الفقر اضطرّهم إلى استخدام بدائل بسيطة لأزمة الكهرباء

الشموع تُذيب أجساد 3 أشقاء في غزة

صورة

الساعة العاشرة من ليل يوم الجمعة الماضي، اكتنف الظلام منزل عائلة الهندي في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، ما أوقع الخوف في قلوب أطفالها الثلاثة الذين لم تتجاوز أعمارهم سن الثالثة، ونزع النوم من عيونهم، لتضطر الأم إلى إيقاد الشموع، سبيلها الوحيد لتعويض الإنارة، في ظل تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي في غزة.

غادرت الأم غرفة أطفالها ليخلدون إلى سباتهم الأخير، دون أن تعلم ان الشموع التي أنارتها لتذهب وحشة ليلهم، هي ذاتها التي ستذيب أجساد فلذات كبدها، وتحرق قلبها وجعاً، وتفجعه مدى الحياة، فجدول فصل الكهرباء كان أطول من حجم الشمعة ومدة إنارتها.

• الفجيعة التي أصابت عائلة الهندي فصلها عام واحد فقط عن حادثة احتراق أطفال عائلة الهبيل.

ذابت الشمعة قبل أن تعود الكهرباء لمنزل العائلة، لتطفئ معها النور في عيون أطفال لم يعرفوا بعد معنى الحياة، ولم يقضوا فيها سوى أعمارهم الصغيرة، ليسجى الأشقاء محمد (ثلاثة أعوام)، ورهف (عامان)، وناصر (شهران)، على سرير واحد لأول وآخر مرة في حياتهم، في مشهد مأساوي أوجع كل من شاهده.

«الإمارات اليوم» تواجدت في منزل عائلة الهندي المكون من غرفتين فقط، والذي تحول لونه إلى الرمادي بفعل النار التي اشتعلت داخل المنزل، وبالانتقال إلى غرفة الأطفال الضحايا، تبين انه لم يتبقَّ من محتوياتها شيء، فالنار التهمت كل شيء، ألعابهم وملابسهم والمكتبة التي كانوا يدرسون عليها.

وأصيب والد الأطفال بصدمة كبيرة، منعته من الحديث مع أي أحد، على الرغم من توافد أقاربه والفصائل السياسية لتشييع الأجساد المحترقة، أما والدة الأطفال فدخلت في حالة غيبوبة بعد مشهد احتراق فلذات كبدها.

من جهته، وصف خال الأطفال علي الهندي لـ«الإمارات اليوم»، مشهد أبناء شقيقته، بالقول: «لقد تفحمت أجسادهم وتحول لونها إلى الأسود، كما تساقط لحم وجوههم وأطرافهم، ولم نتمكن من التعرف إلى ملامحهم إطلاقاً».

وعاش أطفال عائلة الهندي، بحسب خالهم، سنوات عمرهم القصيرة في ظل فقر مدقع قهر براءتهم، لتكن نهايتهم أشد وجعاً وألماً، فالفقر ذاته هو الذي دفع والدتهم لاستخدام الشمعة بديلاً للإنارة، في ظل عجزهم عن توفير أي وسيلة أخرى.

فجيعة متكررة

الفجيعة التي أصابت عائلة الهندي فصلها عام واحد فقط عن حادثة احتراق أطفال عائلة الهبيل، والتي تسكن في مخيم واحد، فقد توفي الشقيقان عمر (ثلاثة أعوام)، وخالد (عامان)، نتيجة إشعال شمعة بديلاً لانقطاع الكهرباء.

وما شهده مخيم الشاطئ خلال عام واحد، هو مشهد مأساوي متكرر في جميع مناطق قطاع غزة، فقد شهد وسط قطاع غزة قبل ثلاثة أعوام حادثتين منفصلتين أودتا بحياة ثلاثة أشقاء من عائلة بشير، وأربعة أطفال أشقاء من عائلة برغوث، جراء اختناقهم من المولد الكهربائي، ليملأ الخوف قلوب أطفال غزة من أن تُحرق أجسادهم أو تُزهق أرواحهم، بسبب شمعة أضاؤوها لتنير عتمة ليلهم.

من جهته، كشف مركز الميزان لحقوق الإنسان في إحصائية أصدرها عقب احتراق أطفال عائلة الهندي، عن وفاة 28 شخصاً جراء أزمة نقص الكهرباء في قطاع غزة، من بينهم 23 طفلاً منذ عام 2010، وذلك جراء انفجار مولدات الكهرباء، أو اختناقهم من عوادمها، وكذلك الأمر بفعل استخدام الشموع التي يلجأ إليها العدد الأكبر من المواطنين، الذين لا يقدرون على شراء بدائل باهظة الثمن، كالمولدات، وأجهزة الشحن الكبيرة.

وكانت شركة توزيع الكهرباء في غزة، قد أعلنت عن توقف محطة التوليد الوحيدة عن العمل، بذريعة استمرار فرض ضريبة «البلو» من قبل وزارة المالية في حكومة التوافق الوطني، ونتيجة ذلك أعلنت الشركة عن زيادة ساعات قطع الكهرباء لتصل إلى 12 ساعة يومياً.

أزمة سياسية

حادثة احتراق أطفال عائلة الهندي خلقت حالة من السخط الشديد بين المواطنين، وجميع شرائح المجتمع الفلسطيني من فصائل وصحافيين وفئات مختلفة، رافضين استمرار أزمة الكهرباء وحصدها لأرواح الأبرياء، نتيجة الخلافات السياسية بين طرفي الانقسام الفلسطيني حركتي «فتح» و«حماس».

يقول عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كايد الغول، معلقاً: «إن احتراق الأطفال هو نتاج لأزمة الكهرباء التي تخضع في قسم كبير منها للتجاذب والانقسام، وفي ظل تبادل الاتهامات من قبل حركتي (فتح) و(حماس) عن هذه الأزمة». ويضيف «احتراق الاطفال الثلاثة ليست الحادثة الأولى التي شهدها القطاع، والتي لم تشكل دافعاً، قبل ذلك، للأطراف المعنية لتحل هذه الأزمة، بما يجنب الشعب الفلسطيني مزيداً من الضغوط، ومزيداً من الضحايا».

تويتر