الديمقراطية جلبت الويلات إلى غزة والعراق

يصف الكاتب والمحلل العسكري الأميركي دانييل ايلسبيرغ في مذكراته كيف قرر أن يخاطر بدخول السجن سنوات عدة عن طريق تسريب وثائق وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، وهي تسجيلات سرية للغاية متعلقة باتخاذ القرار الأميركي في فيتنام، إلى صحيفة نيويورك تايمز.

وعلى أمل أن تساعده زوجته باتريشيا على التوصل إلى قرار بشأن ذلك، أظهر ايلسبيرغ لها وثائق حول استراتيجية القصف التي وضعها رؤساؤه السابقون في (البنتاغون).

وشعرت الزوجة بالرعب، وهي تقرأ عبارات في الوثائق، مثل «الحاجة إلى التوصل إلى عتبة الألم» و«حملة قطعة النقانق للقصف» و«هدف إقناع العدو» و«هذه لغة التعذيب»، وقالت باتريشيا لزوجها «ينبغي الكشف عن هذه المعلومات».

أتذكر هذه المعلومات، وأنا أقرأ عن الأهداف الاسرائيلية عن الهجوم على غزة كما حددها القادة الاسرائيليون وأنصارهم الغربيون، حيث قال شيمون بيريز «هدف إسرائيل توجيه ضربة قوية إلى الشعب في غزة، ما يجعلهم يفقدون شهيتهم لضرب اسرائيل».

وكتب توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» موافقا على أن «أفضل طريقة للردع على المدى البعيد هو إحداث ما يكفي من الألم وسط المدنيين».

والآن تم الإعلان أن الحرب على الإرهاب كانت «غلطة»، ويجري الترويج للديمقراطية باعتبارها العلاج الناجع للدول «المضعضعة». لكن ذلك لم يصدق على الفلسطينيين الذين انتخبوا حركة المقاومة الإسلامية «حماس» عام ،2006 وكانت الأخيرة تعلن عدم اعترافها بإسرائيل، ما يجعل السلام في الشرق الأوسط غير ممكن.

غير أن رأي الأغلبية في الديمقراطيات القديمة ليس بأفضل حالا، إذ أن العنف الذي وافق عليه هؤلاء هو السبب الرئيس وراء تفاقم العنف في أماكن أخرى. وكان أولها دعم الأميركيين الشامل للكارثة التي ارتكبها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في العراق.

وكانت عملية «الرصاص المصهور» على غزة مدعومة من غالبية الإسرائيليين الذين اعتادوا منذ 1977 انتخاب عدد من القادة أمثال: مناحيم بيغن، واسحق شامير، وارييل شارون، وجميعهم شاركوا في الجماعات الإرهابية، وأيديهم ملطخة بجرائم الحرب، وكان كثيرون مستعدين لانتخاب العنصري افيغدور ليبرمان.

وفي الأسبوع الماضي، أعلن المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف أن عدم المبالاة الاسرائيلي إزاء المجازر في غزة يثير «التقزز والخجل»، حيث ينطبق ذلك على الهنود، ففي ،2002 أشرفت الحكومة الهندوسية المتطرفة في غوغرات على قتل أكثر من 2000 مسلم، وأصبح رئيس حكومة الولاية ناريندرا مودي، بمثابة مصاص الدماء في نظر هنود عديدين.

لكن هؤلاء الهنود صاروا ينظرون برعب إلى أهل ولاية غوغرات الذين يتمتعون بتعليم ومستوى معيشة أفضل من بقية الولايات، وهم يعيدون انتخاب مودي بنسبة ساحقة.

وفي ،2007 وبعد أشهر عدة من تسجيل مجلة تيهيلكا صوت المتعصبين الهندوس، وهم يتفاخرون حول اغتصابهم المسلمات وقتلهن، فاز مودي ثانية بالانتخابات بسهولة كبيرة. وعلى الرغم من أنه ممنوع من دخول الولايات المتحدة إلا أن مودي بات محط اهتمام وتودد من قبل الشـركات الهـنديـة، بما فـيها «تاتا»، ويتوقع كثيرون أنه سيكون رئيس حكومة الهند المقبل.

وبعد أن أصبح اليمين الاسرائيلي آخر المستفيدين من إرهاب الدولة، هل حان الوقت كي نتساءل: هل يمكن الاعتماد على المؤسسات الانتخابية لتصوغ لنا مفاهيمنا الأخلاقية، وهي تقول «عليك أن تثق بالغالبية» . لكن، غالبا فإن هذه الغالبية غير قادرة على التصرف حسب الحس السليم.



❊ كاتب هندي

ترجمة: حسن عبده حسن عن «الإندبندنت»

تويتر