هل سرق الجيش الفرنسي ذهب مالي؟

نشرت وكالة الصحافة الفرنسية تقريراً تفند فيه منشورات انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بسرقة الجيش الفرنسي لذهب جمهورية مالي في القارة الأفريقية، حيث كذب تقرير الوكالة كل ما ينشر في هذا السياق.
وفيما يلي تقرير الوكالة:
انتشرت على مواقع التواصل بلغات عدة صور وفيديو يدّعي ناشروها أنها تثبت ضلوع الجيش الفرنسي في تهريب الذهب من مالي، لكن هذه الصور والفيديو ليست ملتقطة في مالي أصلاً ولا علاقة للجيش الفرنسي بها.

يقول أحد المنشورات المتداولة باللغة العربية "تمتلك فرنسا خامس أكبر احتياطي من الذهب في العالم، رغم عدم وجود مناجم ذهب على أرضها. بينما لا تمتلك دولة مالي التي تحتلها فرنسا أي احتياطي من الذهب، رغم أنه يوجد فيها المئات من مناجم الذهب !!! هذه الصورة تبيّن مِن أين جاءت فرنسا بكل هذا الذهب".

وأُرفق المنشور بمجموعة صور يظهر في إحداها عسكريون في قعر حفرة يخرجون منها صناديق يوحي المنشور بأنها تحتوي على ذهب مستخرج من الأرض.
وشارك هذا المنشور عشرات على الأقل باللغة العربية، بحسب ما وقع عليه فريق تقصّي صحّة الأخبار في وكالة "فرانس برس".

كما انتشر المنشور نفسه باللغة الفرنسية وتناقله مئات.
تمكن فريق تقصّي صّحة الأخبار من رصد ظهور المنشور لأول مرّة على فيسبوك في أكتوبر 2019.

وشهدت مالي في 17 يناير 2012 هجوما شنته مجموعات متطرفة على صلة بتنظيم القاعدة ومتمردو الطوارق من "الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، وسقط الشمال بعد هزيمة الجيش أمام التمرد الذي شكل الطوارق عموده الفقري، إذ تحالفوا في البداية مع هذه المجموعات التي ما لبثت أن طردتهم.

وترافق الهجوم مع العديد من الانتهاكات والفظاعات.
في 11 يناير 2013، أطلقت فرنسا عملية "سرفال" لوقف تقدم المتطرفين الذين أخلوا بعد ثلاثة أيام مدن الشمال الكبرى.

وفي الأول من أغسطس حلت محل "سرفال" عملية "برخان" المكلفة محاربة المتطرفين الإسلاميين. بدأت العملية بمشاركة ثلاثة آلاف جندي فرنسي قبل أن يرتفع عددهم إلى 4500 عسكري، ولا يقتصر انتشارهم على المستعمرة الفرنسية السابقة، بل يشمل خمس دول في منطقة الساحل هي أيضا النيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا.

كذلك أرسلت الأمم المتحدة في الأول من يوليو من السنة ذاتها قوة "مينوسما" لإحلال الاستقرار في مالي.

ولا تزال مناطق كاملة في مالي خارجة عن سيطرة القوات المالية والفرنسية والدولية، وهي تشهد دورياً هجمات دموية امتدت في السنوات الأخيرة إلى وسط مالي وجنوبها وأيضاً إلى بوركينا فاسو والنيجر المحاذيتين.

الواقع أن الصورة ليست ملتقطة في مالي. وأرشد التفتيش عنها باستخدام محرّكات البحث إلى الصورة الأصلية منشورة على موقع وزارة الدفاع الفرنسية، ويعود تاريخها إلى العاشر من فبراير 2014، أي قبل خمس سنوات على تداولها في هذا السياق المضلل. والتقطت الصورة أثناء العملية العسكرية الفرنسية في جمهورية إفريقيا الوسطى، ويمكن الاطلاع عليها من هذا.

وباشرت فرنسا في ديسمبر 2013 عملية "سانغاريس" العسكرية في إفريقيا الوسطى بهدف حفظ السلام في هذا البلد ووقف المجازر التي كان يشهدها وسط حرب أهلية اندلعت بعد الإطاحة بالرئيس السابق فرنسوا بوزيزيه.

وأسفرت هذه العملية عن "ضبط أكثر من 750 كيلوغراماً من الذخائر أثناء تجريد المجموعات المسلّحة من سلاحها والعثور على مخابئ للأسلحة"، بحسب وزارة الدفاع الفرنسية.

وأنهت فرنسا في 31 أكتوبر 2016 عملية "سانغاريس" معلنة نجاحها رغم أنها لم تتمكن من القضاء على العصابات المسلحة التي تبث الرعب بين السكان، كما لم تنجح في فرض الاستقرار في أحد أفقر بلدان العالم.

ويمكن مشاهدة صور أخرى عن هذه العملية على وكالة "غيتي".
كذلك نُشر المضمون نفسه مرفقاً بصورتين، يظهر في إحداها أفارقة يبدو وكأنهم عمال مناجم، وفي الثانية جنود فرنسيون على مقربة من طائرة مروحيّة، بما يوحي أن الجنود الفرنسيين يشرفون على أعمال تنقيب عن الذهب في مالي.

ونال هذا المنشور مئات على الأقل.
وجاء فيه "قوات الاحتلال الفرنسي تستخرج الذهب في دولة مالي المسلمة، وترسله إلى فرنسا. (نهب علني لثروات هذا الشعب الفقير)".

لكن التفتيش على صورة عمال المنجم باستخدام محركات البحث أرشد إلى منشورة على موقع وكالة "غيتي"، وهي ملتقطة في منجم في إفريقيا الوسطى، ولا علاقة لها بمالي.

أما صورة الجنود الفرنسيين فوزّعتها وكالة "فرانس برس" في يناير 2015، أي قبل أربع سنوات على تداولها في سياق مضلّل، وهي تًظهر جنوداً في قاعدة عسكرية في غاو شمال مالي. ويمكن الاطلاع عليها من هذا على موقع الوكالة، حيث يمكن رؤيتها في الصف السفلي من الصور.

في منتصف أغسطس 2019، ظهر على مواقع التواصل مقطع مصوّر قال ناشروه إنه يُظهر ضبط الجمارك في مالي سبائك من الذهب لحساب فرنسا.

ويظهر في الفيديو رجال يفتحون صناديق بداخلها سبائك من الذهب.
وجاء في منشور مرفق بالفيديو "جمارك دولة مالي وبحضور مراقبين أمميين ووسائل إعلام تحبط عملية لتهريب الذهب من طرف الجيش الفرنسي الذي كان يدعي بأنه ينقل أسلحة بأوامر الإليزيه".

وشارك المنشور من هذا وحده أكثر من عشرة آلاف مستخدم.
ونُشر نفسه على موقع يوتيوب.

لكن هذا الفيديو في الحقيقة ملتقط في غانا وليس في مالي ولا علاقة له بالجيش الفرنسي، بحسب ما أظهر تحقيق أجراه فريق استند على عناصر مثل الصحيفة الغانيّة في يد أحد المراقبين واسم الشركة التجارية المعنيّة بالقضيّة والظاهرة على ورقة يحملها مراقب آخر.

وأوضح الفريق بعد التحقيق أن الفيديو يظهر في الحقيقة عملية عادية للكشف على حمولة من المعادن قبل بيعها، وهو ما أوضحه الرجل الذي يتكلم في الفيديو وكأنه يعطي تعليمات، وقد عثر عليه الفريق واتصل به هاتفيا، وهو محام اسمه رينيه فيريتشيا.

تويتر