الشراكة الذكية بين الحكومة و«الخاص»

جابر محمد الشعيبي

تقدّم دبي نموذجاً متقدّماً في علاقتها مع القطاع الخاص، نموذجاً لم يعد يقوم على فكرة التنظيم من الأعلى، أو الاكتفاء بتسهيل الإجراءات، بل على شراكة ذكية ترى في الشركات والمستثمرين جزءاً أصيلاً من صنع النمو الاقتصادي. هذا التحول لم يكن شكلياً أو مرحلياً، بل جاء نتيجة رؤية طويلة المدى أدركت أن تنافسية المدن تُبنى عبر تكامل الأدوار بين الحكومة والسوق.

خلال السنوات الأخيرة، أعادت دبي تصميم منظومة التراخيص لتكون أكثر مرونة وسرعة ووضوحاً، فاختُصرت الإجراءات، وتكاملت الجهات، وتحوّل الترخيص من عبء إداري إلى أداة تمكين اقتصادي. هذه المرونة لم تسهّل الدخول إلى السوق فحسب، بل منحت الشركات قدرة أعلى على التوسع وتغيير الأنشطة، وابتكار نماذج أعمال جديدة، بما يعكس فهماً عملياً لاحتياجات المستثمرين في بيئة اقتصادية سريعة التغير.

وفي موازاة ذلك، تطورت التشريعات الاقتصادية لتواكب التحولات المتسارعة في الاقتصاد الرقمي والتجارة العابرة للحدود والخدمات الذكية. القوانين في دبي لم تعد جامدة أو بطيئة الاستجابة، بل صُممت لتوازن بين حماية السوق وتشجيع الابتكار، ما عزّز شعور المستثمر بالاستقرار دون أن يُقيّده عن النمو.

ولم تُبنَ هذه العلاقة على التسهيلات وحدها، بل على إطار قانوني واضح ينقل التعاون إلى مستوى «الشراكة المؤسسية». ومن هنا جاء قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص ليؤسس نموذجاً عملياً تشارك فيه الحكومة والقطاع الخاص في تنفيذ المشروعات التنموية والخدمية، بما يتطلب حسن اختيار المشروعات القابلة للشراكة، ورفع كفاءة إدارة العقود، وضمان تحقيق قيمة طويلة الأجل للاقتصاد والمجتمع. فبينما تركز الحكومة على التنظيم وضمان جودة الخدمة، يسهم القطاع الخاص في التمويل والتنفيذ والتشغيل بكفاءة أعلى.

الأهم في تجربة دبي هو أن العلاقة مع القطاع الخاص لم تعد علاقة تنفيذ، بل علاقة تشاركية في صياغة الحلول، ما يفرض تعميق الحوار المؤسسي مع الشركات، وتشجيعها على الاستثمار في الكفاءات والحوكمة والابتكار. في السنوات المقبلة لن تكون دبي مجرد مدينة جاذبة للاستثمار، بل منصة عالمية تُبنى فيها السياسات بالشراكة مع السوق، بما يرسّخ مكانتها مدينة تصنع المستقبل بشراكة ذكية بين الحكومة والقطاع الخاص.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيه.

تويتر