أسبوعين، أن هذا القانون يجب أن يقترن مع قانون «غلوبال ماغنتسكي» لفرض عقوبات على كل مسؤول تركي يقوم بأعمال فساد أو انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان، وصدر هذا القانون الأخير في عام 2016، واستخدم للمرة الأولى في عام 2017، وهو يمنح الرئيس الأميركي سلطة فرض عقوبات على الأشخاص والكيانات المسؤولة عن انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان في أي مكان في العالم، حيث يتم منعهم من دخول الولايات المتحدة، وتجميد أرصدتهم، وحرمانهم بصورة فعالة من النظام المصرفي العالمي.

وهناك الكثير من الغضب الآن على العقوبات ضد تركيا، وعما إذا كانت ستنطوي على أضرار أم منافع، وهناك الكثير من الجدل الذي يفترض بأن الولايات المتحدة وحلفاءها هم المسؤولون عن تفاقم الأمور، في الوقت الذي كانت تركيا هي التي دفعت حلفاءها إلى نقطة الانهيار.

وينبغي على «الكونغرس» الأميركي، وإدارة الرئيس دونالد ترامب، أن يظهروا لأنقرة أنه على الرغم من أن علاقة تركيا والولايات المتحدة أصبحت تقوم على أساس المقايضة، إلا أن ثمة مجالات معينة لن تكون خاضعة للمقايضة، ولن تساوم الولايات المتحدة على حقوق المواطنين الأميركيين، أو على حكم القانون في الولايات المتحدة، حتى في القضايا المهمة، مثل قضية رجل الأعمال التركي المحبوس في الولايات المتحدة، رضا زراب، أو حتى تسليم رجل الدين التركي، فتح الله غولن. ويجب على واشنطن أن تضع دائماً قضايا مكافحة الفساد وحكم القانون مباشرة في مركز العلاقات الثنائية مع تركيا، وإن كانت في نهاية المطاف لاتزال حالياً أحد الحلفاء.

تويتر