العقوبات البديلة
تتطور المنظومة العدلية بوتيرة متسارعة، ليس فقط من خلال تحديث التشريعات، وإنما عبر إعادة تعريف العقوبة ذاتها، إذ لم تعد تعني السجن دائماً، بل قد تتحول إلى خدمة مجتمعية، أو برنامج تأهيلي، أو التزام سلوكي، أو حتى دورات إجبارية لإعادة الدمج.
ورغم أن هذه الفلسفة القانونية أصبحت أكثر حضوراً خلال السنوات الأخيرة، إلا أن كثيرين لايزالون يتساءلون:
متى تُطبّق العقوبة البديلة؟ وما معيار اختيارها؟ وهل يمكن أن تحل فعلاً محل السجن؟
القوانين الحديثة تتبنى مبدأ واضحاً، وهو أن «الغرض من العقوبة هو الإصلاح»، وهذا التوجه لا يقتصر على الجرائم البسيطة، بل يمتد إلى قضايا متنوعة، يرى القاضي أن السجن فيها لا يحقق منفعة للمجتمع، مثل جنح المرور، والسلوكيات غير الجسيمة، كالإزعاج أو الإخلال بالآداب العامة بشكل غير خطر، والخلافات بين الجيران، وبعض قضايا الشيكات بعد تعديلات 2022، ومخالفات بسيطة مرتبطة بسوء الإدارة أو الإهمال دون قصد جنائي.
وهناك حالات عدة لجأت فيها المحاكم للعقوبات البديلة، مثل شباب ضُبطوا أثناء القيادة بتهور، فعوقبوا بتنظيف الشوارع، ونزاع حدث بين أشقاء، وكان السجن خياراً قانونياً في ظل وقوع الاعتداء المتبادل بينهم، لكن رأت المحكمة أنهم يعيشون في منزل واحد، والسجن سيزيد التوتر فيما بينهم، فحُكم عليهم بحضور برنامج إجباري عن مهارات التواصل والتحكم في الغضب.
بشكل عام لا يمكن اعتبار العقوبات البديلة نوعاً من الضعف أو اللين، لأنها تحقق أهدافاً عدة، منها منع تراكم السجناء في قضايا بسيطة، وإعادة دمج الفرد دون وصمه السجن، وتقليل نسبة العودة للجريمة، وترك عقوبة السجن للمدانين في جرائم جسيمة وخطرة.
وهناك حالات واضحة لا يمكن اللجوء فيها إلى العقوبات البديلة، لكنها تظل خياراً أمام القاضي يخضع لمعايير صارمة.
لا شك أن السجون ستظل ضرورة لحماية المجتمعات من الجرائم الخطرة، لكن الاتجاه العالمي، والإمارات جزء من ذلك بالتأكيد، يسير نحو تقليل السجن القصير، واستبدال الحبس في المخالفات البسيطة، وتقديم خيارات لإصلاح السلوك، وجعل القانون أكثر إنسانية.
الخلاصة، أن العقوبات البديلة ليست مجرد سياسة جديدة، بل تحول فلسفي عميق يرى الجاني إنساناً قابلاً للإصلاح، ويرى المجتمع شريكاً في عملية إعادة الدمج.
*محكم ومستشار قانوني
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.