النزاع في سورية يُحلّ عن طريق التفاوض وتسريع التسوية السلمية لا الحرب

«جنيف 2» فرصة تخريب العلاقة بين روسيا ونظام الأسد

صورة

في وقت لاحق من هذا الشهر، سيلتئم شمل كل من الولايات المتحدة وروسيا والدول الإقليمية الرئيسة، وغيرها من أعضاء المجتمع الدولي في مؤتمر جنيف الثاني للسلام. ويحتدم الجدال في واشنطن بين المتشككين، الذين يرفضون عقد المؤتمر، والمتفائلين الذين يرون أنه عملية سلام حقيقية، يمكن من خلالها حل الأزمة السورية، إلا أن كلا الجانبين يغفل نقطة مهمة.

فمن الصعب مجادلة المشككين في أن الوقت غير مناسب، للتوصل إلى اتفاق شامل بين الرئيس السوري بشار الأسد، والمعارضة المسلحة التي تقاتل نظامه. أيٌّ من الطرفين غير مستعد للتخلي عن الفوز على الآخر، بينما يواصل كل لاعب إقليمي مدّ الطرف الذي يدعمه بالمال والسلاح. إلا أن السلام ليس هو المعيار الصحيح، الذي نحكم به على جنيف الثاني للسلام، فمن الناحية التاريخية، إن إنهاء الحروب الأهلية في أحسن الأحوال ينطوي على مفاوضات طويلة وشاقة، وخلق ظروف ملائمة تدريجيا لسلام دائم.

نعم، من المحتمل أن تفشل جنيف الثانية في الوصول إلى تسوية للصراع السوري، لكن يجب على الولايات المتحدة أن تتخذ خطوات لتضمن أن ذلك الفشل يصب في مصلحة تعزيز السلام. وفي الوقت نفسه، يمكن للولايات المتحدة وروسيا تحسين آفاق السلام، من خلال إقامة جولة من المفاوضات بين الداعمين الإقليميين للأطراف السورية المتحاربة.

وبدلا من جعله فقط فرصة لتحقيق السلام، ينبغي أن يكون جنيف الثاني مناسبة لدق إسفين بين موسكو ونظام الأسد، وبالتالي تشجيع المزيد من التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الصراع السوري، وهذا التعاون هو المفتاح للتخفيف من حدة الكارثة الإنسانية في سورية، وإيجاد حل ينهي الصراع عن طريق التفاوض لا الحرب. وينبغي أن يتمثل هدف الولايات المتحدة بالمحادثات في تهيئة الظروف، للوصول إلى اتفاق يرفضه الأسد علنا وتقبله وتؤيده جميع الأطراف الأخرى، بما في ذلك روسيا.

تحقيق مثل هذه الترتيبات بالطبع صعب للغاية، إلا أنه ليس مستحيلا، طالما أن الولايات المتحدة تفهم الأهداف الروسية. وتنظر واشنطن إلى النهج الروسي على أن موسكو تفضل الحفاظ على الوضع الراهن، بدلا من تحول حقيقي في نقل السلطة. وفي الواقع، نرى أن روسيا تبدي جدية كبيرة في عقد «جنيف 2»، على الرغم من اختلاف وجهة نظرها حول ما قد يتحقق هناك. وهذا المؤتمر بالنسبة لروسيا، هو عبارة عن أداة لتسهيل الوصل إلى تسوية سياسية بين السوريين، وليس فرصة للجهات الخارجية الفاعلة للتفاوض على نهاية لنظام الأسد. وأصرت موسكو على تضمين هذا المبدأ التوجيهي في وثيقة يوليو 2012، التي تحكم «جنيف 2». وقبل كل شيء، تريد موسكو ألا يكون المؤتمر أداة لإضفاء شرعية على قوة تقودها أميركا، لإزاحة النظام السوري بالقوة، أو محاولة لاختيار المنتصرين في الصراع الداخلي. وتعتقد روسيا أن أياً من التطورين من شأنه أن يشكل سابقة خطيرة للغاية للمنطقة، وربما شكل عليها خطورة هي نفسها.

وتبدو هذه النقطة واضحة جدا في صفقة سبتمبر الماضي، بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الأسلحة الكيماوية في سورية، حيث وافقت موسكو على هذا الترتيب الذي يحرم الأسد الأسلحة الكيماوية، ما يعتبر تنازلا كبيرا على الرغم من أنها رفضت مقترحات أقل طموحا بكثير قبل أسابيع قليلة من ذلك، فما سبب هذا التحول؟ تعتقد روسيا أن الولايات المتحدة كانت على وشك توجيه ضربات عسكرية للأسد، وتعتقد أن اتفاق الأسلحة الكيماوية يمكن أن يحول دون ذلك، كما أن الولايات المتحدة رأت أيضا في ذلك التخلص من أسلحة تهتم بها روسيا لأغراض منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، لاسيما منع وقوعها في أيدي الجماعات المتطرفة.

بالإضافة إلى ذلك، أبدت موسكو في العديد من المناسبات أن سياساتها لا تتحرك بسبب قلقها بشأن مكان الأسد في مستقبل سورية. وكرر مسؤولون كبار هذا الافتراض، كما صوتت روسيا من قبل لمصلحة قرارات مجلس الأمن الدولي 2042 و2118، وكلاهما يدعو إلى «انتقال سياسي» في سورية، وهذا يعني أن موسكو بالفعل تؤيد ضمنيا مرحلة انتقالية لا تشمل الأسد نفسه.

إذا كانت تصرفات روسيا مدفوعة بالرغبة في الحفاظ على الأسد في السلطة بأي ثمن، فمن المفترض أن ترسل له سفنا مليئة بمدافع الهاون، ودبابات، وترسل مستشارين عسكريين يرتدون الزي العسكري (وهو ما تفعله جميعه إيران في الوقت الراهن)، وبدلا من ذلك، فإن مبيعاتها من الأسلحة إلى سورية تقتصر لحد كبير على أنظمة الدفاع الجوي المتطورة، التي هي غير مجدية ضد الثوار. وهذه الصفقات تجارية في طبيعتها، تستفيد منها روسيا نقدا عند التسليم، وليست مساعدات عسكرية.

فإذا اعترفت الولايات المتحدة بأن أهداف روسيا هي بخصوص العملية، وليست بشأن نتائج التسوية، فإن المفاوضات يمكن أن تتمخض عن توثيق التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سورية. وينبغي أن تجعل واشنطن المحادثات تعكس لموسكو بطريقة واضحة أن الأسد ورفاقه ـــ وليس المعارضة، أو سياسة أميركا، أو الدول الأخرى في المنطقة ـــ هي العقبة الرئيسة أمام السلام والاستقرار.

وليس من الصعب إدارة تلك النقطة، إذ يبدو أن الأسد ليست لديه نية للتفاوض على صفقة، أو أي نوع من تقاسم السلطة. وإلى أن يكشف الأسد سوء نيته، من خلال رفضه علنا أي تسوية تقبلها روسيا، ستستمر موسكو في اعتباره جزءا من الحل، وليس مصدر المشكلة. وهناك بعض السوابق لمثل هذا التغيير في السياسة الروسية. في عام 2009، رفضت طهران علنا العرض الروسي لتخزين اليورانيوم الإيراني المخصب، وهي الصفقة التي قبلتها إيران قبل أيام قليلة ماضية، فلم يكن من روسيا الغاضبة سوى دعم فرض عقوبات دولية جديدة صارمة ضد إيران في يونيو 2010.

وبالمثل، إذا فشل «جنيف 2»، بسبب رفض الأسد صفقة معقولة أقرتها كل الأطراف الأخرى، فإن موسكو ستدرك أن مصلحتها في الاستقرار بالمنطقة، وتجنيب النظام السوري من التغيير القسري سيذهب أدراج الرياح، وعليها أن تعمل بشكل وثيق مع واشنطن، وربما ضغطت على الأسد لقبول مرحلة انتقالية. ويمكن أيضا أن تتعاون مع الولايات المتحدة وبقية دول مجلس الأمن الدولي، لمعالجة الوضع الإنساني في سورية، لاسيما من خلال السعي للحصول على موافقة وكالات الأمم المتحدة لدخول سورية، عبر المعابر الحدودية التي لا تسيطر عليها دمشق، والتي يمكن أن تجلب مساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

وبغض النظر عن ما سيحدث في «جنيف 2»، فعلى واشنطن أن تعمل على تطوير مسار إقليمي موازٍ، من أجل السلام في سورية، وعلى كل من الولايات المتحدة وروسيا أن تدفعا لمفاوضات بين المناصرين الإقليميين للمعارضة والنظام، بمعزل عن الفرقاء المتقاتلين هناك.

جيريمي شابيرو وصمويل شاراب شابيرو هو زميل زائر بقسم دراسات السياسة الخارجية بمعهد بروكينغز. وصمويل شاراب زميل بقسم دراسات روسيا وأوراسيا في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. كلاهما كان عضواً في طاقم تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأميركية.

 

تويتر