أفسد ديمقراطية الدولة العبرية التي لا تنقصها العيوب

انعدام خجل نتنياهو يسهم بنشر الفساد في إسرائيل

صورة

قبل بضعة أسابيع في تل أبيب احتشدت تظاهرة كبيرة في شارع روتشيلد بوليفارد احتجاجاً على بطء وتيرة تحقيقات الفساد التي تقوم بها الشرطة في قضية بنيامين نتنياهو، والتي اختتمتها الشرطة قبل بضعة أيام بتوصية مفادها توجيه تهمة الرشوة وانتهاك الثقة لرئيس الحكومة. وتبعها بعد ذلك موافقة أحد أقرب مساعديه الذي عمل معه طوال ما يزيد على 20 عاماً ويدعى شلومو فيلبر؛ على التعاون مع المحققين في إحدى قضايا الفساد التي تهدده.

وعلى شرفة شقة في الشارع الذي جرت فيه مسيرة تل أبيب، قام رجل بعرض صور نتنياهو في لقطات من حقبة سابقة، إلى جانب رئيس الوزراء في حينه إيهود أولمرت، مشيراً إلى أن هذا الأخير لم يتمكن من البقاء في منصبه بعد أن وجهت اليه تهمة التصرف على نحو سيئ، وهي التهمة المشابهة لتهمة نتنياهو بالنفاق، حتى بعد مؤتمره الصحافي، الذي أصر فيه على أنه سيبقى في منصبه.

وسواء كان حكم المحكمة على نتنياهو بأنه مذنب أم لا، فإن أقوى روائح الفساد لا تنبعث من قيام رئيس الحكومة بالاستفادة من أشياء كثيرة، مثل محاولته التأثير على وسائل الإعلام وحصول عائلته على هدايا كثيرة لم ينكرها أصلاً من الأثرياء في إسرائيل، وإنما الرائحة الحقيقية تأتي من الطريقة التي أفسد بها الديمقراطية التي لا تنقصها العيوب أصلاً في إسرائيل من خلال سياساته الخادعة.

• الضرر الحقيقي الذي سببه نتنياهو لم يكن من خلال الانطباع الواسع بالفساد الذي تولد عن فترة وجوده في السلطة، وإنما من خلال أسلوبه هو وأعوانه المتمثل في مهاجمة المؤسسات الأساسية للدولة التي يعتبرونها تحدياً لسلطتهم.

وقام بتمثيل ذلك على أكمل وجه رئيس تحرير صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية الوف بين عندما كتب قائلاً «يقول نتنياهو إن حياته العامة من اليوم الأول الذي انضم فيه إلى الجيش، وصولاً إلى سنواته التي أصبح فيها رئيساً للحكومة، قد كرسها لمصلحة خير الدولة، لأمنها وازدهارها. ولكن عندما انتقل من مديح نفسه إلى التفاصيل اتضح أن العكس هو الصحيح: نتنياهو يعتقد أن السلطة السياسية يقصد منها خدمة الذين يمارسونها وليس العامة».

والضرر الحقيقي الذي سببه نتنياهو لم يكن من خلال الانطباع الواسع بالفساد الذي تولد عن فترة وجوده في السلطة، وإنما من خلال أسلوبه هو وأعوانه المتمثل في مهاجمة المؤسسات الأساسية للدولة التي يعتبرونها تحدياً لسلطتهم.

ولطالما اعتبر نتنياهو وأعوانه المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام وفاعلي الخير أمثال جورج سوروس، وحتى الدول الأوروبية، والآن الشرطة الإسرائيلية، جميعهم أعداء متهمين بالتآمر للإطاحة بحكومته.

وإذا كانت سياسة انعدام الخجل ملحوظة بشكل واضح في السنوات الأخيرة، فإنها ربما ستؤدي إلى انحدار تأثير وقوة الخجل بحد ذاته، باعتباره سلاحاً سياسياً فعالاً وقوياً، وهو السلاح الذي يرجع إلى أيام أفلاطون وسقراط.

ويبدو أن التحلي بالأخلاق بات الآن مسألة مستحيلة في هذه الأيام، وهو ما عبر عنه المحامي جوزيف ويلش، الذي انتقد وزير الخارجية الأميركي السابق جوزيف مكارثي عام 1954 عندما خاطبه غاضباً «أليس لديك أخلاق؟ أليس لديك شعور بالأخلاق؟».

وعلى الرغم من أنه ليس هناك ما هو جديد بالنسبة للسياسيين الذين يواصلون السعي لتحقيق مصالحهم الذاتية، فإن الذي تغير الآن في حالة نتنياهو هو كما قال الصحافي الأميركي جيفري فرانك، العام الماضي، في صحيفة «نيويوركر»، هو أن سعي بعض هؤلاء الساسة لتحقيق مصالحهم أصبح السمة الوحيدة التي تميزهم، وبات هدفهم الوحيد. وكتب فرانك يقول «هناك تاريخ طويل لسياسيين وضعوا مصالحهم في المقام الأول، ولكن ذلك كان يرافقه بعض الاهتمام بالناخبين، إضافة الى صفة الشعور بالخجل، وأما في ما يتعلق بدونالد ترامب الذي كان مقدم برنامج تلفزيون الواقع سابقاً، والرئيس الـ45 للولايات المتحدة، فإنه شخص لا يعرف الخجل، أو التعاطف، فمن يمكن أن يتحمل مثل هذا الشخص؟».

ولم يعد كون المرء متورطاً في أسوا الأكاذيب الفاضحة عقبة في سبيل مواصلة مسيرته المهنية في المواقع السياسية الرفيعة، وربما أن العكس هو الصحيح، ولكن نتنياهو وترامب أخذا انعدام الخجل إلى أكثر نتائجه العبثية التي مفادها أن كل شيء يمكن إنكاره إذا كان كل شيء يمكن أن يكون مؤامرة تدبرها الدولة الليبرالية العميقة، والأعداء الموجودون بين ظهرانينا.

وإضافة لما سبق، فإنها دعوة يقظة موجهة لجميع الذين يعتقدون أن قوة المؤسسات الديمقراطية تمثل عقبة أمام السياسيين الضالين والمنحرفين الموجودين في زماننا، والذين يتاجرون بالخوف والمؤامرات من أجل حماية مناصبهم.

تويتر