المرصد.. «الهروب الإلكتروني»

جسدت الصورة المتداولة للطائرة الأميركية في مطار كابول، التي يندفع إليها المئات ويتعلق بأبوابها وأجنحتها العشرات، جانباً من المشهد الدائر الآن في أفغانستان، بعد انسحاب القوات الأميركية ودخول حركة «طالبان»، لكن هروباً آخر لا يقل أهمية شهده العالم الافتراضي من صفحاته ومواقعه ولم يتابعه كثيرون، هو «الهروب الإلكتروني».

ففي تقرير نشره موقع «وايرد» اندفع آلاف الأفغان، وبعد طول تردد ما بين صورة «طالبان» القديمة وتصريحات قادتها الجديدة، إلى صفحاتهم وحساباتهم الإلكترونية «يدلتون» (يمسحون) صوراً وتعليقات وفيديوهات ومواد، خوفاً من أن تسبب لهم مشكلات.

ويورد الموقع نموذجاً من هؤلاء الفارين الإلكترونيين، هو محب الله الذي يعمل مترجماً، والذي ترك عمله وسافر مئات الأميال ليصل الى الكومبيوتر المنزلي الخاص به ليمحو مستندات وأوراقاً، كما تورد شهادات لأفغان كانوا يعملون مع جهات غربية عدة يفعلون الشيء نفسه.

ويكشف التقرير عن نموذج آخر للمتوجسين الكترونياً، والذين لم يعملوا مع أميركيين أو غربيين، لكنهم أفرطوا في نشر أحداث حياتهم وتفصيلاتهم الشخصية وصورهم وصور أحبائهم بعفوية، ودون معايير متحفظة على صفحاتهم، وتتلخص مخاوف هؤلاء من عدم اطمئنانهم للفهم الثقافي أو القانوني للقادمين الجدد، وما اذا كانت بعض الصور أو الفيديوهات أو التعليقات ستقع في دائرة التحريم أو التجريم.

ويكشف التقرير ايضاً عن توجس، لم يقتصر على الأفغان وانما على جهات أخرى شبه محايدة (عملها تطوعي او انساني رغم انتمائها الغربي) ، مثل «هيئة المعونة الأميركية»، التي سارعت الى بعث رسالة الى جميع موظفيها تطالبهم بالذهاب الى صفحاتهم على وسائل التواصل، و«محو كل الصور والمعلومات والتعليقات التي تجعل أي فرد منهم عرضة للمخاطر، بما في ذلك المعلومات الشخصية، وحتى لا تقع هذه الأشياء في اليد الخطأ».

هذا، وكما شهد العالم الواقعي مشكلات جمة في الهروب الكبير، شهد العالم الافتراضي تخبطاً مماثلاً لسرعة الحدث.

فقد أصدرت منظمة «هيومان رايتس فرست» دليلاً أتاحته على موقعها، لتعليم الناس كيفية محو معلوماتهم نهائياً من على الشبكة، لكن الدليل لقي انتقادات واسعة لصدوره بالانجليزية، وثبوت أنه كان في الأصل موجهاً لمتظاهري هونغ كونغ (دليل مستعمل!؟)، لكن الناشطة الأفغانية الحقوقية نجاة داري قررت تدارك الموقف وترجمته في عجالة إلى لغتي الـ«باشتون» و«داري» اللتين يتحدث بهما الأفغان، كما أن نقاشات فنية أخرى تفجرت حول أهمية بعض المستندات أو الأوراق أو الصور، بما يجعل من محوها نهائياً أمراً يمثل خسارة فادحة، وضرورة تدريب الناس على نقلها إلى سحابات إلكترونية.

التجربة الأفغانية برهنت على أن العوالم الافتراضية.. بقدر ما هي تسعد الفرد بقدر ما يمكن أن تخفي في ثناياها ما يؤدي إلى حتفه.

تويتر