خوفاً من بطش الجيش والشبيحة الموالين للأمن

سوريـّون يقاطعــون النظـام بطرقهـم الخاصــة

الأسد أطلق يد الجيش لإخضاع المدن التي تشهد تظاهرات تطالب بإسقـــــــــــــــــــــــــــــــــاط نظامه. أ.ب

في الوقت الذي اشتد فيه قمع الآلة العسكرية في سورية، وجد مواطنون سوريون ليس لديهم الشجاعة الكافية بعد لإعلان رفضهم نظام بشار الأسد، طرقاً أخرى للتعبير عن تأييدهم للمطالب الشعبية الحالية.

وقبل الحملة العسكرية الأخيرة في حماة ودير الزور، خرج نحو مليون متظاهر إلى الشوارع وامتدت الاحتجاجات إلى مدن عديدة في سورية، إلا أن معظم الشعب السوري، الذي يبلغ عدده 22 مليون نسمة، ظلوا بعيدين عن المسيرات، خوفا من بطش الجيش وأفراد الميليشيات التابعة للنظام المعروفين بالشبيحة، الذين قتلوا أكثر من 2000 شخص إلى الآن.

ووجد الكثيرون من هؤلاء الصامتين طرقا أخرى لمعارضة النظام ودعم المحتجين. ففي حي الميدان بالعاصمة دمشق، يقوم سكان الأحياء بتزويد المتظاهرين بالماء والطعام، ومساعدتهم على مواجهة الحر الشديد في المساء. وفي رمضان، حيث الناس صائمون، يقوم بعض السكان برش الماء البارد من فوق المسيرات لتلطيف الجو والتخفيف من معاناة المتظاهرين الصائمين. وفي مناطق متفرقة من البلاد يقوم أطباء وممرضون بتقديم العلاج للمصابين في الاحتجاجات الذين لا يتمكنون من الذهاب إلى المستشفيات الحكومية. وفي غضون ذلك بدأ سوريون في تحدٍ من نوع آخر، فأحد أصحاب المحال في دمشق، على سبيل المثال، قال انه قام بمقاطعة النظام بطريقته الخاصة، وعلى الرغم من أنه لا يشارك في التظاهرات إلا أنه توقف عن التعامل مع الموردين الذين يساندون النظام، ويقول: «أعلم أن بعضهم يساندون النظام، لذا توقفت عن التعامل معهم».

أما سائق سيارة أجرة في دمشق، طلب عدم الكشف عن اسمه، فيقول إنه لا يستمع للأناشيد الموالية للنظام، التي تبثها الإذاعات الحكومية، ويقوم بتغيير المحطات باستمرار إلى أن يعثر على إذاعة لا تسوق الادعاءات والاتهامات ضد الحركة الاحتجاجية التي تعم المدن السورية. كما قام سائق التاكسي بمنع أهله من مشاهدة القنوات التلفزيونية الرسمية، وينتقد أصدقاءه المؤيدين أو الذين يبررون حملة القمع الراهنة.

وفي السياق نفسه، بات عدد من السوريين المترددين في السابق أكثر شجاعة وجرأة، ومن بين هؤلاء مهندس كمبيوتر شاب، يسهر على حماية مواقع المعارضة والاتصالات عبر الانترنت وصفحات الناشطين على المواقع الاجتماعية، من الاختراق والرقابة الحكومية. ويمكنه عمله مع جهة حكومية من الحصول على معلومات مهمة حول الجهود الرسمية لتتبع النشطاء على الانترنت، وعمليات المراقبة التي يخضع لها عدد كبير من السوريين. ولم يقتصر الأمر على المتطوعين، إذ بات صحافيون يتبنون ازدواجية مهنية، فهم يكتبون بشكل لا يغضب النظام على صفحات الجرائد المحلية، ويزودون وسائل الإعلام الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان، بكل المعلومات حول القمع والوحشية التي يمارسها النظام السوري ضد أبناء شعبه. والواقع، كما يقول ناشطون، إن معظم الشعب ضد نظام الأسد، ويقول أحد الموظفين في القطاع العمومي: «إذا تحدثت إلى 10 أشخاص فتجد سبعة أو ثمانية على الأقل ضد الحكومة». ويضيف أن جهة العمل طلبت منه التشويش على المتظاهرين من خلال الاختلاط بهم والهتاف للنظام. إلا أنه عندما يكون بين المحتجين يهتف مثل البقية بالحرية والكرامة.

وفي السياق نفسه، يتحدث طالب دمشقي عن التحدي الذي رفعه طلاب سوريون خلال المعسكرات التدريبية الصيفية التي دأب النظام على إقامتها، ويقول: «نصطف كل صباح ويُطلب منا أن نهتف عالياً، بالروح بالدم نفديك يا بشار»، مضيفاً «إلا أن مئات منا يبقون صامتين، الأمر الذي كان يستحيل تصوره قبل أشهر».

ويقول: «قام الضابط المشرف على التدريب بمعاقبة الممتنعين بالوقوف في أشعة الشمس الحارقة لساعات والزحف على الأرض». في المقابل، هناك مشاعر مختلفة بين صفوف المتظاهرين، الذين يخاطرون بحياتهم في الشوارع، إزاء «الاحتجاج السري»، فقد تعالت عبارات تقول: «صمتكم يقتلنا»، وكانت موجهة إلى سكان دمشق وحلب، الذين ظلوا صامتين نسبياً، إلى حد الآن. في حين يقول متظاهر في دمشق إنه لا توجد خيارات أخرى سوى الخروج إلى الشوارع، على الرغم من المخاطر المحدقة. ويضيف «سأشعر بالذنب إذا لم أخرج إلى الشارع وأتظاهر»، لكنه لا يشعر بالاستياء من سكان العاصمة الذين يبقون في منازلهم. ويرى أنه «من السهل التظاهر في أماكن أخرى، وأنا أعذر الناس (في دمشق)»، مضيفاً أن «الخروج إلى الشارع الآن هو بمثابة انتحار، تقريباً».

تويتر