الشارع فقد ثقته بالطبقة الحاكمة

لبنان المفلس يواجه خطر التحوّل إلى دولة فاشلة

صورة

في الوقت الذي يتعامل فيه لبنان مع جائحة «كورونا»، وبعد الانفجار الكارثي في ميناء بيروت الصيف الماضي، والأزمة الاقتصادية، يبدو أن نظام الرعاية الصحية في هذا البلد على وشك الانهيار. وأصبح هناك نقص في الأسرّة والأدوية، وأسطوانات الأوكسجين، في الوقت الذي وصلت فيه حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى أرقام مهولة يومياً. ولسوء الطالع، فإن المساعدات الأجنبية الطارئة لن تأتي دون إجراء إصلاح حكومي جذري. ومن المستحيل إيجاد حل محلي للأزمة بالنظر إلى أن النخب السياسية في حالة صراع مع بعضها بعضاً، كما أن الانقسام الطائفي يزداد شدة. وتعتبر الولايات المتحدة، وهي أكبر مانح للبنان، الأمل الأخير.

خذلان

وفي أكتوبر 2019، حاولت التظاهرات قلب الحكومة والمؤسسات التي تقوم عليها. وعلى الرغم من أن القادة اللبنانيين خذلوا مواطنيهم على كل الصعد، إلا أن فسادهم وقلة كفاءتهم، بصورة خاصة، أدى إلى تبديد موارد الدولة. ويعاني 60% من السكان انعدام الأمن الغذائي مع نهاية 2020، و30% من السكان يعانون البطالة حالياً. وأدت أزمة بنكية حادة إلى فقدان الليرة اللبنانية 90% من قيمتها، وفرضت البنوك قيوداً صارمة على سحب الدولار، ما جعل العديد من اللبنانيين في حالة إفلاس.

وأدت الأزمة الاقتصادية إلى حدوث نقص في الكوادر، والدواء، والامدادات نتيجة نقص الدولار. وعلى الرغم من أن الديون تعادل 170% من إجمالي الناتج المحلي، إلا أنه لا يوجد أي خطة إنعاش اقتصادية في المنظور القريب.

وفشلت الجهود المبذولة لجلب اللقاحات ضد «كورونا» في البداية لأسباب بيروقراطية، ولكن تم أخيراً الموافقة في البرلمان على مسودة قانون يمهد الطريق لشراء كميات من اللقاح. ولكن لم يوافق السياسيون اللبنانيون وعرابيهم على تشكيلة الحكومة الجديدة، وهي عملية تعثرت منذ أشهر عدة نتيجة المساومة على حجم الحكومة، ومسؤولية التعيينات، والجدل الدائر على من سيحصل على وزارات الداخلية، والطاقة، والأشغال العامة، حيث سيتم ضخ دولارات جديدة في هذه الوزارات حالما يتم الانتهاء من إعادة تشكيل الحكومة. ومن المتوقع أن يؤدي انشغال إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى التأثير على الخطوات المقبلة، خصوصاً أن هناك مناصب وزارية يمكن أن تمنح لأشخاص يمكن أن يتعرضوا لعقوبات أميركية.

وبينما تستمر المنافسات على المواقع الوزارية، تبدو المساعدات الدولية مشروطة بتشكيل حكومة فاعلة وقادرة على إدارة شؤونها، إضافة إلى القيام بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي لم تحدث حتى الآن. وقد تجمدت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض قيمته 10 مليارات دولار، لعجز الدولة عن تقديم الحد الأدنى من مستلزمات هذا القرض.

رفض المسؤولية

ولم يقبل أي مسؤول لبناني بمسؤوليته عن انفجار ميناء بيروت، بل إن السياسيين اللبنانيين اتحدوا لإفشال جهود المحاسبة. والأمر الأكثر إثارة للدهشة أن وزير الصحة اللبناني صرح علناً أن الضحايا الناجمة عن الانفجار كانت «مقدرة» وأدت جهود القاضي فادي صوان الذي يعمل لتحديد أسباب الانفجار الى توجيه التهم إلى أربعة سياسيين، بينهم رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، بالإهمال. ولكن صوان سرعان ما فقد صدقيته، واتهم بأن اختيار هؤلاء الأربعة جاء على أسس سياسية.

وكان تحالف المواطنين الغاضبين الذين احتشدوا في الشوارع من أكتوبر 2019 حتى بداية الحظر الصحي في أبريل 2020، اعتبروا انفجار أغسطس لحظة فارقة يمكن أن تؤدي إلى تغيير حقيقي، وتتغلب أخيراً على ثقافة السياسة اللبنانية الحصينة. وتعززت هذه المشاعر نتيجة تقاعس الحكومة في القيام بأي أعمال إعادة بناء وإصلاح ما دمره الانفجار، وهي الأعمال التي قامت بها مجموعات المجتمع المدني. ومنذ ذلك الوقت، لم يتم اتخاذ أي قرار بشأن إعادة هيكلية الديون لكبح جماح الأزمة الاقتصادية، لا بل إن احتياطي البنك المركزي انخفض. وعندما ينفد هذا الاحتياطي لن يكون لبنان قادراً على شراء المواد الغذائية (يستورد لبنان 85%من احتياجاته الغذائية)، ناهيك عن الرعاية الصحية، لأن الدولة ستكون قد أفلست تماماً.

فقدان الأمل

وفقد اللبنانيون كل أمل في كل ما يقوله السياسيون الفاسدون. وكنذير للاضطرابات التي اختمرت بين الفقراء، أظهرت التظاهرات التي اندلعت في طرابلس حدود صبر المواطنين الذين فقدوا كل الثقة بالطبقة الحاكمة. ويسلط وضع الرعاية الصحية الحكومية الضوء على الفساد المزمن الذي تعانيه الدولة اللبنانية العاجزة عن حكم البلاد، ناهيك عن تقديم أبسط الخدمات الأساسية لمواطنيها.

والحل الوحيد للدولة اللبنانية سيكون الإصلاح الكامل ليس لحالة البيروقراطية المتضخمة والنظام الصحي فقط، وإنما المحسوبية المتفشية، والتي تمثل وباء في إدارتها السياسية، والفساد الذي يغذيها.

وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يكون لبنان إحدى أولويات إدارة بايدن، إلا أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تملك الموارد لإيجاد خطة للمساعدة على إنقاذ لبنان. ويتعين على اللبنانيين التماس المساعدة الأميركية استناداً الى القيم الديمقراطية المشتركة بين البلدين. ويدفع المجتمع المدني الذي أفرز الثورة ضد الطبقة الحاكمة، باتجاه الإصلاح الشامل للنظام السياسي برمته. ومن دون إعادة ابتكار لبنان، برؤية واستراتيجية جديدتين تسمحان بظهور بديل سياسي للطبقة الفاسدة الموجودة حالياً، ستواجه الدولة برمتها خطر التحول إلى دولة فاشلة.

باتريشا كرم : مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الدولي الجمهوري


- على الرغم من أنه من غير المرجح أن يكون  لبنان إحدى أولويات إدارة بايدن، إلا أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تملك الموارد لإيجاد خطة للمساعدة على إنقاذ لبنان.

- خلال أكتوبر 2019، حاولت التظاهرات قلب الحكومة والمؤسسات التي تقوم عليها. وعلى الرغم من أن القادة اللبنانيين خذلوا مواطنيهم على كل الصعد، إلا أن فسادهم وقلة كفاءتهم، بصورة خاصة، أدى إلى تبديد موارد الدولة.

 

تويتر