أوباما أمام بديلين.. الإسرائيلـي أو الـتركي

باراك أوباما. إي. بي. أيه ــ أرشيفية

قد لا يعجبك أسلوب رئيس الوزراء (التركي) رجب طيب اردوغان، وربما يحق لك ان تجادل بأن تركيا لا تستطيع لعب دور إقليمي من دون ان تحل مشكلاتها الداخلية، وهو الدور الذي يرغب حزب العدالة والتنمية الحاكم لعبه.

وربما تقول في هذا الصدد: إن هذا الحزب استطاع أن يفلت بصعوبة من الحظر الذي كانت المحكمة الدستورية ستفرضه عليه العام الماضي، وقد تعتقد بأنه من دون الرقابة التي يفرضها الجيش على الممارسة الديمقراطية لا يستطيع الحزب الحاكم ان يحكم نفوذه، وربما تقول: إن الأزمة الاقتصادية قد تطيح السند الشعبي الذي يتمتع به الحزب الحاكم، والاهم من ذلك قد تشير إلى تلك الحقيقة التي مؤداها انه من دون اتخاذ خطوات لإخماد تمرد حزب العمال الكردستاني، فإن تركيا ستظل معرضة للخطر، وقد تكون لك مبرراتك الخاصة بطرح هذه التساؤلات.

بيد أن جميع هذه التساؤلات لن تغير أبدا من حقيقة الجهود التي يبذلها حزب العدالة والتنمية في إعادة تحديد دور تركيا العالمي ـ في الوقت الذي تواجه فيه العديد من المشكلات الداخلية ـ كدولة ذات اقتصاد متنامٍ وممارسة ديمقراطية يقوى عودها باستمرار، تسعى لإحلال السلام والاستقرار.

أيضا استطاعت تركيا أن تحقق تقدما ملحوظا في سياستها الخارجية بفضل التوجهات التي صممها كبير مستشاري رئيس الوزراء احمد دافوتوغلو، مقارنة مع وضع تركيا قبل فترة لا تزيد على 10 أعوام، حيث كانت تتصف بعلاقات متصادمة تقريبا مع جميع جيرانها، كما أن تهديداتها العسكرية أصبحت سمة غالبة على سياستها الخارجية.

استطاعت تركيا ان تفي بمعايير كوبنهاغن السياسية ودخلت في مفاوضات بشأن عضويتها في الاتحاد الاوروبي على الرغم من بطء تلك الخطوات في هذا المجال. وربما لم تصل تركيا حتى الآن الرقم «صفر»، في مشكلاتها مع جيرانها لكنها استطاعت تحسين علاقاتها مع الجميع، صحيح ان تركيا لم تصل الى تسوية للمسألة القبرصية ولا حتى منازعاتها مع اليونان الا ان الحرب أصبحت مستبعدة مع اليونان او القبارصة اليونانيين، صحيح ايضا ان تركيا لم تعد علاقاتها الدبلوماسية مع ارمينيا كما أن الحدود ظلت مغلقة بين البلدين، الا ان هناك تقارباً مبشراً بين الجانبين. تحسنت من ناحية أخرى علاقات تركيا بدرجة كبيرة مع روسيا وإيران وسورية، وذهبت إلى ابعد من ذلك لتطبع علاقاتها مع الحكومة الإقليمية في كردستان العراق.

تركيا بوصفها عضوا في المجلس الأوروبي منذ 1949 وفي دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ ،1952 تتفاوض مع جميع ممثلي الدول وغيرهم ممن لهم شرعية ديمقراطية (بما في ذلك حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية حماس) في الشرق الأوسط، وهي في سبيل ذلك تعمل كجسر بين الغرب والمنطقة، ما يسهل الحوار مع إيران وسورية. ودخلت في تحالفات عسكرية وعلاقات اقتصادية متنامية مع إسرائيل والتي من المحتمل ألا تتأثر كثيرا بالازمة الحالية في غزة.

ينبغي ايضا ان نتذكر ان (الرئيس الإسرائيلي) شمعون بيريز الذي حاول توبيخ اردوغان في منتدى دافوس يعتبر أول رئيس إسرائيلي يخاطب البرلمان التركي العام الماضي، وهي الفترة التي وصفتها وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني بأنها من أفضل الفترات على الإطلاق التي مرت على علاقات البلدين. أيضا سهلت أنقرة الحوار بين باكستان وإسرائيل، كما أنها بذلت جهودا مقدرة للمساعدة في مشروع السلام بين سورية وإسرائيل. ولا شك في أن السياسة الخارجية التركية تحت قيادة الحزب الحاكم تتبنى خيار حل النزاعات بالطرق الدبلوماسية والحوار، وهو الخيار السياسي بدلا من الحل العسكري للنزاعات.

إسرائيل من الناحية الأخرى، تتبنى النقيض، وهو الحل العسكري، حيث إنها غير مكترثة بالتوصل إلى سلام مع سورية دعك من الفلسطينيين، ونستطيع بوضوح ان نرصد السياسة الاسرائيلية حيال الفلسطينيين. اولا، اطالة امد الاحتلال واضطهاد الشعب الفلسطيني اطول مدة ممكنة على امل ان يوافقوا في يوم من الايام على شروط السلام الإسرائيلية، ثانيا، اتباع سياسة «فرق تسد»، من اجل تعميق واستغلال الخلافات بين الفلسطينيين، ثالثا، استغلال اتفاقية أوسلو الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية لتوسيع نطاق المستوطنات في الضفة الغربية، وأيضا استغلال وقف إطلاق النار مع حماس من اجل الإعداد لعمل عسكري في غزة، رابعا، رفضها التفاوض معتبرة منظمة التحرير الفلسطينية في بادئ الأمر كمنظمة إرهابية وفي ما بعد اتهمت حماس بالتهم نفسها وذلك من اجل أن تتحاشى المفاوضات، خامسا، الاعتماد بالطبع على المسار الوحيد المتبقي والمتمثل في الحل العسكري، ومهاجمة لبنان لإخضاع حزب الله ومهاجمة غزة لإخضاع حماس وضرب سورية وإجراء استعدادات لضرب إيران لمنعها من حيازة القدرة النووية في الوقت الذي تطور فيه سرا ترسانتها النووية.

والسؤال الذي يواجهه اوباما في الشرق الأوسط يتمثل في: هل سيسعى خلف الخيار التركي والذي يرتكز على الدبلوماسية والتفاوض مع جميع الأطراف المعنية، أم الخيار الإسرائيلي الذي يعتمد على الآلة العسكرية ومبادئ بوش «إما أن تكونوا معنا أو ضدنا».


* عن «صحيفة زمان التركية»

تويتر