‏‏اعتبرها البعض عودة إلي أساليب الحقبة الشيوعية

أكاديمـية روسـية لتخـريج كوادر نسائية حديدية‏

الصرامة غير الاعتيادية طابع أساسي لتدريبات المدرسة. أ.ف.ب

بعد نحو عقدين من انهيار الاتحاد السوفييتي، تعود مدارس «الكاديت» الروسية إلى الواجهة، وهي مدارس تهتم بتعزيز الروح الوطنية لدى طلابها وسط طلب متزايد على هذه المدارس التي يرى فيها البعض محاولة لإحياء الأساليب السوفييتية في التربية.

وتختص هذه المدارس بتكوين وتخريج النخب الشبابية التي يناط بها قيادة المؤسسات العسكرية والمدنية في المستقبل.

ومن بين الكليات المنتشرة عبر المدن الروسية الكبرى، اشتهرت «مدرسة البنات رقم 9» في ضواحي موسكو، بنمطها المميز في اختيار وتدريب الفتيات اللواتي تراوح أعمارهن بين 10 و17 سنة. مدرسة الكاديت للفتيات تختلف عن المدارس الاخرى في روسيا، وتتميز بنظامها الصارم والمواد العسكرية والطبية التي تدرس للتلميذات، حيث تلتحق المتخرجات في المدرسة بمؤسسات حكومية مهمة مثل الجيش والشرطة والمخابرات.

أناستازيا 16 عاماً

التحقت أناستازيا بالأكاديمية في ،2005 وتهتم الطالبة بدروس اللغات وتجذبها حصص تعليم الرمي، إلا أن إحساسها لايزال مرهفاً، حيث تبدو عليها ملامح الخوف عندما تطلق الرصاص من رشاش التدريب، وتقول العسكرية الصغيرة إن الدراسة في أكاديمية البنات تعلمها الترتيب والنظام، كما تنمي فيها روح الوطنية والالتزام، ولم تقرر أناستازيا بعد في ما يخص الوظيفة التي ستختارها بعد تخرجها

لا رقص ولا زينة

لايسمح للمجندات بالتزين إلا مرة واحدة في السنة، ويكون ذلك خلال الحفل الشتوي، وترتدي المراهقات فساتين خاصة، ويسمح لهن بالرقص مع المدعوين من فتيان المدارس الأخرى الذين تتم دعوتهم بهذه المناسبة. وهي المناسبة الوحيدة التي يسمح فيها بدخول «ذكور» إلى مدرسة البنات. وتعتبر هذه المدرسة الأولى من نوعها في روسيا الاتحادية، والتي يأمل رئيس الوزراء الروسي فلادمير بوتين أن تكون مؤسسة رائدة لتخريج النخبة العسكرية النسوية في البلاد، حيث ستلتحق الفتيات، في المستقبل، بوكالات الاستخبارات المختلفة، وسيعملن في مجالات مكافحة التجسس والأعمال التخريبية والجريمة المنظمة، وإضافة إلى التدريبات العسكرية الشاقة، تتعلم البنات المهارات النسوية المختلفة مثل: الطرز والطهي والرقص والغناء، من أجل القيام بأدوارهن الزوجية على أكمل وجه. وعلى مراحل منتظمة تتعلم المجندات الرمي بالسلاح الرشاش والتحكم في القنابل اليدوية واستخدامها في الظروف القتالية المختلفة.

مع بداية العام الدراسي تبدأ مدرسة التدريب العسكري للبنات تحضير فتياتها اللواتي يستيقظن في السابعة صباحاً، حيث يعشن حياة عسكرية حقيقية باستثناء الألوان الزاهية لملابس النوم وأغطية الأسرة. وبعد التمارين الصباحية تستعد الفتيات من أجل التعلم على كيفية الرمي ليقمن بتمارين حية في المساء. وإضافة إلى الوظائف العسكرية المختلفة في القوات البرية والجوية والبحرية، يتم إعداد الفتيات للدخول في سلك الأمن الداخلي، والعمل جاسوسات لحساب جهاز الاستخبارات الروسي.

قنص وكافيار

تهتم إدارة المدرسة بإعداد الطالبات ذهنياً وجسدياً، فبالإضافة إلى تطوير المهارات الفكرية تتناول الفتيات غذاء خاصاً، يشمل الكافيار، من أجل بناء أجسام قوية، ويتم اختيار المدرسين من بين نخبة الجيش والضباط والجنود الذين قاموا بمهام بطولية في أفغانستان، والذين تم منحهم أوسمة الشجاعة. وينظم حفل سنوي تقوم خلاله المجندات باستعراض المهارات والخبرات التي اكتسبنها بعد عام من التدريب والدراسة. ومن بين الفتيات اللواتي التحقن أخيراً بالأكاديمية، ناتاشا، 12 عاماً التي أدت القسم بأن تكون وفية لبلدها روسيا، وأن تخدمه بكل مالديها. وتبدأ ناتاشا صباحها بتناول الإفطار، ثم التدريب على الرمي بالمسدس الآلي «ماكروف». وبعد ذلك تنهمك في حل مسائل الجبر المعقدة. وتتلقى المدربات المتفوقات تدريبا خاصاً على الرمي بالبنادق الرشاشة ويختار عدد منهم لينضممن إلى نخبة القناصة في الجيش الروسي. أما الطالبة كاميلا، فقد كانت مولعة بحكايات عمها الضابط في سلك الشرطة، عن ملاحقات المجرمين. وتطلق كاميلا، 14 عاما، النار من بندقيتها وكأنها قناص محترف. وتحس الطالبة بالاعتزاز بانتمائها إلى الأكاديمية، وتقول إن قريناتها يهبنها من زيها العسكري.

وتتلقى الطالبات في هذه المدرسة، التعليم العادي بالإضافة إلى أسس الشؤون العسكرية والتدريبات الأساسية والتدريب على مكافحة الحرائق ويتلقين أسس حفظ الأمن وسلامة الحياة العامة. وتنال خريجة مدارس «الكاديت»، تخصصاً عسكرياً وآخر مدنياً. وتنال الطالبة عندما تنهي تعليمها الجامعي في الأكاديمية، مرتبة ضابط، وشهادة في الهندسة، في المجال المهني الذي تختاره. وتشمل التخصصات الاتصالات والمحاماة والاقتصاد وعلم النفس والترجمة. وتتحدث أغلب العسكريات أربع لغات بطلاقة.

اهتمام خاص

ظهرت أكاديمية الكاديت في 1732 وتخصصت بتخريج ضباط الجيش والأسلحة المختلفة فيه، إلا أنها اختفت مع انتصار الشيوعيين في بداية القرن الماضي. ولعب «الكاديت» دوراً مهماً في الحياة العسكرية والسياسية للبلاد، فكان أبناء النبلاء يتلقون تعليمهم في المدارس المختصة وينتقلون تلقائياً إلى مراكز تؤهلهم لإدارة شؤون البلاد. وفي عهد بوتين، شهد هذا النوع من المدارس تطوراً كبيراً واهتماماً لافتاً من طرف المسؤولين. ولم يقتصر الاهتمام على الشباب، حيث أنشأ بوتين أكاديمية خاصة بالبنات، وتضم حالياً 300 طالبة.

وتنتمي الفتيات إلى عائلات المسؤولين العسكريين أو القيادات السياسية أو كبار الموظفين في الدولة. وبرغم أن انخراط المرأة في الجيش الروسي ليس أمراً جديداً، إلا أن مدرسة البنات (رقم 9) تحتفظ بمكانة مميزة. وتخدم في القوات المسلحة الروسية في الوقت الحاضر أكثر من 77 ألف امرأة. وقال مدير دائرة الإعلام في وزارة الدفاع، العقيد الكسندر دروبيشيفسكي، إن «عدد النساء الضباط في القوات المسلحة زاد خلال السنوات الثلاث الأخيرة بنحو 700 ضابط». مضيفا أنه «بين العسكريات يوجد ما يقارب 6000 يحملن رتب ضباط، وأكثر من 25 ألفاً برتبة نائب ضابط وضابط صف بحري، وأكثر من 46 ألفاً يخدمن بعقود بدرجة جندي وبحار وعريف ورئيس عرفاء». ويذكر أن ما لا يقل عن 7 ٪ من العسكريات الروسيات شاركن في العمليات العسكرية في جمهورية الشيشان وشمال القوقاز».

تقاليد عريقة

قالت مديرة مدرسة الكاديت للفتيات، فيكتوريا فيسيلينسكايا «هنا في هذه المدرسة نعطي تعليما يتضمن مواد إنسانية، اضافة الى مواد اخرى تسمح بالدفاع عن النفس وعن الآخرين ، وبالوقت نفسه نحافظ على الصفات النسائية من الانوثة إلى الامومة». واضافت المديرة «نموذج خريجاتنا هو امرأة عاملة ذكية ومثقفة ومتطورة، مستعدة للدفاع عن الوطن في الساحتين العسكرية والمدنية، وأم حنونة محبة لأسرتها، وربة بيت ماهرة». وتخرجت أول دفعة العام الماضي وهن عبارة عن 18 فتاة التحقن بمؤسسات حكومية مهمة مثل الجيش والشرطة والمخابرات والنيابة العامة وحرس الحدود. ويحكي متحف الكاديت تاريخ هذه الحركة عموماً، وعن وضعها الحالي الذي أصبح يجمع بين تقاليد مدارس «النبيلات» في الفترة ما قبل السوفييتية والمدارس العسكرية في المرحلة السوفييتية. أياد ناعمة قادرة على عمل كل شيء من الطهي إلى استخدام السلاح. هكذا هي تقاليد مدارس الكاديت التي تبعث الروح الوطنية المبنية على إعلاء قيمة العمل والإبداع.

تويتر