فتى اليوم.. أب الغد

الدكتورة سميرة النعيمي

قبطان سفينة الأسرة يبدأ إعداده منذ الصغر.

في الوقت الذي حظيت فيه الفتاة باهتمام واسع في التربية والصحة والوعي، بقي الحديث عن الفتى ودوره في مستقبل الأسرة أقل حضوراً في الخطاب التربوي والاجتماعي. وعلى الرغم من أن بناء الأسرة يعتمد على شراكة متكاملة بين الطرفين، فإن إعداد الفتى منذ الصغر - بوصفه أب الغد وركن الأسرة الآخر - لم ينل القدر نفسه من التركيز، سواء في المناهج الدراسية أو في البرامج الموجهة للأسرة أو في الوعي المجتمعي العام.

لقد اعتدنا أن نربي الفتاة على قيم الرعاية والمسؤولية، بينما افترضنا أن الفتى سيكتسب دوره تلقائياً عندما يكبر، لكن الواقع يثبت أن قبطان سفينة الأسرة يحتاج هو الآخر إلى إعداد وتوجيه وتأهيل مبكر، تماماً كما تحتاج ربانة السفينة إلى المعرفة والحكمة والرعاية، فالأسرة لا تستقيم بركن واحد، ولا تزدهر دون تكامل الأدوار بين الأب والأم، وكل دور منهما له أثره العميق في النمو النفسي والاجتماعي للأبناء.

وربما يعود غياب التركيز على الفتى إلى العادات التعليمية القديمة التي خصّت الفتيات بمناهج «التربية الأسرية»، بينما ظل الفتى بعيداً عن هذا النوع من الإعداد، وكأن دوره في الأسرة يأتي لاحقاً وبشكل تلقائي، لكن الواقع التربوي والبحثي اليوم يكشف أن الفتى يحتاج - كما تحتاج الفتاة - إلى الاحتواء، والإشباع العاطفي، والقدوة، والتربية على احترام الآخر، وإدارة المسؤولية، والإعداد النفسي والاجتماعي، وفهم دوره المستقبلي كزوج وأب وشريك في بناء أسرة متماسكة.

إن إعداد الفتى لا يعني تحميله أعباء مبكرة، بل منحه الأدوات النفسية والاجتماعية التي تجعله سنداً قوياً لأسرته في المستقبل، سنداً في الاحترام قبل الإنفاق، وفي الحضور العاطفي قبل القرارات، وفي الشراكة قبل الأدوار التقليدية، فهو ركيزة أساسية في استقرار الأسرة، وصاحب دور محوري سنتحدث عنه لاحقاً في سلسلة مقالاتنا حول الأسرة ودورة حياتها.

إننا اليوم - في «عام الأسرة» - بحاجة إلى إعادة النظر في كيفية إعداد أبّ الغد، وتضمين ذلك في التربية المنزلية والمدرسية والبرامج المجتمعية، حتى نضمن تأسيس أسرة متوازنة، تُبنى على ركيزتين قويتين، لا على طرف واحد.

*نائب مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية - قطاع الخدمات المساندة

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها

تويتر