منصات التواصل وصورة الأسرة
في السنوات الأخيرة أصبح المشهد الرقمي جزءاً لا يتجزأ من تشكيل الوعي الاجتماعي، وأصبحت منصات التواصل هي المصدر الأول للمعلومات لدى شريحة واسعة من الناس، غير أن هذا التحوّل لم يأتِ دون تبعات، إذ بدأت المنصات في دفع قصص محددة إلى الواجهة، خصوصاً تلك المتعلقة بالطلاق والمشكلات الأسرية والقضايا التي تصل إلى قاعات القضاء.
ومع كثرة تداول هذه الحالات النادرة، ظهر انطباع عام يوحي بأن المجتمع يعيش حالة من التفكك، بينما الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك، لأن الواقع في الإمارات مختلف تماماً، الأسرة الإماراتية مازالت نموذجاً للاستقرار، مدعومة بمبادرات حكومية تستهدف الحفاظ على تماسك البيت قبل وصول المشكلة إلى مرحلة النزاع، لكن هذا الواقع لا يجد طريقه إلى المشهد الرقمي، لأن الاستقرار - بطبيعته - لا يصنع ضجة، ولا يجذب المشاهدات، ولا يتحوّل إلى «تريند».
المنصات الرقمية وجدت في القصص النادرة مادة سهلة لشدّ الانتباه. قصص وأحداث تحصد آلاف المشاهدات. وهنا يبدأ الخلل: عندما تُصبح الحالات الفردية معياراً عاماً، ويتحول المجتمع إلى متلقٍ لصورة مشوهة لا تعكس حجمه الحقيقي ولا عمقه الاجتماعي.
الأخطر من ذلك أن انتشار هذه النوعية من المحتوى لا يؤدي بالضرورة إلى حلّ المشكلات أو الحدّ منها، بل يوحي للبعض بأن اللجوء إلى العلن هو الخيار الطبيعي، وأن عرض الخلافات على الجمهور قد يكون وسيلة للضغط أو كسب التعاطف.
في الوقت نفسه، تبرز مشاهد أخرى تُظهر القضاء كأنه المسار الأول لحلّ الخلاف، بينما الحقيقة أن معظم القضايا تُحل عبر التفاهم داخل غرفة مغلقة، وبعد ذلك مراكز التوجيه الأسري قبل أن تصل إلى المحكمة.
إن تركيز المنصات على القصص السلبية لا يصنع وعياً، بل يخلق تصوراً مشوهاً، لذلك تصبح مسؤولية الإعلام الحقيقي أكبر، ومثلما تُعرض القضايا الأسرية بوصفها «مشكلات»، يجب كذلك عرض نماذج التماسك، قصص الصلح، نجاح برامج الإرشاد، وتجارب الأزواج الذين استطاعوا تجاوز الخلافات بعقلانية.
في النهاية، المجتمع لا يتشكّل من القصص الشاذة، ولا يُقاس بالحالات الفردية التي تتحوّل إلى مادة استهلاكية، لأن الأسرة الإماراتية أكثر تماسكاً مما يظهر في المشهد الرقمي، وأكثر وعياً مما تحاول بعض المنصات تصويره، وأن نقرأ المشهد كما هو: مجتمع قوي، وقيم راسخة، ومبادئ استثنائية.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.