يخافون من العودة إلى سريلانكا ومواجهة الاضطهاد

لاجئون من قومية التاميل تعتقلهم أستراليا مهددون بالترحيل

صورة

كانت ثارنيكا تبلغ من العمر ثمانية أشهر عندما اقتحم ضباط قوة الحدود الأسترالية منزل والديها في ريف أستراليا، ليعكّروا صفو الحياة الجديدة التي بدأ والداها، اللاجئان السريلانكيان، يتأقلمان عليها تدريجياً. أثارت عملية الدهم الصادمة التي وقعت عند الفجر، غضب السكان المحليين الذين نظموا في ما بعد حملة وطنية ضد ترحيلهم إلى سريلانكا، التي قد يتعرضان فيها للاضطهاد باعتبارهما من الأقلية التاميلية.

بعد ثلاث سنوات مؤلمة من احتجاز الأسرة في جزيرة كريسماس، تم السماح لثارنيكا بتلقي العلاج الطبي من الأمراض التي أصيبت بها أثناء الحجز هناك، وأخيراً استسلمت الحكومة الأسترالية للضغوط، وسمحت للأسرة بالبقاء على الأقل في الوقت الحالي. هذا الأسبوع، أعلنت الحكومة أن بإمكان الأسرة البقاء رهن الاحتجاز المجتمعي في مدينة بيرث، الى أن يتم الانتهاء من الطعون القانونية على ترحيلها. ويراقب الآلاف من طالبي اللجوء التاميل في أستراليا حالة الأسرة عن كثب.

ولدت ثارنيكا، أربعة أعوام الآن، وشقيقتها كوبيكا، ستة أعوام، في أستراليا، لكن الحكومة ظلت تعتبر إقامة الأسرة بأكملها غير قانونية، لأن الوالدين وصلا عن طريق البحر، عندما دفع الزوجان؛ بريا (الأم)، وناديس موروغابان (الأب)، أموالاً للمهربين لنقلهما إلى أستراليا عن طريق القوارب.

ويقول وزير الهجرة، أليكس هوك، إن أستراليا لا تدين بالحماية للأسرة وآخرين مثلها. ويضيف أن «سريلانكا آمنة، السريلانكيون يعودون من جميع أنحاء العالم إلى بلادهم.. ونرحل السريلانكيين وفقاً للقانون، وهذه هي سياسة الحكومة».

لكن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن الأمر ليس كذلك، فقد شككت الأمم المتحدة، وجماعات حقوقية، ومحكمة بريطانية، أخيراً، في أحد المصادر الرئيسة للمعلومات، التي يستخدمها ضباط الهجرة الأستراليون لحرمان السريلانكيين من وضع اللجوء. وتدعو مجموعات حقوق الإنسان إلى مراجعة عاجلة لجميع حالات لجوء التاميل المرفوضة، بحجة أن تقرير المعلومات الخاص بدولة أستراليا عن سريلانكا، والذي أعدته وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية قديم و«غير دقيق».

اختفاء دون سابق إنذار

لم يكن ناديس وبريا يعرفان بعضهما بعضاً عندما أتيا إلى أستراليا على متن قوارب مملوءة بطالبي اللجوء في عامي 2012 و2013. كانت تلك سنوات الذروة بالنسبة لتدفق اللاجئين إلى أستراليا، قبل أن تغلق الحكومة الباب على الوافدين الجدد، وفقاً لسياسة صارمة. وصل الاثنان قبل الموعد النهائي في يوليو 2013، عندما أعلنت حكومة حزب العمال آنذاك، أنه لن يتم توطين أي طالب لجوء وصل بالقارب إلى أستراليا قبل هذا التاريخ.

كان الزوجان المستقبليان جزءاً من مجموعة «المسار السريع»، وهي مجموعة الأشخاص الذين وصلوا بالقوارب بين 13 أغسطس 2012 والأول من يناير 2014، والذين يمكنهم العيش في المجتمع أثناء معالجة طلبات اللجوء الخاصة بهم. تزوج الاثنان في عام 2014 وانتقلا إلى بيلويلا، وهي بلدة ريفية في كوينزلاند، معروفة لدى السكان المحليين باسم بيلو، ولها تاريخ طويل في الترحيب بالمهاجرين، الذين تشغل مجموعة منهم الوظائف المحلية على الأرض، وفي محطة الطاقة القريبة. وارتبط الزوجان بصداقات قوية مع سكان المدينة. وجد ناديس وظيفة في مسلخ محلي، وكانت بريا تعد وجبة الكاري للموظفين في المستشفى المحلي. كان أصدقاؤهما يعرفون أن لديهما «مشكلات تتعلق بالتأشيرة»، لكن لم يتوقع أحد أن تختفي الأسرة فجأة من هذه المدينة النائية في مارس 2018.

انتشر الخبر في هذا المجتمع الصغير عندما تغيبت بريا عن موعد في المستشفى المحلي للعلاج الطبيعي. يقول صديق العائلة، برونوين دندل: «كان الأمر غير عادي، لقد كانت متفانية للغاية في عملها، وملتزمة بالمواعيد، وكانت تحترم الوقت». وقال دندل إن الناس في البلدة شعروا «بالتعدي» عندما علموا أن أصدقاءهم الجدد قد تم ترحيلهم على متن طائرة، ونقلهم إلى مركز احتجاز للمهاجرين في ملبورن، على بعد أكثر من 1800 كيلومتر (نحو 1118 ميلاً) من بيلو. تبرّع السكان المحليون بالمال لجمع الأموال لمحامي الهجرة. وتقول صديقة الأسرة التي أمضت سنوات في الدفاع عنها، أنجيلا فريدريكس: «في نهاية المطاف، يريد كل من بريا وناديس فقط مستقبلاً آمناً لطفليهما، ونفسيهما».

إعادة الطائرة بقوة القانون

ذات ليلة في أغسطس 2019، أخبر ضباط الهجرة عائلة موروغابان أنهم سيعودون إلى سريلانكا. وهرع المؤيدون إلى المطار لمحاولة منع مغادرة الطائرة، لكنها أقلعت على الرغم من ذلك، بينما سارع المحامون لمنع الطائرة من مغادرة المجال الجوي الأسترالي. وفي هذه الأثناء أصدر قاضٍ أمراً طارئاً أجبر الطائرة على الهبوط في داروين، عاصمة الإقليم الشمالي بأستراليا.

وفي اليوم التالي، تم إرسال العائلة إلى مركز احتجاز مهجور إلى حد كبير في جزيرة كريسماس، على بعد 1500 كيلومتر غرب البر الرئيسي الأسترالي، بينما كانت تتم معالجة إحدى مطالباتهم القانونية النهائية، وتتمثل في أن ابنتهما ثارنيكا، لم تكن مدرجة في طلب الأسرة للحصول على الحماية، لأن ذلك الطلب تم تقديمه قبل ولادتها. وحكم قاضٍ بأنه لا يمكن إبعاد الأسرة حتى تتم معالجة دعواها.

في جزيرة الكريسماس، عاشت الأسرة في مبنى مؤقت من طابق واحد محاط بأسوار من الأسلاك الشائكة. كانت الابنة كوبيكا تذهب إلى المدرسة المحلية كل يوم برفقة الحراس. في الأسبوع الماضي، تم نقل ثارنيكا، التي تبلغ من العمر الآن أربع سنوات، إلى مستشفى بيرث للأطفال بسبب الالتهاب الرئوي وعدوى الدم اللذين أصاباها أثناء الاحتجاز. وأعادت حالة الطوارئ الطبية قضية الأسرة إلى عناوين الصحف الأسترالية، ما أدى إلى مطالبات - حتى من داخل الحزب الحاكم - لوزير الهجرة بالسماح لهم بالبقاء داخل البلاد.

تحيّز ضد اللاجئين السريلانكيين

عائلة موروغابان هي من بين الآلاف من طالبي اللجوء التاميل في أستراليا، الذين طلبت منهم الحكومة الأسترالية العودة إلى ديارهم. ويعتبر السريلانكيون أكبر مجموعة طالبت بشدة الحكومة الأسترالية بمراجعة الطلبات التي ترفضها هيئة تقييم الهجرة، وهي هيئة تم تشكيلها في عام 2015 للمساعدة في تصنيف طلبات اللجوء. ومنذ ذلك الحين، راجعت الهيئة أكثر من 12 ألفاً و500 طلب مقدم من طالبي اللجوء السريلانكيين الذين رُفضت طلباتهم؛ حيث تم رفض 93٪ منها.

وتقول المديرة والمحامية الرئيسة، التي تقدم خدمات المحاماة للاجئين، سارة ديل: «يبدو أن أستراليا في الماضي تعاملت مع مطالبات التاميل بمستوى أعلى بكثير من التدقيق والتشاؤم، مقارنة برعايا الدول الأخرى». ويستخدم مسؤولو الهجرة الأستراليون تقرير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان لتقييم طلبات اللجوء، لكن الجماعات الحقوقية تقول إن هؤلاء المسؤولين يولون أهمية أكبر عادة لتقرير المعلومات الذي جمعته وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية.

في مايو، وجدت محكمة بريطانية نظرت في طلب لجوء أحد السريلانكيين للمملكة المتحدة، أن صدقية تقرير وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية «كان من الصعب موازنته»، لأنه لم يذكر اسم أي مسؤول بالتحديد، ولم تكن هناك شهادات مباشرة.

وتقول ديل: «في الحقيقة توصلت المملكة المتحدة إلى هذه النتيجة، وذهبت إلى حد انتقاد تقرير وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية»، وتضيف «المطالبات التي أثيرت في أستراليا لا تختلف في الواقع عن المطالبات المقدمة في المملكة المتحدة».

قلق ورعب

يشعر طالبو اللجوء من التاميل في أستراليا بالقلق، ويخافون أن يأتي من يطرق عليهم الباب ويعتقلهم. تقول مسؤولة الهجرة السابقة والمؤسس المشارك لمجموعة بريسبان للاجئين وطالبي اللجوء، ريبيكا ليم، ان «هناك العديد من العائلات في هذا الوضع، لا يعرفون حقاً ما يخبئه لهم المستقبل».

وتقول إن العديد من نساء التاميل كنّ ضحايا للعنف الجنسي الذي تقول الأمم المتحدة، إنه كان إحدى وسائل التعذيب في الأشهر الأخيرة من الحرب في سريلانكا. وتضيف «يوجد ثلاثة أجيال، في العائلة الواحدة: جدات، وأطفال، وأحفاد، وأسر تعولها نساء، الجميع مرعوب من احتمال إعادته إلى بلاده». وتتابع: «النساء خائفات على سلامتهن وسلامة بناتهن، وخائفات من أن تعتقل إدارة البحث الجنائي أزواجهن، أو أبناءهن، أو إخوتهن، وبعد ذلك يختفون، ما يتركهم عرضة للخطر ودون حماية من الذكور».

نجحت سياسة الهجرة المتشددة في أستراليا في «إيقاف القوارب»، لكنها جاءت بكلفة شخصية باهظة، لآلاف من طالبي اللجوء المحاصرين هناك، حيث قضى البعض منهم سنوات في السجن في جزر نائية، والبعض الآخر لايزال محبوساً في مراكز احتجاز المهاجرين، وحتى داخل الفنادق حول أستراليا، مع احتمالات قليلة للإفراج عنهم.

كانت سريلانكا شريكاً مهماً في هذه السياسة من خلال ردع المتاجرين بالبشر. ومنحت أستراليا في وقت سابق من هذا العام الشرطة السريلانكية خمس طائرات بدون طيار لمكافحة الجريمة وتهريب البشر. وفي الماضي، تبرعت أستراليا بزوارق دورية للبحرية السريلانكية، إلى جانب تدريبها لشرطة خفر السواحل السريلانكية.

ويقول وزير الهجرة، أليكس هوك إن المتاجرين بالبشر يمكنهم استئناف نشاطهم «في أي لحظة». ويضيف أن «المهربين موجودون هناك ويراقبون التطورات في أستراليا عن كثب، وعلينا اتخاذ قرار صارم لحماية حدودنا، وهو قرار صحيح لأن التجارة في البؤس البشري تعني خسارة الأرواح، وتعني المزيد من النفقات، وتعني فقدان التماسك الاجتماعي». ويقول إنه سيراجع طلب الأسرة أثناء بقائهم رهن الاحتجاز المجتمعي في بيرث. وهذا يتطلب منهم الوجود في عنوان محدد بموجب حظر التجول، من دون أن يكون لهم حق السفر بين الولايات، ويتلقون رعاية طبية، لكن لا يسمح لهم بالعمل. وستلتحق كوبيكا بمدرسة محلية جديدة.

تشكيك في حالات التعذيب

يتألف تقرير وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية من 73 صفحة، وتم نشره في أوائل نوفمبر 2019 - قبل أسبوعين من تولي الرئيس السريلانكي، غوتابايا راجاباكسا، منصبه - ويستعرض عدداً من مزاعم التعذيب الأخيرة، لكنه يخلص إلى أنه لا يمكن التثبت من هذه المزاعم، ويدّعي أن بعض حوادث التعذيب قد تحدث، لكنها قد تشكل «خطراً ضئيلاً».

وفي حالة الأفراد المحتجزين من قبل السلطات السريلانكية، تقدّر وزارة الشؤون الخارجية والتجارة، أن خطر التعرض لسوء المعاملة معتدل. وحيثما يحدث ذلك، قد ترقى بعض أشكال سوء المعاملة إلى مستوى التعذيب. وتقدر وزارة الشؤون الخارجية والتجارة أن السريلانكيين يواجهون خطراً متدنياً للتعذيب بشكل عام. وأكدت الوزارة لجلسة استماع بمجلس الشيوخ، هذا الشهر، أن تقريراً جديداً يجري إعداده وسيرى النور في وقت لاحق من هذا العام.

ولدت ثارنيكا (أربعة أعوام)، وشقيقتها كوبيكا (ستة أعوام)، في أستراليا، لكن الحكومة ظلت تعتبر إقامة الأسرة بأكملها غير قانونية، لأن الوالدين وصلا عن طريق البحر، عندما دفع الزوجان؛ بريا (الأم)، وناديس موروغابان (الأب)، أموالاً للمهربين لنقلهما إلى أستراليا عن طريق القوارب.

تويتر