صدقوني.. ما تغيّرت

د. يوسف الشريف

نعم، الظروف المادية ما تغيّرت.. أنتم الذين تغيّرتم. قد تبدو الجملة قاسية، لكنها الحقيقة التي نرفض الاعتراف بها كلما أردنا تعليق مشكلاتنا على شماعة الزمن. الناس اليوم تقول إن الأسعار ارتفعت، وإن الدخل لم يعد يكفي، مع أن الحقيقة أن هذه الأمور كانت باهظة وصعبة المنال في زمنهم، كما هي صعبة في زمننا.

اليوم يبدأ الشاب براتب يقارب الـ20 ألفاً، والسيارة التي يشتكي من غلائها تبدأ من 50 أو 60 ألفاً، فالنسب متقاربة، ولم يحدث الانهيار الذي يصوره البعض. ما تغيّر فعلاً هو نمط الحياة، وسقف التوقعات، وطريقة إدارة الدخل.

حتى الزواج، الذي يُقال إنه أصبح مستحيلاً اليوم، لم يكن يوماً بسيطاً كما يتخيل البعض. قبل 30 عاماً، كان متوسط المهر يقارب 70 ألف درهم، والشبكة والدبلة وحدهما قد تتجاوزان 50 ألفاً، وحفلتا الرجال والنساء تكلفان نحو 100 ألف أخرى. أي أن الشاب كان يتحمل ما يقارب 250 ألف درهم، وراتبه لا يتجاوز 7400 درهم. أما اليوم، ورغم أن متوسط مصروفات العرس يصل إلى 500 ألف درهم، فإن راتب الخريج الجديد يقارب 20 ألفاً وربما يزيد. الدخل تضاعف ثلاث مرات، والتكاليف تضاعفت مرة واحدة فقط، فالحال من بعضه، والفرق الحقيقي هو في مستوى المتطلبات لا في جوهر الكلفة.

ثم انظروا إلى السفر، وستعرفون أين المشكلة. كثيرون يحجزون لأنفسهم تذاكر رجال الأعمال، ثم يختارون فندقاً ثلاث نجوم بحجة ارتفاع الأسعار. وفي بلدهم يصرّون على شراء سيارة ألمانية، بينما في السفر يقودون سيارة اقتصادية بكل رضا. المشكلة ليست في الأسعار، بل في «الصورة» التي نريد عرضها للناس.

وأقول هذا لا لألوم أحداً، بل لأذكّركم بأن الحياة لا تضيق بالناس، بل تضيق عندما يتوسّعون هم في ما لا يحتاجون إليه. نحن أقوى من أن تهزمنا موضة أو مظهر أو سباق لا نهاية له.

الحياة لم تتغيّر. الذي تغيّر هو عقولنا، وطريقة تعاملنا مع المال. وإن أردنا النجاة من هذا الضغط، فالحل في تهذيب الرغبات قبل محاربة الأسعار.

صدقوني ما تغيّرت الظروف، بل تغيّرنا نحن. وإذا غيّرنا نظرتنا، تغيّرت حياتنا كلها.

*محامٍ وكاتب إعلامي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

 

تويتر