حرب إسرائيلية غير ضرورية

باراك يتحدث إلى ضباطه بشأن خط سير الحرب. أ.ب

أعلم من تجربتي الشخصية ان الغزو الاسرائيلي المدمر لقطاع غزة كان من الممكن تفاديه بسهولة. فبعد زيارتي لسيدروت ابريل الماضي، واطلاعي على الدمار النفسي الذي خلفته الصواريخ ايقنت انا وزوجتي، روزالين، ان إطلاق تلك الصواريخ عمل إرهابي لا يمكن تبريره.

وعلى الرغم من ضآلة حجم الخسائر البشرية على الجانب الإسرائيلي (ثلاثة قتلى في سبع سنوات) اصيبت المدينة بالهلع جراء الانفجارات غير المتوقعة. و نزح ما يصل الى ثلاثة آلاف من السكان لاماكن أخرى، وأصبحت الشوارع والملاعب ومراكز التسوق خالية تقريبا. ودعا عمدة المدينة بمكتبه مجموعة من السكان لاستقبالنا وللشكوى من ان الحكومة الإسرائيلية لم تبذل جهدا دبلوماسيا او عسكريا لإيقاف تلك الصواريخ.

وبما اننا كنا سنقابل يومها قادة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في قطاع غزة وفي دمشق، فقد وعدنا بان نضع في الاعتبار وقف اطلاق النار. وعلمنا من رئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان، الذي كان يضطلع بمهام تقريب المسافة بين حماس والاسرائيليين، علمنا بان هناك اختلافا جذريا بين الجانبين، حيث ترغب «حماس» في وقف شامل لاطلاق النار في كل من الضفة الغربية والقطاع، وترفض اسرائيل مناقشة أي شيء سوى غزة.

نعلم جيدا ان سكان القطاع البالغ عددهم مليونا ونصف المليون نسمة يتعرضون للتجويع، ووفقا لمقرر الامم المتحدة الخاص بالحق في الطعام جان زيجلر فإن سوء التغذية الحاد في غزة يقع على المستوى نفسه الذي تعيشه افقر الامم جنوب الصحراء، في الوقت الذي تتناول فيه معظم الأسر الفلسطينية وجبة واحدة في اليوم.

ويدعي زعماء «حماس» في غزة أن الصواريخ هي الوسيلة الوحيدة التي تساعدهم على فك الحصار وتعكس محنتهم الإنسانية. ووافق الزعماء في دمشق على وقف إطلاق النار، شريطة التزام إسرائيل بعدم مهاجمة غزة، وسماحها بوصول الإمدادات الإنسانية العادية لجميع السكان.

وبعد نقاش مستفيض مع «حماس» في غزة وافق زعماؤها ايضا على قبول أي اتفاقية سلام تجري المفاوضات بشأنها بين الاسرائيليين ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يتزعم ايضا منظمة التحرير الفلسطينية، شريطة ان تجاز هذه الاتفاقية باغلبية الشعب الفلسطيني من خلال استفتاء او حكومة وحدة وطنية منتخبة.

وبما اننا مراقبون فقط ولسنا مفاوضين، نقلنا هذه البيانات للمصريين الذين بدورهم تداولوا مع «حماس» هذا المقترح. وبعد نحو شهر من ذلك علمنا من «حماس» والمصريين أن الأعمال العسكرية بين الجانبين، وكذلك إطلاق الصواريخ سيتوقف في 19 يونيو ولفترة ستة أشهر، وان الإمدادات الإنسانية سيتم استئنافها على المستوى العادي الذي كانت تسير عليه قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2005 (نحو 700 شاحنة في اليوم).

لم نستطع الحصول على تأكيد بذلك من الجانب الإسرائيلي لعدم استعداد اسرائيل للاعتراف باي مفاوضات مع حماس، بيد ان اطلاق الصواريخ توقف بعد فترة قصيرة، وورد المزيد من امدادات الطعام والمياه والادوية والوقود للقطاع، إلا ان معدل الزيادة لم يبلغ اكثر من 20% من المستوى العادي، كما ان الهدنة الهشة تم خرقها جزئيا في ٤ نوفمبر الماضي، عندما شنت اسرائيل هجوما على غزة لتدمير نفق دفاعي أنشأته «حماس» داخل الحائط الذي يحيط بغزة.

في زيارة اخرى لسورية منتصف ديسمبر الماضي بذلت محاولة اخرى لتمديد وقف إطلاق النار بعد انقضاء الستة أشهر، ويبدو أن الموضوع الملح كان فتح المعابر، وزار ممثلون من «مركز كارتر» القدس، واجتمعوا مع مسؤولين اسرائيليين ليستفسروا منهم عن ما إذا كان ذلك الامر ممكنا نظير وقف إطلاق الصواريخ. واقترحت الحكومة الإسرائيلية رسميا انه من الممكن السماح بوصول 15% من الإمدادات العادية إلى غزة، شريطة أن توقف «حماس» إطلاق جميع الصواريخ خلال 48 ساعة، ولم تقبل «حماس» بذلك واندلعت على إثرها الأعمال العدائية.

بعد 12 يوما من «القتال» أفادت قوة دفاع إسرائيل ان أكثر من ألف هدف تم ضربه أو تفجيره، وخلال ذلك الوقت رفضت إسرائيل الجهود الدولية لوقف إطلاق النار بمؤازرة كاملة من واشنطن. ودمرت إسرائيل خلال ذلك 17 مسجدا إضافة للمدرسة الأميركية الدولية، وعديد من المنازل والبنية الأساسية لهذه المنطقة المكتظة بالسكان، بما في ذلك شبكة المياه والكهرباء والمجاري الصحية، وابلغ متطوعون طبيون شجعان قادمون من دول عدة عن الخسائر البشرية الجسيمة، حيث كان الأكثر حظا منهم يعملون على ضوء مولدات الكهرباء.

وعندما تدرك إسرائيل و«حماس» والولايات المتحدة انه لا جدوى من هذه الأعمال العدائية، فربما كان هناك أمل في وقف آخر لإطلاق النار، وعندها ستتوقف الصواريخ مرة أخرى وتصل إلى غزة مستويات كافية من الإمدادات الإنسانية، وستكون الخطوة التالية هي السلام الدائم والشامل.



 الرئيس الأميركي السابق

ترجمة: عوض خيري

عن واشنطن بوست

تويتر