التربية الوطنية.. ممارسة وواقع يُعاش

الدكتورة سميرة النعيمي

لم تعد التربية الوطنية في دولة الإمارات مادةً تُدرَّس وتُختبَر، بل أصبحت منهج حياة، وممارسة مجتمعية يومية يعيشها الأفراد في سلوكهم، وانتمائهم، ومشاركتهم في بناء الوطن. فكل فعالية أو مناسبة وطنية من يوم عهد الاتحاد ويوم العَلَم ويوم الشهيد إلى اليوم الوطني، هي ليست مجرد ذكرى أو احتفال، بل درسٌ تطبيقي في المواطنة والانتماء، تُترجم فيه قيم الولاء والوفاء للوطن وقيادته إلى ممارسات ملموسة يعيشها الجميع، الصغير قبل الكبير، والأسرة إلى جانب المدرسة، والقطاع الخاص يداً بيد مع القطاع الحكومي.

لقد نجحت دولة الإمارات في تحويل هذه المناسبات إلى فضاء وطنيٍّ جامع، تتفاعل فيه المشاعر مع الممارسة، ومختبرٍ عملي للتربية الوطنية، ففيها يتعلّم الأبناء معنى الاتحاد من رموزه ومواقفه، ويستشعرون قيمة العَلَم وهو يُرفع في الساحات، ويستحضرون بطولات الشهداء لا كقصصٍ تُروى، بل كقيمٍ تُغرس في الوجدان. هذه الممارسات تُكمل دور المنهج الدراسي، وتمنحه بعداً وجدانياً وسلوكياً يعمّق الفهم الحقيقي للهوية والانتماء.

ولا تقتصر التربية الوطنية على المناسبات فحسب، بل تمتد إلى فضاءات الثقافة والتاريخ الحيّ، حيث تلعب المتاحف الوطنية، مثل متحف الاتحاد ومتحف زايد الوطني وقصر الحصن، دوراً محورياً في نقل الذاكرة الوطنية للأجيال. كما تشكّل المهرجانات التراثية، كمهرجان الشيخ زايد للتراث، بيئةً تعليمية متكاملة، تغرس في الأبناء حبّ الموروث الشعبي، وتربطهم بجذورهم الثقافية والإنسانية، فيتجسد الوطن أمامهم كقصةٍ تُعاش لا كمعلومة تُتلى.

كما أن إشراك أولياء الأمور والمجتمع في هذه الفعاليات يعزّز تكامل الأدوار بين المدرسة والأسرة، فالتربية الوطنية لا تُبنى في الفصول وحدها، بل في تفاعل الأجيال داخل البيت والحيّ والميدان. ومن هنا، تصبح المبادرات الثقافية والمجتمعية من مهرجانات ومعارض تراث إلى متاحف ومسابقات وطنية، جسوراً تربط المعرفة بالممارسة، والقيمة بالسلوك، وتُعيد تعريف التعليم بوصفه مسؤولية وطنية مشتركة.

إن التربية الوطنية في الإمارات اليوم مشروع وطني شامل، تتجدد مظاهره في كل مناسبة، وتتجلى معانيه في كل سلوكٍ يُعبّر عن حب الوطن وصدق الانتماء له، فهي ليست درساً يُشرح، بل موقفٌ يُعاش.

*نائب مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية - قطاع الخدمات المساندة

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

مسؤولية ما ينشر في مقالات الرأي تقع على الكاتب وحده ، ولا تتحمل الصحيفة مسؤولية الآراء الواردة فيها.

 

تويتر