شتانا.. خيارٌ ثانٍ
في كل شتاء تتكاثف الحملات الترويجية للسياحة في الإمارات؛ صور دافئة، ووعود بإجازة مثالية، وشتاء «ما له مثيل». المشهد جذّاب، والجهد واضح، لكن ثمة سؤال بسيط يفرض نفسه: لمن نُسوّق ومن ننسى في الطريق؟
كثير من المواطنين والمقيمين باتوا يتعاملون مع السياحة الداخلية كخيار ثانٍ لا أول. ليس لأنهم لا يحبون شتاء البلد، بل لأن الأرقام لا تجامل. ثلاث ليالٍ في فندق أو مزرعة داخل الدولة قد تعادل كلفة رحلة كاملة إلى وجهة قريبة، شاملة الطيران والسكن والطعام. ومع عائلة يتجاوز عدد أفرادها أربعة، يصبح القرار اقتصادياً بحتاً: الخارج أرخص.
نعلم أن الشتاء موسم، وأن التاجر يستثمر المواسم. لا اعتراض على الربح، لكن حين تتجاوز الزيادة حدود المنطق، تتحول السياحة الداخلية من فرصة إلى عبء. الربح المعقول يظل ربحاً، أما القفز المفرط في الأسعار، فهو حرق للسوق قبل أن يكون ذكاء تجارياً.
هنا يبرز دور الجهات المعنية بالسياحة، لا كجهات رقابية فقط، بل كمنسّق وشريك. جهات قادرة على كبح جماح رافعي شعار «هل من مزيد؟»، دون خنق السوق، عبر إدخال مفهوم الشراكة والمسؤولية الاجتماعية، وربط الامتيازات والحملات بمن يلتزم بأسعار عادلة، ويمنح المواطن والمقيم أولوية حقيقية. هذا ليس تمييزاً؛ دول كثيرة تطبّق سياسات تفضيلية لأبنائها أولاً ومقيميها في الفنادق والمتاحف والمراكز الترفيهية ووسائل النقل، ولم تخسر صورتها العالمية.
يلفتني تفكير مسؤولي مطار دبي الدولي حين لا يكتفون بالـ92 مليون مسافر الذين هبطوا فيه خلال عام واحد، بل ينظرون إلى من يعبر فوق الأجواء دون نزول، ويفكرون كيف يُنزلونهم عبر مبادرات التوقف القصير (Stopover)، من خلال عروض إقامة وتجارب سريعة قبل إكمال رحلتهم، تفكير خارج القالب المعتاد، وإذا كان هذا مستوى التفكير، فمن الطبيعي أن ننتظر روحاً مماثلة لدى الجهات المعنية بالسياحة، تستوعب القاعدة المحلية قبل البحث عن غيرها.
المواطن والمقيم ليسا جمهوراً ثانوياً في حملات السياحة، بل عمودها الفقري. فالإمارات بلد الجميع، نعم، لكنها تبدأ بأهلها ومن اختاروا العيش فيها. والسياحة التي تُكلِّف أهلها أكثر مما تُسعدهم.. لا يمكن تسويقها.
*إعلامي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.