الاستباقية وإدارة الأزمات

*نائب مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية - قطاع الخدمات المساندة

الدكتورة سميرة النعيمي

في علوم إدارة الأزمات تُبنى الخطط على دراسة جميع الاحتمالات والسيناريوهات الممكنة، وتُسخَّر الموارد وفقها مع هوامش احتياط.. هذا هو المتعارف عليه في معظم القطاعات، لكن ماذا لو خالف الواقع كل التوقعات المدروسة، ووقع حدث خارج المألوف وخارج المنطق؟ هنا تنقلب الموازين، وتظهر الروح الحقيقية للقيادة، ويتبلور منهج الفكر بين من يدير حدثاً ومن يهندس مناعة مستدامة.

في مدرسة بلادي، على سبيل المثال، تم الاستعداد للأمطار هذا العام مبكراً، ورغم غزارتها الاستثنائية، ساهم التجهيز المسبق في إبقاء الشرايين الحيوية قيد الخدمة، فعادت الطرق الرئيسة إلى الانسيابية خلال ساعات محدودة، وتتابع فتح الشوارع الداخلية والمناطق المكتظة في أقل من يومين، وامتازت دبي بحلولٍ مبتكرة طورت بعد التجارب السابقة: تعزيز فرق الطوارئ، وتكثيف معدات السحب الميدانية، وتحسين تنسيق غرف العمليات والبلديات والجهات الخدمية حتى لا يتحول التعافي إلى رد فعل عابر.

والمثال الآخر هو تجهيز الطرق على المستوى الوطني. الفكرة ليست معالجة ازدحامٍ آني فحسب، بل هندسة شبكة تحتمل الزيادة السكانية المتسارعة وتغيّر أنماط التنقل والعمل. إن بناء القدرة المستقبلية - لا القريبة فقط - هو ما يحول الأزمات اليومية إلى فرصة لإعادة تصميم المنظومة: توسعات مدروسة، تقاطعات أذكى، حلول نقل عام متكاملة، إدارة تزايد التوسع المروري بتوجه منطقي.

برأيي، تغيّر مفهوم إدارة الأزمات كلياً، لم يعد واقعنا يقدّم «احتمالات ممكنة» بقدر ما يفاجئنا بـ«لا احتمالات» تفوق التصور، الخياران واضحان إمّا أن نرفع سقف التوقع ونفكر خارج الصندوق ونصمّم على أساس الأحداث القصوى، وإمّا أن نتبنّى علماً إدارياً جديداً يتدارك الفوضى قبل وقوعها، عبر أنظمة تتعلم بسرعة، وتمارين عابرة للقطاعات، ومرونة تشغيلية تجعل التعافي توجهاً استباقياً للأنظمة.. هكذا ننتقل من إدارة الأزمة إلى «هندسة المناعة».

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

 

تويتر