نيودلهي لم تُخطر إسلام آباد بالإطلاق وفقاً للاتفاقية الثنائية

حادثة الصاروخ البالستي كادت تُشعل فتيل حرب نووية بين الهند وباكستان

صورة

في 10 مارس 2020، عقد مسؤول باكستاني مؤتمراً صحافياً، وأعلن أنه في اليوم السابق، في 9 مارس، قطع صاروخ أسرع من الصوت، قادماً من الهند مسافة 124 كيلومتراً، على ارتفاع 40 ألف قدم، وتحطم بالقرب من مدينة ميان تشانو، بمقاطعة خانيوال الباكستانية. وبعد يومين، أكدت وزارة الدفاع الهندية، رسمياً، وقوع الحادث، مشيرة إلى أن صاروخاً أُطلق «عن طريق الخطأ»، أثناء الصيانة الروتينية.

أخبار صادمة

وفي حين أن تفاصيل الحادث ستظهر على السطح بعد إجراء تحقيقات شاملة، فقد صدمت أخبار إطلاق الهند لصاروخ «كروز» أسرع من الصوت، على باكستان - خصمها النووي - العديد من صانعي السياسة، الذين يدركون العواقب المحتملة لمثل هذه الحوادث. وتمت الإشادة باستجابة باكستان الفورية باعتبارها «ناضجة» و«مسؤولة». ومع ذلك، طالبت إسلام آباد بإجراء تحقيق مشترك، لأنه كان من الممكن أن يؤدي إلى عواقب أكثر خطورة بكثير.

أولاً، وقبل كل شيء، التوقيت مشبوه: بعد أسبوع واحد، فقط، من اكتشاف البحرية الباكستانية غواصة تابعة للبحرية الهندية في منطقتها الاقتصادية، تحطم صاروخ هندي داخل باكستان. وهذا يثير مخاوف جدية بشأن نوايا القيادة العسكرية الهندية. ومن الإنصاف القول إنه لا يوجد نظام موثوق به بنسبة 100%، وقد تقع الحوادث لأسباب غير متوقعة، لكن تعامل الحكومة الهندية، بشكل عام مع هذه المشكلة، كان غير مسؤول إلى حد كبير.

وأثارت حقيقة أن السلطات الهندية لم تستخدم خيار التدمير الذاتي بعد الإطلاق «العرضي»، ولم تكلف نفسها عناء إبلاغ الجانب الباكستاني على الفور، أسئلة حول نظام القيادة والسيطرة الهندي، وثقافتها الاستراتيجية، وقدرتها على التعامل مع هذه التكنولوجيا الحساسة.

ولم يشمل البيان الرسمي الهندي أية معلومات بشأن نوع الصاروخ، لكن المعلومات المتاحة تتطابق مع ملف تعريف رحلة صاروخ «براهموس» كروز. وبينما صنفت الهند هذا المقذوف على أنه صاروخ تقليدي (في المقام الأول لتجنب وصفه بأنه منتهك لإرشادات نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ)، فإنه قادر على حمل حمولة نووية، أيضاً. وبغض النظر عن التصنيف المذكور، من المرجح أن يتم تفسير أي صاروخ قادم على أنه نووي، في بيئة أمنية مشحونة، لأنه من المستحيل التمييز بين الحمولة التي يحملها أي صاروخ قادم.

هل هي فجوة أمنية

ومن الضروري تحديد ما إذا كان هذا الحادث نتيجة لفشل في السلامة أو فجوة أمنية. ووفقاً للتقارير الأولية، قام مركز عمليات الدفاع الجوي التابع للقوات الجوية الباكستانية بتتبّع رحلة الصاروخ في مرحلته الأولية. وبحسب ما ورد، تم إطلاقه من قاعدة جوية هندية تحت القيادة الجوية الغربية في منطقة سيرسا، هاريانا. وتم رصد الصاروخ على ارتفاع 40 ألف قدم، ما يوحي بإمكانية إطلاقه من الجو. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يكون اختباراً لنسخة جوية من «براهموس» قد حدث خطأً، إذ لم يتم إصدار إشعار للمهمات الجوية، «نوتام»، والموقع غير معروف باختبارات الصواريخ. وتُجرى اختبارات الصواريخ الهندية في الغالب في ميدان اختبار «بوخران»، في راجاستان أو نطاق الاختبار المتكامل «أي تي آر»، في شانديبور على خليج البنغال.

وتثير طبيعة الحادث القلق، بشأن هذا الادعاء، بوقوع إطلاق عرضي، أثناء الصيانة، وتلمح إلى التهاون المحتمل أو الانتهاكات الجسيمة لبروتوكولات السلامة من قبل السلطات المعنية.

تهديد الطيران المدني

كما شكّل إطلاق الصاروخ تهديداً خطيراً للطيران المدني، إذ كانت مجموعة من الرحلات التجارية، تحلق على هذا المسار، وقت إطلاق الصاروخ. وكان بإمكان الحكومة الهندية إصدار إشعار طارئ للطائرات القادمة لتجنب كارثة جوية محتملة.

ويضع الحادث، أيضاً، علامة استفهام حول قوة ونطاق تدابير بناء الثقة الجارية بين الهند وباكستان. وتم إنشاء اتفاقية الخط الساخن في 2004، لهذا الغرض بالذات، للإبلاغ عن أي حالة طوارئ قد تؤدي إلى أي أزمة غير مقصودة؛ ولكن لم تتخذ الهند هذا الإجراء الضروري. كما وافقت نيودلهي وإسلام آباد على الإخطار المسبق باختبار طيران الصواريخ البالستية، أيضاً.

وفي عام 2005، اقترحت باكستان تضمين الإخطار المسبق بتجارب صواريخ «كروز»، أيضاً، لكن الهند لم تقبل. وفي حين أن إخطار اختبار الصواريخ البالستية يهدف إلى تجنب التصعيد غير المقصود، إذ يمكن إساءة تفسير مسار الصاروخ على أنه ضربة استباقية من قبل الخصم، فإن إخطار صاروخ «كروز»، لا يخدم هذا الغرض، لأن الصاروخ يظل في مسارات منخفضة الطيران وصعب التتبع.

ومن المهم تسليط الضوء على أن الهند تصرفت خلافاً لتدابير بناء الثقة المتفق عليها بشكل متبادل، لأنها لم تُخطر باكستان بشأن تجاربها للصواريخ البالستية من منصات تحت البحر، لأنها تعتبر أن اتفاقية عام 2005 مخصصة، فقط، للصواريخ المنطلقة من على سطح الأرض. وبالنظر إلى هذه الثغرات، من المهم النظر في توسيع نطاق اتفاقية اختبار الصواريخ الباكستانية والهندية.

العقلانية

وترتكز المسؤولية النووية على عنصر العقلانية، فبعد إسقاط طائرة هندية في مناوشة جوية مع باكستان، في فبراير 2019، هدد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بشن «هجوم كبير» إذا لم تُعِد باكستان الطيار المحتجز. ولذلك، من المحتمل جداً أن هذا قد لا يكون حادثاً، ويمكن أن يكون عملاً متعمداً.

وللجيش الهندي تاريخ في التورط في أنشطة بهدف توريط باكستان. ومن الأمثلة على ذلك، المقدم شريكانت براساد بوروهيت، الذي ساعد في تنفيذ هجمات مثل انفجار القطار السريع في 2007، وتفجير قنبلة ملاغيون، في 2008. وبغض النظر عما إذا كان إطلاق الصاروخ عرضياً أو متعمداً، فإن هذا الحادث هو تذكير صارخ بأن منطقة جنوب آسيا لاتزال نقطة اشتعال نووي. كما أنه يفضح التركيز غير المتناسب على باكستان وحدها، والإهمال الصارخ لسجل الأمن النووي السيئ في الهند، من قبل الخبراء الغربيين والحكومات على حد سواء؛ على أمل أن يؤدي هذا الحادث إلى إعادة النظر من قبل المسؤولين في واشنطن، وأن تكون المؤسسة الأمنية الهندية والحكومة على استعداد للإجابة عن بعض الأسئلة الصعبة.

• تُجرى اختبارات الصواريخ الهندية، في الغالب، في ميدان اختبار «بوخران»، في راجاستان، أو نطاق الاختبار المتكامل «أي تي آر»، في شانديبور على خليج البنغال.

• يضع الحادث علامة استفهام حول قوة ونطاق تدابير بناء الثقة الجارية بين الهند وباكستان. وتم إنشاء اتفاقية الخط الساخن في 2004، لهذا الغرض بالذات، للإبلاغ عن أي حالة طوارئ قد تؤدي إلى أي أزمة غير مقصودة، لكن الهند لم تتخذ هذا الإجراء الضروري.

تويتر