باحثان أميركيان:

أميركا عاشت تناقضاً بين خوض الحرب وبناء المؤسسات في أفغانستان

صورة

يتوقع الكثير من المحللين مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر في أفغانستان، ومن الدلائل المبكرة على ذلك تصريح مسؤولين أفغان أخيراً بأن مسلحي «طالبان» سيطروا على منطقتين جديدتين في أفغانستان في غضون ثلاثة أيام بناء على المكاسب العسكرية التي حققوها منذ البداية الرسمية لانسحاب القوات الدولية، وأن القوات الحكومية تخلت عن المنطقة الأخيرة من دون الاشتباك مع المسلحين.

يذكر أنه منذ الأيام الأولى للعمليات الأميركية في أفغانستان، تمارس الولايات المتحدة أمراً محيراً، فحتى أثناء تطوير الجيش الوطني الأفغاني كجزء من مشروع أوسع نطاقاً لبناء الدولة، بدأت القوات الأميركية تدريب وتمويل وحدات منفصلة تحت قيادة أمراء الحرب للمساعدة في مواجهة تنظيم «القاعدة». وكانت تلك إلى حد كبير عمليات مستقلة من دون تنسيق مع كابول. وكان كثيرون في تلك الوحدات يحصلون على مرتبات أعلى بكثير مما يقدمه الجيش الرسمي، ما أدى إلى تقليص الرغبة في الانضمام إلى الجيش، وتمكين أمراء الحرب، وجعلهم في وضع أقوى من قوات الأمن التي يفترض أن الولايات المتحدة كانت تقوم بدعمها.

لا خطة متماسكة

وفي مقال نشرته مجلة «فورين أفيرز» في عام 2002 قالت أنجا مانويل وبي. دبليو سينجر تعليقاً على هذا الأمر، إنه نتيجة لذلك لم تظهر أي خطة متماسكة لدمج أمراء الحرب أو تسريحهم، وإنه «إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فيبدو من المؤكد تقريباً أن حلم إيجاد جيش يعتمد على نفسه يخدم الشعب الأفغاني سيكون مصيره الفشل».

وتقول مديرة برنامج مراقبة المساعدات الأمنية بمركز السياسة الدولية الأميركي، لوران وودز، ونائب مديرة برنامج مراقبة المساعدات الأمنية، إلياس يوسف، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية، إنه مرت 20 عاماً تقريباً، ويبدو أن هذه التوقعات صدقت إلى حد كبير، فمازالت قبضة قوات الأمن على زمام الأمور في البلاد ضئيلة، وتواصل اعتمادها على الدعم الدولي، خصوصاً بالنسبة للسلاح الجوي. وزاد نفوذ «طالبان» باطراد، كما زادت سيطرتها على الأراضي، وقدرتها على تنفيذ هجمات منتظمة، وشعورها بأنها كسبت الحرب.

ويعتبر التناقض بين أهداف خوض الحرب وبناء المؤسسات مجرد عامل بين كثير من العوامل وراء فشل الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي (ناتو) في بناء قوات أمن متمكنة في أفغانستان، لكنه من أهم العوامل وأكثرها تجاهلاً، وللأسف من المحتمل تكراره.

وأضافت وودز ويوسف أن الولايات المتحدة تشارك في تعاون أمني مع نحو 147 دولة في العالم من خلال إجراءات مثل المساعدة المباشرة في مجال الأمن، والتدريب، والمناورات المشتركة، وتسليح وتجهيز قوات الأمن. ويعد هذا مشروعاً ينطوي على تحديات في ظل أفضل الظروف، ويتطلب قدراً متزايداً من العمل، ما يشير إلى أن فاعليته في تحقيق أهدافه المعلنة غير مؤكدة في أفضل الأحوال، ومن الصعب توقع تداخل المساعدات مع الديناميكيات الاجتماعية، والسياسية، والأمنية المحلية، وحتى من الأصعب إدارته.

ولم تحظ أفغانستان بأفضل الظروف، فقد كانت الولايات المتحدة تقوم بجهودها الأكثر طموحاً المتعلقة بالمساعدات الأمنية، بينما تخوض حرباً في الوقت نفسه. وكما اكتشفت الولايات المتحدة فإن أهداف إدارة الجهود المتوازية لإضعاف تقدم حركة «طالبان» والقيام في الوقت نفسه بإعداد قطاع أمني أفغاني رسمي كانت في الغالب متعارضة.

وفي حقيقة الأمر، فإن خوض الحرب كان مهيمناً للغاية على التصور الأميركي في عام 2001 لدرجة أن تطوير القطاع الأمني وإصلاحه، نادراً ما كان يشغل بال صانعي السياسة الأميركيين قبل غزو أفغانستان، أو حتى بعده. وكان للجهود العسكرية لاقتلاع «طالبان» وتدمير الملاذات الآمنة لتنظيم «القاعدة» الأسبقية على كل شيء آخر، ما أدى إلى عدم الاهتمام بالحاجة لتخطيط لما بعد الحرب، خصوصاً في القطاع الأمني.

انتصارات مبكرة

وقد صاحبت ذلك انتصارات مبكرة، بما في ذلك الهزيمة الواضحة لـ«طالبان» و«نجاح» الغزو، ما زاد من إغفال الحاجة للتركيز على إعادة بناء قوات الأمن الأفغانية، وأدى هدوء خادع في فترة ما بعد طالبان إلى عدم إعطاء المخططين العسكريين الأولوية للقطاع الأمني، رغم الحاجة الماسة للخدمات الأمنية المتمكنة، ونتيجة لذلك كانت المساعدات الأمنية وبناء المؤسسات العسكرية متقهقرة بالنسبة للتحديات الأمنية الأكثر إلحاحاً في أفغانستان.

ويرى الباحثان أن الأمر الأكثر مرارة هو أنه بينما تستعد الولايات المتحدة لسحب قواتها بالكامل بحلول سبتمبر المقبل، هناك تقارير بالفعل تفيد بأن أجهزة المخابرات الأميركية تفكر في التواصل مع قادة الميليشيات العاملة خارج الهياكل الأمنية الأفغانية الرسمية، وهي استراتيجية للاستثمار في عناصر غير تابعة للدولة تعترف بأهمية القطاع الأمني غير الرسمي وتطيل أمده.

وعلى الرغم من أنه من المستحيل تصحيح الأخطاء السابقة في مجال المساعدات الأمنية في أفغانستان، هناك خطوات قليلة يمكن للولايات المتحدة والشركاء الدوليين اتخاذها لتعزيزالمساعدات الأمنية في المستقبل، سواء كانت مساعدات تكميلية في أفغانستان، أو في غيرها من الدول، أولها أنه يتعين على الولايات المتحدة تطوير تفهم أكثر قوة لكيفية تعارض أي ظروف قتالية مع أهداف المساعدات الأمنية.

• خوض الحرب كان مهيمناً للغاية على التصور الأميركي في عام 2001 لدرجة أن تطوير القطاع الأمني وإصلاحه، نادراً ما كان يشغل بال صانعي السياسة الأميركيين قبل غزو أفغانستان، أو حتى بعده.

• يعتبر التناقض بين أهداف خوض الحرب وبناء المؤسسات مجرد عامل بين كثير من العوامل وراء فشل الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي (ناتو) في بناء قوات أمن متمكنة في أفغانستان، لكنه من أهم العوامل وأكثرها تجاهلاً، وللأسف من المحتمل تكراره.

تويتر