الدوحة فشلت في الاتعاظ من تاريخها المثقل بالمطبات

الدبلوماسية القطرية تسقط في اختبار تدارك الأخطاء

الدوحة فشلت في التقاط مؤشرات واضحة كانت تنذر بنفاد صبر جيرانها. أ.ب

تنقضي غداً ستة أشهر على إعلان الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، في الخامس من يونيو الماضي، قطع علاقاتها بالدوحة، في خطوة توّجت رسوب الدبلوماسية القطرية في اختبار تدارك أخطاء حكومتها.

وهذه الفترة كانت كافية لتأكيد إخفاق دبلوماسي طالما حاولت الدوحة إخفاءه تحت غطاء الاستثمار، أو ما يُعرف تقنياً بـ«دبلوماسية الاستثمار» في البلدان التي ترى أهمية ربط علاقات وثيقة معها.

فشل دبلوماسي يقرّ جلّ الخبراء أنه كان نتيجة وسبباً في الآن نفسه؛ نتيجة لمسارات خاطئة وقرارات مغلوطة ورؤية استشرافية ضبابية، وسبب في دخول السياسة الخارجية القطرية في متاهات كان من البديهي أن تخلق إشكالات إقليمية بتداعيات دولية.

وعلى الرغم من أن التاريخ الدبلوماسي للدول عادة ما يشكل قاعدة معلومات وأرشيفاً تُبنى على أساسه الخطط الاستراتيجية الآنية والمستقبلية، إلا أن الدوحة فشلت في الاتعاظ من تاريخها المُثقل بالمطبات الدبلوماسية، تماماً كما فشلت في التقاط مؤشرات واضحة كانت تنذر بنفاد صبر جيرانها.

فقرار الدول الأربع قطع علاقاتها مع الدوحة إنما يشكل نتاجاً بديهياً لسوء إدارة الدبلوماسية القطرية، ولأخطاء قاتلة متعددة ومتراكمة، وما حدث في الخامس من يونيو الماضي، ليس سوى إحدى الارتدادات التي برزت بشكل أكثر حدة وتجلّياً.

• اضطرت الدوحة للعب على أكثر من حبل، ضخ دماء جديدة في دبلوماسيتها، وتعيين امرأة للمنصب بما يمنح انطباعاً بأن البلد منفتح، ما يشي بالتالي باعتداله ورفضه للإرهاب، والأهم هو إعادة الأزمة إلى صدارة الاهتمام الدولي.

وفي الواقع، فإن أزمات قطر مع محيطها المباشر عدة، وتعود إلى عقود من الزمن، وسياستها الخارجية سبق أن دفعت السعودية والبحرين والإمارات في الخامس من مارس 2014 إلى استدعاء سفرائها لدى الدوحة لمدة تسعة أشهر.

قرار جاء احتجاجاً على تدخل قطر في الشؤون الداخلية لهذه الدول، حسبما تم الكشف عنه لاحقاً، كما تتهم هذه الدول قطر بعدم الوفاء بالتعهدات التي قطعتها عام 2013.

ومع أن السعودية حاولت، من خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى قطر في ديسمبر 2016، مدّ جسور التواصل من جديد مع الدوحة على أمل أن تكون الأخيرة استفادت من أخطاء الماضي، وقطعت من بين أمور أخرى دعمها للجماعات الإرهابية، فإن الآمال سرعان ما خابت من جديد.

توتّر دبلوماسي يتصاعد نسقه في كل مرة بين قطر وجيرانها، قبل أن ينفجر ويجد طريقه نحو حل سرعان ما يضمحل أمام المطبات الدبلوماسية للدوحة، لتعود علاقاتها إلى المربع الأول.

وفي ظل فشل مكتب الاتصال الحكومي القطري الذي أنشأته الدوحة في 16 يونيو 2015، في تلميع صورتها لدى العالم، وإقناعه بأنها لا تدعم الإرهاب كما تقول دول المقاطعة، أعلنت الخارجية القطرية مطلع نوفمبر الماضي تعيين لولوة راشد الخاطر متحدثة رسمية باسم الوزارة.

وبدا من الواضح أن الخاطر التي تعد أول متحدث رسمي باسم الخارجية القطرية في عهد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي يتولى مقاليد الحكم منذ 25 يونيو 2013، مكلّفة بمهمة حفظ ماء وجه بلادها، وإنقاذ دبلوماسيتها الفاشلة، وفق مراقبين.

ففي خضم الأزمة الخانقة، اضطرت الدوحة للعب على أكثر من حبل، ضخ دماء جديدة في دبلوماسيتها، وتعيين امرأة للمنصب بما يمنح انطباعاً بأن البلد منفتح، ما يشي بالتالي باعتداله ورفضه للإرهاب، والأهم هو إعادة الأزمة إلى صدارة الاهتمام الدولي.

مهام متعددة لم تنجح الخاطر - حتى الآن على الأقل - في تفعيلها، في وقت تلاشت أزمة قطر من الاهتمام العالمي، وبدا أن الجميع تقريباً بات واثقاً من ثبوت التهمة على الدوحة، وسط تعنتها في التعامل مع مفاتيح حلها، بحسب الخريطة المقترحة من قبل دول المقاطعة.

اتهام الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقطر بدعم الإرهاب لم يمنع الدوحة نهاية يونيو الماضي من عرض ألوان علمها على مبنى «أمباير ستيت» في نيويورك الشهير، في خطوة رمزية للتذكير بالروابط الاقتصادية بين البلدين.

مفارقة أكّدت أن العزلة الاقتصادية المطبقة على الدوحة، ومساعيها لمقاومة التقلبات الدبلوماسية دفعتها لتبني تكتيك من نوع مختلف، يرتكز إلى الحصول على حصص كبيرة في الاقتصاد الأميركي.

وبناء على ذلك، التحفت ناطحة السحاب ذات البعد الرمزي بالنسبة للأميركيين بألوان شركة الخطوط الجوية القطرية والعلم القطري، في احتفال لم يقنع الكثيرين بصدقه، بمرور 10 سنوات على الرحلات الجوية بين البلدين.

وما لا يعرفه كثيرون أن قطر اشترت 10% من أسهم ناطحة السحاب «أمباير ستيت»، المكونة من 102 طابق، بقيمة 622 مليون دولار.

وعلقت الخبيرة في معهد الشرق الأوسط رندة سليم، على دبلوماسية الاستثمار التي تعتمدها قطر للتعتيم على إخفاقات سياستها الدولية «لديها (قطر) مخالب في كل مكان، وهذا أمر غريب».

تويتر