75% من سكانها يحملون جوازات سفر رومانية

هل ستكون مولدوفا هدف روسيا المقبل بعد أوكرانيا

صورة

أثار الغزو الروسي لأوكرانيا، أواخر فبراير الماضي، مخاوف كبيرة، خشية اتساع نطاق الهجوم الروسي ليشمل دولاً أخرى، كانت يوماً جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، مثل مولدوفا.

واستدعت وزارة الخارجية في مولدوفا السفير الروسي، الشهر الماضي، وأعربت عن «القلق البالغ» إزاء تصريحات قائد عسكري كبير، قال إن السكان الناطقين بالروسية في البلاد يتعرضون للقمع، كما حذر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، من عزم موسكو الاستيلاء على دول أخرى.

ونقلت وكالات أنباء رسمية روسية عن نائب قائد قوات المنطقة العسكرية الوسطى في الجيش الروسي، روستام مينيكايف، القول إن السيطرة الكاملة على جنوب أوكرانيا من شأنها أن تتيح لبلاده الوصول إلى ترانسنيستريا، وهي إقليم انفصالي تحتله روسيا شرق مولدوفا، ويتاخم حدود جنوب غرب أوكرانيا: فهل تكون مولدوفا وجهة الروس المقبلة بعد أوكرانيا؟

أهمية رمزية

وبحسب تحليل نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأميركية، للدكتور رونالد ليندن، أستاذ فخري العلوم السياسية بجامعة بيتسبرغ - حيث كان تولى منصب مدير الدراسات الروسية وأوروبا الشرقية ومدير الدراسات الأوروبية - فإن دولة مولدوفا الصغيرة التي تقع جنوب شرق أوروبا، وهي إحدى أفقر دول القارة، لها أهميتها الرمزية التي تتجاوز حجمها، في أوروبا، وما وراء ذلك.

ويقول ليندن إن مولدوفا، بفضل تاريخها، كانت دوماً مؤشراً على قوة روسيا، وبالنسبة لكثيرين، تعد بمثابة «أوكرانيا مصغرة»، وربما تكون التالية التي تلقى مصير جارتها.

واستعرض ليندن في تحليله تاريخ مولدوفا منذ كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية حتى القرن الـ19، ثم جرى تقسيمها على مدار قرنين، وضمها ذهاباً وإياباً بين روسيا وخصومها. وانتهى بها المطاف جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق.

وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وانفصال مولدوفا عنه في عام 1991، واجهت البلاد انفصالاً داخلياً، إذ حدث في أعقاب حرب قصيرة عام 1992 ظهور إقليم ترانسنيستريا الانفصالي، الموالي لروسيا، وتمركُز 1500 من قوات «حفظ السلام» الروسية في المنطقة، حتى اليوم.

وللوهلة الأولى، تظهر مولدوفا، «أوكرانيا مصغرة»، يتوقع لها أن تكون هدف الخطوة التالية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في سبيل إقامة إمبراطوريته الجديدة.

ومثل أوكرانيا، لم تظهر مولدوفا أبداً كدولة مستقلة، وظلت لعقود جزءاً من الاتحاد السوفييتي، كما أن الحكومة المركزية في الدولتين لا تحكم، بالفعل، جزءاً من أراضي البلاد. وفي ترانسنيستريا (500 ألف نسمة) ثلث السكان من الروس، ونحو الربع من الأوكرانيين، والروسية هي اللغة الإدارية السائدة هناك، كما توجد اللغة المولدوفية-الرومانية بأبجدية كريليك.

ديمقراطية فاعلة

وكما هو الحال مع أوكرانيا، تسعى مولدوفا إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي، ووقعت مع بروكسل في عام 2014 «اتفاقية تجارية عميقة وشاملة»، وهو الأمر نفسه بالنسبة لأوكرانيا. وقدمت مولدوفا طلب الانضمام في العام نفسه. ومثل أوكرانيا أيضاً، ولكن مع ظروف اقتصادية أقل حظاً، تعتبر مولدوفا ديمقراطية فاعلة.

وبحسب تحليل ليندن، فإن النجاح الديمقراطي، على وجه التحديد، هو أكثر ما يثير خوف بوتين، الذي لا يستطيع ادعاء وجود تقارب عرقي أو «هيمنة» في مولدوفا، كما يفعل مع الأوكرانيين. كما أن مولدوفا ليست لها حدود مع روسيا، ولها دولة «مرجعية» هي رومانيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي. ويحمل نحو 75% من سكان مولدوفا جوازات سفر رومانية.

وقد زاد التأثير الاقتصادي للغرب في مولدوفا، مثل أوكرانيا، على مدار العقد الماضي، والاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للبلاد، وأكبر مستثمر فيها. ويستطيع سكان مولدوفا، حتى من الإقليم الانفصالي، دخول دول الاتحاد دون تأشيرة.

حياد

ولكن الأمر يختلف في ما يتعلق بـ«الناتو»، فهناك احتمال أقل بالنسبة لقدرة مولدوفا على الانضمام للتحالف، حيث ينص دستور البلاد على الحياد. وكشف استطلاع قبل حرب أوكرانيا عن أن 20% من سكان البلاد، فقط، يفضلون الانضمام إلى «الناتو»، وليس لدى مولدوفا مميزات عسكرية كبيرة تستطيع أن تقدمها للحلف.

ولكن بالنسبة لـ«الناتو» والغرب، فإن تعطيل مخططات روسيا في أراضي مولدوفا أمر مهم للغاية. وأثارت تصريحات نائب قائد قوات المنطقة العسكرية الوسطى في الجيش الروسي بشأن ترانسنيستريا، اهتمام صناع السياسة في الغرب. كما وصفت منظمات دعائية رئيس مولدوفا بأنه نازي. وتذكرنا هذه الادعاءات بما حدث مع منطقة دونباس في أوكرانيا.

مبرر التدخل

وهذه الادعاءات، إضافة إلى التفجيرات التي لم تجد تفسيراً في تيراسبول، عاصمة ترانسنيستريا، من شأنها أن تعطي موسكو مبرراً للتدخل. ومن الناحية العسكرية، ستكون سيطرة روسيا على ترانسنيستريا ميزة كبيرة لقواتها في جنوب أوكرانيا.

ويبدو أي تهديد عسكري لمولدوفا حالياً أمراً غير محتمل، حيث إن الروس يواجهون ما يكفيهم ويزيد، في أوكرانيا. كما أن موسكو لم تظهر قدرة كبيرة على تحريك تجمعات كبيرة من القوات في أنحاء البلاد من أجل هدف فعال.

ورغم ذلك، تظل مولدوفا دولة صغيرة وفقيرة، يمكن أن تؤثر فيها ضغوط روسيا الاقتصادية، حيث تحصل البلاد على معظم احتياجاتها من الطاقة من الغاز الروسي عبر شركة غازبروم، والذي يذهب، دون مقابل، إلى إقليم ترانسنيستريا، حيث تقع محطة توليد الكهرباء الأكبر في مولدوفا، ويرتفع سعر الغاز الذي تتلقاه مولدوفا بشكل مطرد.

تداعيات

وخلّفت حرب أوكرانيا تداعيات على جهود مولدوفا في البحث عن مصادر أخرى، كما تراجعت تحويلات العاملين بالخارج، والتي تشكل نحو 16% من إجمالي الناتج المحلي. وليس من المتوقع أن يحقق اقتصاد مولدوفا نمواً هذا العام، بحسب توقعات البنك الدولي.

أما في ما يتعلق بالمستقبل، فإن لوجود مولدوفا الديمقراطية والمستقلة على مدار 30 عاماً، أهمية رمزية أكثر منها فعلية. وبالنظر إلى ماضي مولدوفا، وتركيبة البلاد غير المتجانسة، والإرث الاقتصادي الضعيف، والوجود في محيط مضطرب، تبدو قدرة البلاد على الاستمرار بمثابة معجزة.

وفي ختام التحليل، يشير ليندن إلى أن مستقبل مولدوفا سيعتمد إلى حد بعيد على القوى المحيطة بها. وهي تعد مثالاً على ما يمكن أن تقدمه الشجاعة والخيال، إذا ما تركها العالم لتفعل ذلك بمفردها.


• مولدوفا، بفضل تاريخها، كانت دوماً مؤشراً على قوة روسيا، وبالنسبة لكثيرين، تعد بمثابة «أوكرانيا مصغرة»، وربما تكون التالية التي تلقى مصير جارتها.

• مثل أوكرانيا، لم تظهر مولدوفا أبداً كدولة مستقلة، وظلت لعقود جزءاً من الاتحاد السوفييتي، كما أن الحكومة المركزية في الدولتين لا تحكم، بالفعل، جزءاً من أراضي البلاد.

• النجاح الديمقراطي، على وجه التحديد، هو أكثر ما يثير خوف بوتين، الذي لا يستطيع ادعاء وجود تقارب عرقي أو «هيمنة» في مولدوفا، كما يفعل مع الأوكرانيين. كما أن مولدوفا ليست لها حدود مع روسيا.

تويتر