الوقف النقدي

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

عقدت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة، يوم 27 من شهر فبراير، ملتقى علمياً بعنوان «الوقف النقدي تمويل مستمر لمجتمع مزدهر»، قُدِّمت فيه رؤى علمية ووقائع عملية للوقف النقدي من حيث تشريعه، وضوابطه، ومقاصده، وآثاره في الواقع، وكان ملتقى مفيداً نافعاً، تحدث فيه فقهاء علماء على رأسهم معالي العلامة الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء، ومعالي الدكتور عمر الدرعي، رئيس الهيئة، وقُدمت فيه تجارب واقعية مفيدة من المملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وكان البحث مفيداً والرؤى موفقة.

والذي يعنيني في هذا المقال هو التنويه إلى أن الوقف النقدي هو الوسيلة الفاعلة لتطوير الوقف وديمومته وبالغ أثره الاجتماعي والشعائري والعلمي والصحي والبيئي وغير ذلك؛ لأن الوقف النقدي بعد تأصيله الشرعي الذي أكدته الورقة المقدمة، وقررته المجامع الفقهية، وله أصل في تراثنا الفقهي، هو الذي يسْهُل الاشتراك فيه من جميع الناس، فيفتح باب الاشتراك في الصناديق الوقفية المراد إنشاؤها، فيُسهم كلٌّ بما تجود به نفسه أو يقدر عليه، رغبة في الخير والثواب، وإسهاماً في تنمية المجتمعات، وقد أثبتت المؤسسات الوقفية النقدية والمبادرات الوقفية، التي أنشأها وبادر بها شيوخنا الأكارم، فاعلية هذا الوقف النقدي بما يفوق الوصف، إذ تتكون من النقد أصول وقفية ذات ريع وفير، واستثمار للنقود في الودائع المباحة شرعاً، وتقليبها في أسواق المال الشرعية، ما جعل الاستفادة من هذا الوقف محققة نافعة، ومستمرة، إذا أدير إدارة فاعلة، وبحوكمة سديدة، وعليه فإن المبادرة إلى الوقف النقدي هي عمل مبرور، وبه تحيا سنة الوقف التي كان السلف الصالح يسابقون إليها، ابتداء من الصحابة الكرام، رضي الله عنهم، فما كان أحد منهم ذو مقدرة إلا وقف، كما قال جابر بن عبدالله، رضي الله عنهما، وهم بذلك ينفعون أنفسهم بعظيم الأجر الذي يسري لهم ويدوم، وينفعون به مجتمعاتهم، فقد كان طلاب العلم والعلماء والفقراء والمرضى وأبناء السبيل والغارمون والعزاب والأرامل والطير والبيئة، الكل كان يعيش من ريع الوقف، ولم تكن الدولة إلا رافداً مكملاً لما يعجز عنه الوقف، إن كانت ذات سعة، وبذلك عاش المجتمع عيشاً مزدهراً كريماً.

غير أن هذا الازدهار خفت نوره أخيراً، بسبب ضياع الأوقاف، وتسلُّط الظالمين عليها، ما جعل الناس يعزفون عن نفائس عقاراتهم أو مزارعهم، فكانت فكرة الوقف النقدي أسهل في البذل، وأضبط في الحفظ، وأنفع للمجتمع.

ألا فلا يبخل أحد على نفسه ومجتمعه بما يقدر عليه من صدقة جارية.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها

تويتر