إسرائيل تفشل في تحقيق أهدافها

إسرائيل لم تحقق في قطاع غزة إلا الدمار والمزيد من الضحايا. رويترز

من الصعوبة البالغة تبرير العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، فهو في منتهى القسوة والعبثية بامتياز في الوقت ذاته، فقد أودى حتى الآن بحياة أكثر من 1200 فلسطيني وأوقع بضعة آلاف من الجرحى غالبيتهم من المدنيين، وحينما تشارك قوات إسرائيلية كبيرة تساندها اعداد ضخمة من المدافع والدبابات في محاصرة وقصف منطقة صغيرة مكتظة بالسكان، وتقول إسرائيل إنه ليست هناك مشكلة إنسانية، فإن من المنطقي القول إن هذا العدوان غير مقبول ويعزز موقف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في المنطقة.

ولا أحد ينكر الحاجة الى عمل شيء ما بشأن وقف الصواريخ التي تطلق على «أهداف مدنية» في إسرائيل، وما اوقعته هذه الصواريخ من قتلى وجرحى في صفوف الإسرائيليين (اربعة اسرائيليين حسب الاحصاءات الإسرائيلية)، لكن القصف العنيف المتواصل والعشوائي بلا تمييز والتدمير الشامل ليس الجواب.

وهناك القول المأثور بأن الدبلوماسية هي «الحرب بوسائل أخرى»، والمسؤولون الإسرائيليون يقولون إن «العمل العسكري سيغير المعادلة»، ما يعني ان ذلك سيعزز موقفهم الدبلوماسي وقدرتهم على المساومة، كما يقول السفير الإسرائيلي في لندن رون بروزر ان ما يجري في غزة «سيقوي المعتدلين».

لكن النتيجة ستكون بالطبع معاكسة تماماً، فقد اكتسب الفلسطينيون سمعة قوية من التصميم والشجاعة، وما يحدث سيعزز موقف حركة حماس اقليمياً، وكما أدى فشل الإسرائيليين في جنوب لبنان 2006 الى تعزيز صورة حزب الله وزيادة شعبيته، ستسلط الحرب على غزة الضوء على ضعف بعض الحكومات الموالية للغرب في المنطقة وتعرية مواقفها المتخاذلة أمام شعوبها.

والدرس الأول الذي ينبغي لكل ضباط الجيش الإسرائيلي استيعابه مما يجري هو «ضرورة أن تحدد هدفك»، وما الذي يمكن لذلك الجيش أن يأمل جدياً في إنجازه؟ أّهو تدمير البنية التحتية «للإرهاب»؟ مثل تدمير شبكة الاتصالات، حيث يمكن اعادة بنائها أو استبدالها بأخرى جديدة، أو تدمير الأنفاق التي يمكن تغييرها، أم تصفية القيادات؟. لقد تم اغتيال وقتل عدد قليل وقد يكون البقية سائرين على خطى من سبقوهم، أو تفصلهم عنهم خطى كثيرة وبعيدة. والنتيجة هي انه لم يتحقق حتى الآن هدف عسكري واضح أو محدد، حيث يمكننا ملاحظة توخي الناطقين باسم الجيش الإسرائيلي الحذر بشأن هذه النقطة الأساسية.

كما أنه ليست هناك أهداف إقليمية يمكن ان تبرر مشاعر الكراهية والعداء لدى ملايين المسلمين، ومشاعر الاشمئزاز لدى ملايين الأوروبيين وغيرهم في مختلف أرجاء العالم. ويجب ان يكون المفتاح سياسياً في الانتخابات الإسرائيلية المقررة الشهر المقبل، فالمناورات واضحة وإسرائيل تهتز على إيقاع التنوع، لكن نظامها السياسي يعطي قوة غير ضرورية للمتشددين الدينيين، وأصبح مجتمعها «معسكراً»، أو أسيراً للروح العسكرية على مدى سنوات.. وهذا ما يسير في اتجاه طريق طويل يساعد في تفسير أسباب ازدياد تدهور الوضع في الشرق الأوسط، على الرغم من متابعتي له منذ 40عاماً، وكل ما تغير هو تراكم الإحباط في جميع انحاء العالم الإسلامي، حيث يؤثر ذلك في انسجام مجتمعاتنا في الغرب.

وأساند التزام بريطانيا في أمن إسرائيل، لكن ذلك لا يمكن ان يمتد الى ما يراه الإسرائيليون حدوداً لهم، ولدينا في بريطانيا مواطنون متحدرون من اصول فلسطينية وإسرائيلية، ويتنازعون على صوت أي الفريقين الجدير بالاستماع، وسياستنا يجب ان تستتجيب للرأي المعتدل في الجانبين، ويجب علينا ألا نعمل من غير انتباه أو قصد على إذكاء نار النقمة والاستياء في صفوف مواطنينا البريطانيين.


اندرو غرين دبلوماسي بريطاني سابق، وباحث مختص بالشرق الأوسط.

تويتر