التهديد الإرهابي في بريطانيا مرتبط بالأزمة الليبية

المتطرفون في ليبيا يهدّدون أوروبا بعد ضرب البلدان المجاورة

هجوم مانشستر دليل على وجود علاقة بين متشددين في بريطانيا وآخرين في ليبيا. أرشيفية

الهجوم على مانشستر، الذي تبناه تنظيم «داعش» المتطرف، هو الحدث الأكثر دموية في بريطانيا منذ تفجيرات السابع من يوليو 2005، والأسوأ من ذلك، أنه استهدف الأطفال والمراهقين، وذكرت مصادر أمنية أن الجاني سلمان عبيدي، عاد أخيراً من رحلة دامت ثلاثة أسابيع في ليبيا، حيث يقيم والداه الآن.

- يمكن أن يربط هجوم مانشستر بين التهديد الإرهابي في المملكة المتحدة والتحديات التي طال أمدها في ليبيا.

- التطورات التي تشهدها الساحة الليبية تعتبر هدية لتنظيم «داعش» والمتطرفين الآخرين، فهذه الجماعات لا تنشط في مناطق الصراع والاضطرابات الاجتماعية فقط، لكن الدوافع الكامنة وراء التطرف تصبح راسخة.

وربما كان عبيدي يمثل نمطاً إرهابياً جديداً، وهو أن مواطناً بريطانياً لديه صلات محتملة مع شبكات إرهابية أوسع مقرها في ليبيا. كما أن هجومه يعد جزءاً من اتجاه أكبر يواجه أوروبا منذ عام 2012.

في هذه الموجة الجديدة، استخدمت حقيبة مملوءة بالمتفجرات في بروكسل، كان صعب جداً كشفها، نظراً لعدم وجود «عيون وآذان» تراقب الساحات المتطرفة الرئيسة مثل سورية وليبيا. في الماضي، كان الإرهابيون يعملون ضمن تسلسل هرمي معروف، يمكن أن تقوم أجهزة الأمن برصده وتعطيله، أو المنفردون الذين بقوا بعيداً عن الرادار، ولكن لم يكن لديهم معرفة بتنفيذ هجمات متطورة.

لذلك، من الممكن أن يربط هجوم مانشستر بين التهديد الإرهابي في المملكة المتحدة، والتحديات التي طال أمدها في ليبيا. وقد استفادت الجماعات المتطرفة من العديد من الإخفاقات الحكومية، وسوء إدارة الانتقال ما بعد القذافي، إضافة إلى ما لابد وأن يقال، وهو عدم اهتمام الحكومات الغربية بهذا البلد بعد الإطاحة بالنظام الليبي في 2011.

وقد أدى ضعف السلطات المركزية - التي انقسمت إلى حكومتين متنافستين في 2014 قبل انضمام حكومة ثالثة تدعمها الأمم المتحدة في 2016 - إلى انهيار سيادة القانون، وأوجد الفراغ الأمني، والفساد والركود الاقتصادي، ومكّن الميليشيات العنيفة وغير الخاضعة للمساءلة، بما في ذلك الجماعات المتطرفة.

ويعتقد أن المسلحين الـ32 الذين فرضوا حصاراً على محطة أميناس للغاز في 2013، ما أسفر عن مصرع 40 شخصاً، قد عبروا إلى الجزائر من ليبيا. وبالمثل، قيل إن المسلح الذي قتل 38 سائحاً على شاطئ البحر في سوسة بتونس، تدرب على الهجوم في معسكر تابع للتنظيم المتطرف بالقرب من صبراتة. وكان المسلحان اللذان قتلا في الهجوم على متحف باردو في تونس في عام 2015 خريجين في المعسكر نفسه.

ولكن في وسط ليبيا، حول معقل القذافي السابق في سرت، تمكن التنظيم من بناء كيان له يعتبر الأقوى في شمال إفريقيا. ومع ذلك، في مايو 2016، بعد أن قام اثنان من الانتحاريين بضرب قوات من ثوار مصراتة - المدينة الرئيسة التالية على طول الساحل - تمكن الثوار من طرد مقاتلي التنظيم من سرت في غضون أشهر.

ومع ذلك، فإن «داعش» أبعد ما يكون عن قوة مستنفدة في ليبيا، فقد هرب القادة الرئيسون وتجمعوا جنوب سرت. في الواقع، بعد شهر من تحرير «سرت»، قصفت طائرات أميركية مخيماً تابعاً للتنظيم على بعد 30 ميلاً خارج المدينة، حيث كان مسلحون «يتآمرون بنشاط» لشن هجمات على أوروبا. وأشارت وثيقة استخباراتية إيطالية إلى أن المقاتلين المتطرفين يسعون للدخول إلى أوروبا، من خلال استغلال مخطط مصمم لمعالجة الجنود المصابين لدى الحكومة الليبية.

في غضون ذلك، تفاقمت الأزمة في ليبيا، فعلى الجانب السياسي، دار حديث عن انفراج حدث في وقت سابق من هذا الشهر، عندما اجتمع رؤساء المعسكرين الرئيسين المتنافسين لإجراء محادثات وجهاً لوجه، بوساطة إماراتية. ومع ذلك، لم يقع أي جديد منذ ذلك الحين ينم عن أي اتفاق، وعلى أرض الواقع تصاعد الوضع بشكل ملحوظ.

هذه التطورات تعتبر هدية للتنظيم والمتطرفين الآخرين، هذه الجماعات لا تزدهر فقط في مناطق الصراع والاضطرابات الاجتماعية، لكن الدوافع الكامنة وراء التطرف تصبح راسخة. وفي أعقاب هجوم سوسة، أشار السفير التونسي في المملكة المتحدة إلى أن التطرف لن يغذيه سوى المصاعب الاقتصادية الناجمة عن تراجع السياحة. وفي ليبيا، مع نسبة بطالة تقترب من 40٪، لن يكون مفاجئاً أن يسقط ما بين 250 و350 ألف شخص في شباك الجماعات الراديكالية.

وبغض النظر عما إذا كان تفجير مانشستر قد تم تخطيطه في ليبيا أم لا، فإن استئناف مشاركة بريطانيا في مكافحة الإرهاب والفوضى في ليبيا أصبحت ذات مغزى وطال انتظارها. إذ من خلال مجموعات مثل «داعش»، فإن المشكلات الأكثر إلحاحاً في ليبيا - من الحكومات المتحاربة إلى الأزمات الإنسانية المتفاقمة - لديها القدرة على أن تنتقل إلينا.

علياء براهيمي عضو مؤسس في «ليغاتوس غلوبل» وباحثة سابقة في جامعة أوكسفورد.

تويتر